العدد 7 - قارئ/كاتب
 

كأن حمى تصيب أجسادنا، كأن ليلاً يدنو من نوافذنا ويحجب ضوء الفرح، كأن شيئاً ما يمنعنا من التنفس، كل ذلك يأتي إذ ما انتصبت مذيعة الأخبار وسط الشاشة الكئيبة وأخذت تتلو ما لقّنها المعد من أخبار، وراحت تروي ما يحدث في المسجد الأقصى من انتهاك واعتداء يدعو لقشعريرة تصيب أصحاب الدماء العربية التي لم تدجَّن بعد أو التي لم تدمن على انتهاكها وتصمت.

في مرة من المرات قرأت عبارة للموسيقار الألماني بيتهوفن يقول فيها: «يزني بنا القهر ولا نملك أن نصرخ». حينها لم تتخذ تلك العبارة مكانها في ذاكرتي، فقد كنت لا أتخيل أن يكون هناك بشري أو كائن يتعرض للانتهاك ولا يملك حقه في الصراخ والاعتراض، ولكن بعد ما مر على الساحة الفلسطينية من أحداث، بخاصة في الآونة الأخيرة، أيقنت أن هناك من يُنتهك ويملك حق الصراخ ويصرخ، ولكن من حوله أصيبوا بداء الصم.

ما يتعرض إليه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من اعتداء من مستوطنين وجنود إسرائيليين حاولوا اقتحامه وإطلاق النار على المصلّين، ليس هو ما يدعو إلى الدهشة، فنحن نتوقع من هؤلاء ما هو أبشع، لكن ما يدهشنا هو موقف العالم العربي والإسلامي من ذلك. إذ يبدو أن الشعوب المنتمية له لا تجيد سوى الكلام والصراخ في غرف زجاجية معزولة.

لو كان الصراخ يُرجع ما سُلب ويطهّر ما دُنس ويعيد ما هُتك، لكنت تبرعت بحنجرتي ورحت أصرخ حتى انفجرتْ حنجرتي وفر دمي منها يبلل الصرخة، لكن ليس للصرخة من أثر سوى في تشكيل حلقات سطحية على وجه البرْكة.

لقد أصبحنا اليوم جمهوراً لكوكب الشرق في أوج غنائها: نحن الجمهور، وفلسطين أمُّ كلثوم على المسرح، إن صمتت نبقى صامتين، وإذا ما غنّت صحنا بها: «الله الله، عظمة على عظمة يا ست» ونعود لوجومنا. اليوم، نشاهد فلسطين والمسجد الأقصى على مسرح الانتهاك، فنصرخ ونقول: «الله الله»، ونعود لنستمتع بما يروي المشهد من ألم.

على مسرح الانتهاك
 
01-Jan-2010
 
العدد 7