العدد 3 - الملف
 

في السعودية سكن لبناني في حيّ جديد، وبعد فترة فوجئ بجاره السعودي البدوي يعاتبه لأنه لا يحضر للصلاة معهم في المسجد، فقال اللبناني مستغرباً: لكنني مسيحي، فكيف أصلّي مع المسلمين. فردّ البدوي: وماذا في ذلك، أنا بدوي وأصلّي مع الحضر.

في العراق، تروى نكتة عن طالبين سنّي وشيعي يستعدان لامتحان نهائي. الشيعي توسّل بالإمام موسى الكاظم كي يعينه على الامتحان، أما السنّي فقد توسل بالإمام أبو حنيفة النعمان. في الامتحان حصل الشيعي على علامة 90 في المئة، في حين حصل السنّي على علامة 9. في الليل حلم الطالب السنّي بالإمام أبي حنيفة، وعاتبه، فقال له الإمام: آسف، اعتقدتُ أن الامتحان من 10.

تلك نماذج تثبت أن النكتة ليست دائماً فناً بريئاً، بل هي في اعتمادها على السخرية، قد تلجأ كما يقول الباحث السعودي عبد الله الهاشمي، إلى الشماتة والتشفّي وتحقير معتقدات الآخرين وذواتهم، وكثير من النكات تتضمن جانباً عنصرياً، باستهدافها فئات معينة من الناس، سواء كان الاستهداف على أساس عرقي أو ديني أو طائفي أو مناطقي.

الظاهرة عالمية، ولا ثقافة يمكن استثناؤها من النكات الفئوية، ففي فرنسا الكثير من النكات العنصرية عن تخلّف العرب، مثلاً: ما الذي يفصل بين الإنسان والحيوان؟ جواب: البحر الأبيض المتوسط.

وفي ألمانيا، النكات تدور حول جشع الأتراك. تقول نكتة إن تركيّاً حضره الموت فاستدعى ابنه وقال له: هل ترى هذه الساعة في يدي؟ لقد كانت لجدّي، وانتقلت إلى أبي، ثم انتقلت إليّ والآن جاء دورك كي تشتريها.

في إسرائيل تقول النكتة إن معلم مدرسة سأل تلميذاً: إذا دارت مباراة في كرة القدم بين يهود غربيين ويهود شرقيين في مكبّ للنفايات، فمن برأيك سيفوز؟ فرد التلميذ: اليهود الشرقيون طبعاً. سأله الأستاذ: ولماذا؟ التلميذ: لأنهم يلعبون على أرضهم.

يمكن تتبع ما لا حصر له من الأمثلة، إذ تتمحور النكات في بريطانيا على بخل الإسكتلنديين والإيرلنديين وسذاجتهم، وفي الولايات المتحدة على السود.. إلخ.

الخوض في النكات الفئوية في المجتمع الأردني أمر شائك، فالنكات الإقليمية والطائفية والعرقية مكوّن أساسي في الثقافة الشعبية في البلاد، ورغم أن الجميع يتداولونها شفاهةً، وعبر الرسائل القصيرة والرسائل الإلكترونية، إلا أن معظمهم يجدون صعوبة كبيرة في استيعاب فكرة نشرها في صحيفة أو مجلة.

في كتابه بيان الحدّ بين الهزل والجد، التقط السوري بو علي ياسين مفارقة، هي إصرار الناس على شفهية النكتة «المحرمة» بأنواعها، «فهم يروونها، لكنهم يغضبون عند نشرها». ويفسر ذلك بأن هذه النكات بتعبيرها الصادق عن تفاعلات المجتمع، تفضح وجوداً ما، لا تريد السلطات على اختلافها (سياسية، دينية، اجتماعية) الاعتراف بوجوده، وهذا ما يفسر وقوفها أمام هذا النوع من الكتابة.

«نحن جزء من الظاهرة العالمية»، يقول الكاتب الساخر يوسف غيشان، ويضيف: «كمجتمع يحمل طابعاً فسيفسائياً متنوعاً، فإن لدينا جميع أنواع النكات: الطائفي والإقليمي والمناطقي والعرقي، لهذا نجد نكاتاً أبطالها أردنيون وفلسطينيون، بيض وسود، مسيحيون ومسلمون ويهود ودروز، بدو وفلاحون ومدنيون، شيشان وشركس، شمالات وجنوب».

الراصد لهذا النوع من النكات في الأردن، يجد أن حاله حال النكات الفئوية في العالم، يلعب على الفروق الثقافية، ويعمل على تكريس الصورة النمطية التي تمتلكها كل مجموعة عن الأخريات. يتضح هذا في النكات التي يتراشقها أردنيون وأردنيون من أصل فلسطيني. مثال ذلك الصورة النمطية للفلاح الذي يعتمد في غذائه على نباتات الأرض، مقابل البدوي الذي يعتمد على اللحوم والألبان، فتحكي النكتة عن الأردني الذي تزوج فلسطينية وظلت تطعمه ملوخية وسبانخ وخبيزة، فقال لها أخيراً: خلص لا تطبخي، طالع أرعى لحالي.

في المقابل، هناك نكتة لدى الأردنيين من أصل فلسطيني ترسّخ الصورة النمطية للمرأة الأردنية المفتقدة للشاعرية، فالفلسطيني الذي تزوج أردنية، قال لها يوماً: منشان الله بدي شوية رومانسية، ولأنها لم تفهم ما يريده، استشارت أمها التي قالت لها: مش عارفة، بس احتياطي طَلعي لحمة.

في السياق نفسه، يتداول الأردنيون قائمة بأفلام فلسطينية:

- طخوه وكع ميت (آكشن).

- خمس دكايك حب (رومانسي).

- ضحية من أجل الكظية (وطني).

- لليش يا مكلعط (كوميدي).

أما الفلسطينيون، فلديهم قائمة بأفلام أردنية:

- البعير الداشر (كوميدي).

- هات نيرة (رعب).

- اجغمني حبة (رومانسي).

- لن أشرب الشنينة (آكشن).

هناك نكات طائفية تندرج تحت هذا التصنيف، أي اللعب على مسألة الفروق الثقافية، فهناك المسيحي الذي دُفن بالخطأ في مقبرة للمسلمين، وظل أموات المسلمين، كلما احتاجوا لشراء شيء من الخارج، يكلفونه هو قائلين: «بالله يا جورج إنت لابس أواعيك». إلى أن ملّ جورج وأعلن إسلامه.

وهناك المسيحي الذي دخل مسجداً وهو يحمل سكيناً وسأل: «مين فيكم مسلم؟»، فخافه الجميع إلا واحد شجاع رفع يده، فأخذه المسيحي إلى بيته وقال له: «عندي ضيوف مسلمين، وأريدك أن تذبح لي خروفاً وتسلخه على الطريقة الإسلامية». المسلم ذبح له الخروف، لكنه قال إنه لا يعرف كيفية السلخ، فعاد المسيحي وبيده السكّين الملطخة بالدماء إلى المسجد، وسأل: «مين كمان مسلم؟»، عندها أشار المصلّون إلى الإمام الذي صرخ قائلاًَ: شو يعني، إذا صلّيت فيكم ركعتين صرت مسلم؟».

لكن الصورة النمطية لا تكون دائماً مجرد تعبير عن اختلاف ثقافي، بل إنها تحمل أحياناً في داخلها حكماً بالقيمة، مثل تلك النكات التي تقترح «سذاجة» جماعة ما، فيقال إن ابن لادن قال لواحد معاني: أنا مش قاهرني غير حلف الشمال. فقال له المعاني: يعني إنت غشيم عن أهل إربد!.

من هنا تصبح للنكتة كما يرى غيشان وظيفة: أن تمنح صاحبها إحساساً بالتفوق وبالتوحد مع الجماعة التي ينتمي إليها.

والنكتة مؤشر دقيق، لا يعكس الطريقة التي ترى بها كل فئة الأخرى فحسب، بل ما تعتقد هذه الفئة من أنه صورتها هي في عين الآخر، ويتضح هذا في النكات الطائفية، فيتداول المسيحيون نكتة: لماذا أوصى الرسول بسابع جار؟ جواب: لأن الثامن مسيحي.

في المقابل، تقول نكتة المسلمين إن شيخاً مسلماً كان مع رجل دين مسيحي محتجزَين تحت القصف في خندق، وفجأة ارتفع صوت المسيحي هاتفاً: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال له المسلم: شو، أسلمت؟ فردّ المسيحي: أي والله إشي بيخلّي الواحد يكفر.

النكات المتداولة في هذا العصر لم يتم اختراعها، وإنما تطورت عن نكات تنتمي إلى عصور سابقة أو ثقافات أخرى، فيقول الهاشمي إنه «لا نكتة محكية للمرة الأولى»، وإن النكات المتداولة تعود إلى مئات السنين، وإنها تغيرت بحسب الأوساط الثقافية التي تبنّتها.

هذا ما يفسر أن النكات التي يرويها الأردنيون عن أهل الصريح والطفيلة، هي نفسها التي يرويها السوريون عن أهل حمص مثلاً، وهي أيضاً التي يرويها المصريون عن الصعايدة.

مثال على ذلك، فإن نكتة ابن لادن سابقة الذكر، تُروى نفسها في غزة، ولكن أهل الشمال يُستبدل بهم أهل جباليا.

مكان النكات الفئوية هو الدوائر المغلقة للتجمعات التي صنعتها، لكن هذا لا يمنعها أن تكون «عابرة للقارات» كما يقول غيشان. والتراشق بالنكات علانية لا يحدث إلا بين الأصدقاء المقربين من الطرفين، وعلى سبيل الدعابة، أما إذا كانت على سبيل التنكيل والنميمة، فإنها تتم في خفية.

النكات الفئوية الأردنية: عندنا ما عند الآخرين
 
01-Sep-2009
 
العدد 3