العدد 6 - اجتماعي | ||||||||||||||
كثيراً ما يُعَدّ بريق الذهب عنصرَ جذب للنساء، فهن الأكثر استخداماً واقتناء له، وهن الأكثر ملاحقة لموديلاته الجديدة المصاغة في أشكال متنوعة. فريال الخزوز امرأة عشقت الذهب، ولكن بطريقتها الخاصة، ليس اقتناء أو استخداماً للزينة، وإنما عبْر احترافها فحصَ السبائك وصناعتها، وهي المهنة التي ظلت حكراً على الرجل منذ اكتُشف المعدن الأصفر، لتسجل الخزوز بذلك براءة دخول المرأة وبجدارة عالم الذهب من أوسع أبوابه، وتصبح أول امرأة في الشرق الأوسط متخصصة في فحص المعادن وصناعتها، ومسجلة لدى النقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات. في محلها الصغير الكائن في سوق الصاغة القديم، وسط البلد بعمّان، تبدأ الخزوز يومها، تستقبل الزبائن وتباشر فحص المعادن، المهنة التي تعلّمتها بالممارسة اليومية لا بالدراسة. تقول لـ ے: «ليس هناك مهنة لا تستطيع المرأة خوض غمارها اليوم.. أعتزّ بدخولي مضمار مهنة صياغة الذهب»، وتبتسم فيما يعلّق شريكها في المحل سهيل حناوي، مُثْنياً على كلامها بالقول: «هذه المهنة من أكثر المهن التي تناسب السيدات، لأنها تتطلب طول البال والتركيز الشديد». الدقة، الصبر، والقبض على جمر الذهب، صفات ميزت الخزوز، وجعلتها تحظى بثقة الزبائن الذين أصبحوا يبحثون عن محلّها لفحص سبائكهم. يؤكد محمد الربيعي، أحد التجار في السوق، أن نسبة كبيرة من الزبائن يطلبون الفحص في مختبر الخزوز، مضيفاً: «أنا شخصياً أرشح فريال لزبائني بقوة، وأفضّل التعامل معها لأنها أثبتت فعلياً قدرة ودقة وسرعة في الفحص تمنح المتعاملين معها ثقة وطمأنينة». تقول الخزوز في هذا السياق: «عملي يتطلب مني أن تكون كل أعصابي متنبِّهة على الميزان، وأن أركز بكل حواسي وأنسى كل شيء حتى لا أترك هامشاً ولو بسيطاً للخطأ». عملية الفحص لكل عينة تستغرق زهاء ساعة، وتمر بمراحل شديدة الحساسية تبدأ من أخذ العينة، فترقيم السبيكة برقم خاص، ثم إدخال مادة الرصاص والفضة على العينة التي تُصهر في فرن خاص لتتحول إلى ما يشبه حبة العدس، وترقّ بعد ذلك عبر آلة سحب وتوضع في عبوات صغيرة من الكريستال، ويضاف لها حينئذ حمض «نايتريك أسيد». تؤكد الخزوز «أقوم بالخطوات نفسها في كل فحص، لكنني أشعر أن كل عينة تحمل معها قصة جديدة»، وتوضح: «هنا تكمن متعة هذا العمل». نتيجة خبرتها، تستطيع الخزوز تمييز السبيكة الأصلية التي قد يصل سعرها إلى نحو عشرين ألف دينار، من المزورة التي لا يتجاوز سعر الواحدة منها مئة دينار، بمجرد النظر إليها أو لمسها أو سماع صوت رنّتها على الأرض. تقول الخزوز إن الدافع الأساسي وراء احترافها المهنة، هو تعرضها لعملية غش عند شرائها قطعة ذهب، تبين لها في ما بعد أنها نحاس مطلي بالذهب. مشيرة إلى أن مجال الاتجار بالمصاغات والسبائك الذهبية يتطلب وعياً من الزبون وحذراً شديداً، إذ يحدث أن تشتري سيدة ما قطعة مصاغ على أنها ذهب، وتكتشف بعد ذلك أنها مصنوعة من النحاس، أو أن تقتني قطعة من المصاغ المرصع بالأحجار العادية الملونة، بحيث يُحسب وزن تلك الأحجار من ضمن وزن الذهب عند الشراء، ويُخصم من وزن القطعة إذا ما أرادت بيعها. الخزوز، تخوض كل يوم تحدّياً جديداً، وتؤكد أنها تتعلم من مهنتها الكثير، ليس على الصعيد العملي حسب، وإنما على الصعيد الحياتي أيضاً، إذ أصبحت أكثر وعياً لما تحمله المقولة الشائعة «ليس كل ما يلمع ذهباً» من دلالات. |
|
|||||||||||||