العدد 6 - نبض البلد | ||||||||||||||
على خلاف الفكرة السائدة من أن الخلق بدأ مع آدم، لتصل البشرية إلى ما وصلت إليه من تطور ونماء، يؤكد العرض المسرحي «آدم وحيداً» أن الفناء بدأ منذ تلك اللحظة التي وُجد فيها آدم فوق الأرض. العرض الذي أعد نصه مفلح العدوان، وأخرجه فراس الريموني، يبدأ بضوء مسلّط على آدم (أدى الدور سمير مصاروة) يدخل أرضاً خواء إلا من شجرة تنتصب بثبات، هو وهي (رفيقته منذ البدء)، آخر الناجين من حرب لم تبقِ أو تذر. حالة الذهول التي تسيطر على آدم تُظهره كأنما يعيش هبوطه الأول؛ الهبوط العكسي الأكثر دموية ومأساوية وألماً. فيسائل الآخرَ، ونفسَه: مَن صادر الحياة؟ من قتلَ الناس دون تمييز بين كبيرهم وصغيرهم، أنثاهم وذكرهم، دينهم ومعتقدهم؟ لذا، تتأثثُ خلفية المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي، الذي احتضن العرض، 15 و16 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بشواهد قبور، بعضها اتخذ شكلَ الهلال، وبعضها الآخر شكلَ الصليب، كما تعلو في الأجواء صرخات وأنات مكتومة.. هنا، تبدأ المحاكمة التي تدين الحرب، تلك التي تُشعلها رغبة الاستئثار بالسلطة: «كانت الحرب الأخيرة، وكان الدمار أكبر من العقل. أما جلجلة الانفجار فقد ألغت كل عاطفة، ولم تعد هناك رؤيا ولا راء، الأرض صارت غباراً، والعالم صار صفراً مضافاً إلى صفر». ووسط موسيقى جنائزية، يؤكد آدم أن السبب في الدمار هو الصراع على الأرض: «من يحكم الأرض؟ الغرب يريد، والشرق يريد. الكل يريد الأرض جارية تحت قدميه». نجح الممثل مصاروة في التعبير عن الحالة التي تقمصها، عبر صوته وأدائه الحركي على الخشبة، وبدا أن رسالة العرض وصلت لجمهور العرض، الذي تشكّل في معظمه من الفنانين المشاركين في مهرجان المسرح الأردني السادس عشر الذي عُرضت المسرحية في افتتاحه. يتناول العرض السلوكات الاجتماعية القامعة للمرأة، الكائن الذي جرى تهميشه وقمعه تاريخياً. وفيه، يبحث آدم عن شريكته لتقيه برد الروح، ثم يكتشف أنها لم تمت، وإنما وُئدت، لتوأد البشرية معها. قبيل النهاية، يطلق آدم صرخته في وجه الطغاة، ويسائلهم بمرارة وسخرية عن عروشهم التي من أجلها سالت دماء الضحايا: أين كسرى، فرعون، هولاكو، الإسكندر، معاوية؟ ثم يجلس على كرسي السلطة الذي لا ينافسه عليه أحد، إذ لم يعد ثمة أحد. تفاعل الجمهور مع ما بثته المسرحية من رسائل، رغم ثبات عناصر السينوغرافيا التي تكونت من شجرة تمتد منها شبكة من الأسلاك، ومقاعد تتناثر هنا وهناك، وأرضية متْربة مقفرة. وأدى عنصرا الإضاءة والصوت دوراً في تعميق الحالة النفسية التي تعيشها شخصية العرض؛ عبر محاكاة هدوئها وانفعالها، وتجسيد أنّاتها المكتومة وصرخاتها المجلجلة. |
|
|||||||||||||