العدد 7 - مساحة حرّة
 

تُعَدّ الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، الركائز الأساسية للحاكمية الرشيدة التي تميز الدول المعاصرة الراغبة في تطوير مجتمعاتها لتحقيق الاستقرار والأمن الإنساني، وبناء القدرة والمنعة الذاتية، ومواجهة تحديات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمشاركة الفاعلة في الساحتين الإقليمية والدولية.

والديمقراطية المقصودة هنا ليست مجرد الانتخابات، بل هي بالإضافة إلى ذلك الحرية، والمسؤولية الجماعية، والرقابة المؤسساتية، والقانون المقبول ديمقراطياً، والمساءلة، وتداول السلطة سلمياً وبالطرق المشروعة. أما حكم القانون فيعني سلطة المؤسسات، وفض النزاعات بموجب القانون، وشفافية القوانين، والرقابة المستقلة. بينما نعني بحقوق الإنسان احترام الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة للجميع، بما في ذلك حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات.

تقع الانتخابات العادلة والحرة والنزيهة في قلب العملية الديمقراطية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون قانون انتخاب عصري، يضمن إخراج سلطة تشريعية فاعلة قادرة على ممارسة دورها، ليس في التشريع والرقابة حسب، بل في تفعيل الحياة السياسية وتطوير السياسات والاستراتجيات العامة أيضاً، مع الاعتراف بأن هناك عوامل وقوانين أخرى تلعب دوراً مهماً في تفعيل الحياة السياسية كذلك، مثل قوانين الاجتماعات العامة، والأحزاب والجمعيات وغيرها، والفصل الحقيقي بين السلطات، وتعزيز دور المجتمع المدني.

ونظراً للتحديات الجمّة، الداخلية والخارجية، التي يواجهها الأردن، فإن قانون الانتخاب يجب أن يسهم في تحقيق الأهداف الآتية:

- تدعيم الجبهة الوطنية الداخلية.

- ترسيخ مبدأ المواطنة، والعمل على توجيه النسيج السياسي على الثوابت الوطنية المتفق عليها.

- ضمان أكبر مشاركة سياسية في الشأن العام وفي صناعة القرار.

- تفعيل الحياة السياسية والتأسيس لأحزاب سياسية حقيقية.

- ضمان أكبر تمثيل ممكن لشرائح المجتمع الأردني ومكوناته المختلفة في البرلمان.

- ضمان ممارسة المجلس النيابي دوره كاملاً في الرقابة الحقيقة على الحكومة.

ومن نافل القول أن تطوير الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية، بدءاً من التسجيل وانتهاءً بالتصويت وفرز الأصوات بما يضمن النزاهة والشفافية، مُهِمّ بأهمية شكل القانون الانتخابي. ففي ما يتعلق بشكل النظام الانتخابي، جرب الأردن قانون الصوت الواحد بشكله الحالي منذ العام 1993 الذي أسهم في إيجاد انقسامات حادة في المجتمع، وقوبل باعتراضات سياسية وشعبية من نسبة لا يُستهان بها من الناشطين والنخبة السياسية، وأدى إلى إنتاج مجالس نيابية لم تتمكن من ممارسة دورها الرقابي بشكل فاعل، ولم يقنع أداؤها الأغلبية الساحقة من الأردنيين بجديته وحياديته وموضوعيته، كما لم تسهم هذه المجالس بأيّ طريقة فاعلة في تنمية الحياة السياسية والحزبية، بل أدت إلى إضعافها، وخير مثال على ذلك غياب الحراك المجتمعي الحقيقي بما يتعلق بالانتخابات المقبلة، رغم حساسية اللحظة التاريخية التي يمر فيها الأردن وخطورتها.

من هنا يأتي دور القيادة والنخب السياسية والفكرية، في الدفع باتجاه قانون جديد للانتخابات يرتقي إلى مستوى التحديات، ويعمل على تحقيق الأهداف سالفة الذكر، وذلك من خلال اعتماد القائمة النسبية على مستوى المحافظة إلى جانب الصوت الواحد، حتى وإن كان ذلك بشكل متدرج، وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يضمن العدالة أخذاً بمعايير الكثافة السكانية، والمساحة الجغرافية، والمستوى التنموي، والبعد عن مركز صناعة القرار في العاصمة.

كما يجب أن يفسح القانون مساحة أكبر لدخول المرأة في البرلمان، وأن يفسح المجال لأكبر مشاركة شعبية ممكنة في الانتخابات، بخاصة للفئات المحرومة حالياً من ذلك، مثل الأردنيين المقيمين في الخارج، والموقوفين إدارياً وقضائياً. كما يجب أن يضمن القانون تفعيل مبدأ سرية الانتخاب، وتطوير شكل الورقة الانتخابية ومضمونها، وإعداد الجداول الانتخابية على مستوى كل مركز اقتراع داخل الدائرة الانتخابية الواحدة، ونشرها إلكترونياً، ومنع نقل الأصوات إلا للقاطنين في الدائرة الانتخابية وخلال العام السابق للانتخابات تحت طائلة المسؤولية الجزائية للناخب والناقل ومن يساعد ويشارك في ذلك، ووضع الضوابط القانونية التي تكفل المساواة بين المرشحين، وتفعيل العقوبات وتغليظها على الجرائم ذات الصلة بالعملية الانتخابية.

أخيراً، يجب إنشاء هيئة عليا مستقلة وحيادية، يكون أغلبية أعضائها من الجسم القضائي، للإشراف على الانتخابات، بما في ذلك تلقّي الطعون، والبتّ فيها، على أن يخضع ذلك للطعن القضائي أمام محكمة البداية التي تقع في الدائرة الانتخابية.

ولضمان نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، لا بد من أن يقوم المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان بالرقابة الشاملة على مجريات العملية الانتخابية.

التحدّيات جسيمة، والمهمة ليست سهلة، وعلى الجميع الابتعاد عن المصالح الضيقة، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية.

ما الذي نريده من قانون انتخابات جديد؟
 
01-Jan-2010
 
العدد 7