العدد 6 - نبض البلد
 

بين جمهور الأمسية، جلس الشاعر جريس سماوي ناثراً على المسامع قصائده التي تواشجت إيقاعاتها مع حميمية المكان، وتمازجت كلماتها بموسيقى الفنان فراس حتر عازفاً على الكمان، وهو ما كسرَ رتابةً تشهدها أمسياتٌ شعرية مماثلة.

الأمسية التي نظمتها جمعية سكان جبل عمان القديم، بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى في جارا كافيه، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، أقيمت بحسب ما أوضح المدير التنفيذي لمديرية الثقافة في الأمانة سامر خير لـ ے، ضمن مشروع «الشوارع الثقافية» الذي يرمي إلى نقل العمل الثقافي مباشرة للجمهور. خير أكد في سياق متصل، أن الأمانة ترفع دائماً شعار «الثقافة من أجل التنمية»، لإيجاد ثقافة تؤثر إيجابياً في منظومة القيم الاجتماعية، وتعمل على تطوير السلوكيات الاجتماعية.

في جو مفعم بالألفة، استهل الشاعر زياد العناني الذي أدار الأمسية، حديثه بالإشارة إلى المنجز الإبداعي لسماوي، الذي لم يفارق المكان والموروث وتصوير منمنمات البيئة الأردنية وذاكرة ناسها. وقال إن قصيدة سماوي عفوية، وصادقة، ومسكونة بعبق الأسلاف، لذا فإنها تجمع بين البعدَين المادي الملموس، والصوفي الروحاني، وتحتفي بالمرأة. ولفت العناني إلى ما تحمله قصيدة سماوي من موروثات مستوحاة من بلاد الشام، البداوة والريف والحضر، ما يجعلها متوترة وجودياً.

سماوي، قبيل قراءته الشعرية، توقف عند تعلّقه بالمكان، فقال: «إنني مفتون بالمكان، وتحديداً المكان الأردني، ذلك المكان المولود من رحم الحضور الطاغي لبلاد الشام في التاريخ القديم، وأكثر فتنتي هو نهر الأردن الذي أسمّيه: جَدّ العالم»، وتابع: «المكان يدلّني إلى ذاتي، وحين ألجأ إليه إذ يشتد العصف، أطمئن». ثم قرأ قصائد مهداة لعمّان وياسمينها:

«كالياسمينة..

ترتقي درجاً عتيقاً

تلتفّ حول حجارة السور الحميمة

الياسمينة، عمّان ترفع عطرها كالغيم

فوق بيوتها

وتلتف أحلام البنين بثوبها الوردي».

وتابع سماوي:

«عمان

يا بلد السلام

يا نخلة الزمن البعيد

يا كرمة الأسلاف

يا عنبا يضيء الأرض

يا برج الحمام».

كشفت القصائد عن اهتمام بالتشكيل البصري وجماليات الصورة، حيث الدلالة واضحة لا إبهام فيها، وحيث انتقائية المفردة الشعرية والبناء المتراكم لإنتاج صورة مركبة تتحسس الواقع وتعبّر عما يجول في نفس الشاعر. كقصيدته التي قال فيها:

«حافياً كأمير الفجر

حافياً كالقمر

حافياً مثل عشب الضفاف الذي لوّثته خطايا البشر

حافياً كالمطر».

حوار ثريّ دار بين الجمهور وسماوي، تناولَ تجربته الإبداعية، وعرّج على محاور أخرى تتعلق بالمركز الوظيفي الذي يشغله سماوي، أمين عام لوزارة الثقافة.

حول أهمية تنظيم أمسيات ثقافية للناس وبين الناس، تحدث نائب مدير المدينة المهندس هيثم جوينات، عما يمكن أن تحققه الشراكة بين أمانة عمّان وجمعية سكان جبل عمان القديم وسوق جارا، من تنشيط للحراك الثقافي في المدينة، وخدمة قاطني العاصمة، والتأكيد على شراكتهم، ليس كمتلقّين حسْب، وإنما بوصفهم صانعي ثقافة أيضاً.

مشروع «الشوارع الثقافية» يغذّ الخطى باتجاه النمو والتطوير، ويشتمل على تقديم عروض لأصناف الفنون المختلفة من مسرح ورسم ونحت وأمسيات أدبية، بخاصة في فصل الصيف، حيث تكون الأجواء مهيأة لاستقبال فعاليات كهذه، ويكون بمقدور الناس المشاركة في فضاء مفتوح يمْكنهم التعبير فيه عن أفكارهم وأحاسيسهم وما يجول في أنفسهم، كما يُتاح للمارة وعابري الطريق التمتع بفضاء جمالي متميز.

من ضمن ما يكشف عنه المشروع، بخاصة في الأمسيات المقامة بين بيوتات عمّان القديمة وفي حاراتها وأزقتها وأسواقها، ذلك التماسّ بين المشاهد وروح المكان الذي يخلع عن حجارته رداء الصمت ليبوح بالحكايا التي لا تنتهي، ويسرد تاريخاً كان وما زال شاهداً عليه، ويوشوش العين ليحثّها على الرؤية من جديد.

سماوي يتلو قصائده في جبل عمان القديم: «المكان يدلّني إلى ذاتي»
 
01-Dec-2009
 
العدد 6