العدد 6 - ترحال
 

مع بداية فصل الشتاء، وبعد الأمطار الغزيرة التي روت عطش المملكة أخيراً، أصبح من الصعب التجوّل في جبالها ووديانها الوعرة. تراب الممرات الطبيعية يصبح زلقاً وصخورها غدّارة وحجارتها تكذب عندما يُخيَّل للماشي أنها مستقرّة، فيما استقرارها سراب يخاله الظمآن ماء.

لذا، كان اختيار مقصد للمسير صعباً. يجب عدم الوثوق بالوديان العطشى التي تشربت ماء السماء وانطلقت فيها السيول التي ألِفت صخب الطبيعة وعنفوانها الذي يمنعها من الاستقرار على حال. الحل الوحيد كان مسايرة الطبيعة والبحث عن مسار روّضته آلة الإنسان فعبّدته رغم وعورته وقسوته.

الرحلة هذه المرة تمت برفقة مجموعة Walking Jordan، من أوائل المجموعات التي اتخذت المسير هواية، وأدخلت إلى الأردن مفهوماً منظماً لهذه الرحلات التي كانت «حكرا» على رعاة غنم ألفوا الوديان والصخور، أو مزارعين لا يمثّل لهم المشي بين المزارع سوى رحلة يومية يبحثون فيها عن الرزق وتبحث فيها ماشيتهم عن كلأ لا يلبث يتناقص.

اختيار قائد ومؤسس مجموعة Walking Jordan رمزي طبلت كان منطقة عجلون؛ الجبال الخضراء خضرة البلوط، وقد غسلتها أمطار كانت عزيزة، تعد بمشوار جميل في الطبيعة البكر.

هناك طريق معبّدة شبة دائرية تبدأ من القلعة وتنتهي عندها. تلك الطريق كانت الملاذ الوحيد للمجموعة للتمكن من المشي في عجلون التي يهجرها المصطافون شتاء ويُهرعون إليها في الربيع والصيف.

الطريق تنحدر بسرعة نحو الوادي، والمشي سهل ممتنع، والجاذبية تجرّ الماشي إلى بطن الأرض، وشجرات بلوط قديمة وشامخة تورف على المجموعة بظلها وتحتضن شباناً وشابات ألفوا رغد المدينة ولم يعتادوا قسوة الطبيعة.

وفيما انشغلت المجموعة بالتحدّث، لم تنتبه إلى أن الانحدار يقارب 300 متر، إلا أن المشي مع الجاذبية لم يكن صعباً، بخاصة أن آلة الإنسان مهّدت طريقاً ضيقاً بين المزارع والغابات تستطيع أن تسلكه السيارات.

على جانبي الطريق كان كثير من المزارعين يقطفون الزيتون «البعل» الذي زادته الأمطار نضارة، ووعدتهم بمحصول جيد وزيت أفضل. معظم المزارع على الطريق حيازات كبيرة يملكها أهالي عجلون ويرفضون بيعها أو بيع أجزاء منها.

بعد الوصول إلى سفح الجبل، قررت مجموعة من المشاركين التوجه، بناء على اقتراح من طبّلت، إلى «صخرة سامي» التي أصبحت مقصداً لمحبي رياضة تسلق الجبال.

الصخرة المقطعية الحادّة يزورها المتسلقون للتدرّب على هذه الرياضة أيضا. هناك قابلنا مجموعة من شركة Tropical Desert، امتهنوا تعليم رياضة التسلّق لمحبيها من عرب وأجانب.

المسافة الدائرية تمتد 6.8 كيلومترات من القلعة وإليها، لكن أولئك الذين اختاروا زيارة الصخرة صعدوا جبلاً بمسافة 1.8 كيلومتر ذهاباً ومثلها إياباً، إلا أن المشوار كان يستحق تعبه، فمنظر الجبال الخضراء من على تلك الصخرة ساحر بامتياز.

طبّلت، مؤسس المجموعة، طبيب أمراض قلب، وهو أوّل من أسّس مجموعات لممارسة هذه الرياضة في الأردن. مجموعته لا تهدف إلى الربح، وهو لا يتقاضى أيّ أجر عن اصطحاب الناس في رحلاته، يؤمن بأن رياضة المسير أفضل رياضة على الإطلاق، مع أنه يمارس رياضات أخرى، وهو رئيس الاتحاد الأردني لرياضة السكواش، ويرى المسير رياضة يستطيع الجميع ممارستها، وأنّها رياضة عائلية ولا تحتاج إلى أي نوع من المعدات.

ويقول طبّلت: «أشجّع المشاركين على اصطحاب عائلاتهم». ويؤكد أن «ممارسة أيّ رياضة في النادي لأكثر من ساعتين تشعر بالملل، ولكن المسير لا يشعر الإنسان بالملل حتى لو مارسه طول النهار».

رياضة المشي واحدة من الرياضات المهمة والمفيدة، فهي تسهم في الوقاية من أمراض عديدة، بخاصة أمراض القلب والشرايين والسكري.

ويقول الأطباء إنها تجعل الخلايا تتجدد بانتظام، ما يسهم في الاحتفاظ بنضارة الشباب، كما إنها تساعد القلب على القيام بعمله بارتياح، وتمنع انغلاق الشرايين، وتقلل من مستوى الكولسترول وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى تحسين استقبال الأنسولين في الخلايا.

طريق العودة كانت مضنية؛ فالطريق التي سلكناها إلى باطن ما يسميه أهل عجلون «الجب» كانت منحدرة، لذا كان الصعود محاربة للجاذبية التي كانت في صفّنا في طريق الذهاب. أولئك الذين اختاروا عدم الذهاب إلى «صخرة سامي» كانوا وصلوا إلى القلعة وغادروها، لكننا كنا متعبين في النهاية. بعضنا تعب في نهاية المسافة واستوقف مركبة محمّلة بالزيتون لتحملنا معه إلى الأعلى. طبّلت ابتسم لأولئك الذين تعبوا في النهاية وتخلّوا عن المشي وامتطوا رمز الحضارة «السيارة»، قال معاتباً: «لا بدّ أن ضميركم يعذبكم».

تتميز عجلون بالتنوع المناخي الطبوغرافي، من المناطق الشفاغورية، إلى المناطق الجبلية والأودية الجارية والهضاب والسهول الممتدة.

عُرفت عجلون عند القدماء بالاسم الأموري «جلعاد»، وبقيت مشتهرة به زمناً طويلاً.

وجلعاد تعني الصلابة والخشونة، وهي تسمية تتفق مع طبيعة المنطقة، فالجبال صلبة والحياة فيها خشنة، وأما تسميتها «جبال عجلون»، فتتعدد الروايات حولها، ومنها أنها نسبة إلى راهب اسمه عجلون كان يسكن في دير في جبال عوف في منطقة القلعه الحالية، ثم انتقلت التسمية إلى البلدة المجاورة، ثم إلى الجبال المحيطة لتشمل مساحات واسعة وجبالاً عدة.

ويرجح الباحث مصطفى الدباغ في كتابه بلادنا فلسطين أن اسم عجلون من جذر سامي مشترك يفيد العجل، والواو والنون في آخر الاسم للتصغير حسب الطريقة الآرامية، فيكون المعنى: المكان الصغير المستدير أو العجل الصغير.

وليس بمستبعد أن يكون العجل اسم إله كنعاني كان يعتقد به الكنعانيون ضمن معتقداتهم الأسطورية. كما أنّ أهل منطقة بلاد الشام كانوا يُعنون بتربية الأغنام والأبقار.

جبال عجلون تشكل المنطقة الشمالية الغربية من الأردن، وكانت حلقة وصل ضرورية بين بلاد الشام وأراضي بيت المقدس، تضمّ المنطقةَ المحصورة بين اليرموك شمالاً ونهر الأردن غرباً ونهر الزرقاء جنوباً ومشارف جرش شرقاً، وإلى عهد قريب كانت تضمّ إربد والكورة، وذلك في أواخر الدولة العثمانية، إذ جاء في الكتاب السنوي الرسمي للدولة العثمانية الصادر العام 1910 أن قضاء عجلون كان يتألف من مدينة واحدة هي إربد، ومن ناحيتي كفرنجة والكورة و120 قرية.

احتضنت عجلون طائفة من الأدباء والشعراء والعلماء والأولياء، وانتسب إليها عدد كبير من القضاة والعلماء، فكانت الأديبة عائشة الباعونية والعالم إسماعيل العجلوني وأبناء قاضي عجلون وغيرهم، وهو ما حبّب الرحالة في زيارتها، كما استقطبت المؤرخين مثل الشيخ شمس الدين الدمشقي المتوفى العام 1327، فكتب عنها في كتابه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر: «فيها حصن حسن حصين، وفيه مياه جارية وفواكه كثيرة، وأرزاق غزيرة، وهو مشرف يُرى من مسيرة أربعة أيام».

أما أبو الفداء المتوفى العام 1331، فيقول في كتابه تقويم البلدان: «عجلون حصن وربضة يسمى الباعونة، والحصن عن البلد شوط فرس، وهما في جبل الغور الشرقي قبالة بيسان. وحصن عجلون منيع مشهور يظهر من بيسان، وله بساتين ومياه جارية، وهو حصن محدث بناه عز الدين أسامه من أكابر أمراء صلاح الدين».

وذكرها الرحّالة ابن بطوطة المتوفى العام 1377 م بقوله: «ثم سافرت منها (نابلس) إلى مدينة عجلون، وهي مدينة حسنة لها أسواق كثيرة وقلعة خطيرة، ويشقها نهر ماؤه عذب».

كما ذكرها العلامة ابن شاهين الظاهري المتوفي العام 1467 في كتابه زبدة كشف المماليك بقوله: «وأما مدينة عجلون فلها قلعة وإقليم يشتمل على عدة قرى، وهي جبال وأودية».

* المصدر: الموقع الإلكتروني لبلدية عجلون الكبرى

www.ajloun.gov.jo/ajloun

عجلون: موسم المسير إلى الشمال
 
01-Dec-2009
 
العدد 6