العدد 6 - العالم
 

بينما كان موعد لقاء أوباما-نتنياهو المقرر في واشنطن يقترب، حذرت منظمة جديدة «مؤيدة لإسرائيل-مؤيدة للسلام»، من تداعيات استمرار البيت الأبيض في استرضاء الحكومة الإسرائيلية وحلفائها الأقوياء في الولايات المتحدة.

وجاء في بيان أصدرته المنظمة: «نحث الرئيس على أن يعلن بوضوح في الأسبوع المقبل (الإشارة إلى اجتماع 9 تشرين الثاني/نوفمبر بين أوباما ونتنياهو)، وعلى أن يُعلم الجمهور الإسرائيلي مباشرة وفي أقرب وقت ممكن، أن الإخفاق في حل الصراع على الفور وبالطرق الدبلوماسية، يشكل خطراً وجودياً على بقاء إسرائيل دولةً يهودية وديمقراطية».

منظمة جي. ستريت J Street، هذه المجموعة الليبرالية الجديدة التي تتألف بشكل رئيسي من يهود أميركيين ضاقوا ذرعاً بنعتهم المتكرر بأنهم معادون لإسرائيل وكارهون لأنفسهم في كل مرة ينتقدون فيها الدولة اليهودية، تحاول أن «تنقد إسرائيل من نفسها»، كما يقول مديرها التنفيذي جيرمي بن عامي.

يؤيد أعضاء هذه المنظمة التي أُنشئت في نيسان/إبريل 2008، مبدأ حل الدولتين، ووضع نهاية فورية لبناء المستوطنات وسياسة التوسع الإسرائيلية، ويعارضون نزعة العسكرة والاضطهاد الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

عندما أثارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، غضب القادة العرب بالتراجع عن ضغط إدارة أوباما على إسرائيل باتجاه تجميد المستوطنات خلال جولتها الشرق-أوسطية في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، عبر قيامها بما كانت الإدارات المتعاقبة للبيت الأبيض قد فعلته مراراً ، أي استرضاء إسرائيل، أصدرت منظمة جي. ستريت بياناً ذكرت فيه إن هذا بالضبط هو نوع التكتيكات التي سيكون من شأنها أن تُلحق الضرر بالولايات المتحدة وبإسرائيل معاً في نهاية المطاف.

ورأت المنظمة أن أي توسع استيطاني «يشكل تهديداً لمستقبل إسرائيل بوصفها وطناً ديمقراطياً للشعب اليهودي، كما يضر بالمصالح القومية الأميركية». وأضافت أن الدعوات لوضع شروط مسبقة للمحادثات، أو حتى استئناف المفاوضات، قد استُنفدت جميعاً. ودعت الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته إلى «أن يعمدا بدلاً من ذلك، إلى الاضطلاع بدور القيادة الفاعلة والنشطة التي تلحّ الحاجة إليها الآن، لإيجاد حل فعلي للقضايا الرئيسة العالقة بين طرَفي الصراع». ويعني ذلك عدم استمرار الولايات المتحدة في سياسة استرضاء إسرائيل، وكفّ الأخيرة عن تقمص دور الضحية.

رئيس مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط، وعضو المجلس الاستشاري لمنظمة جي. ستريت، هنري سيغمان، كتب في صحيفة نيويورك تايمز، 2 تشرين الثاني/نوفمبر: «رد الفعل الإسرائيلي على جهود صناعة السلام الجدية لا يعدو كونه سلوكاً مرَضياً وعصابياً». يوجّه سيغمان بذلك تحذيراً لإدارة أوباما، في ضوء الاستطلاعات التي كشفت عن وقوف معدل التأييد الشعبي الذي تحظى به الإدارة الأميركية في إسرائيل عند معدل لم يتجاوز 6-10 في المئة.

في معرض رده على سؤال حول هذا الموضوع، قال سيغمان لـ ے، إن ما هو مرَضي في السلوك الإسرائيلي، يتجلى في «عدم قدرة القادة الإسرائيليين والجمهور الإسرائيلي على التخلص من صورة الضحية التي تقمصوها في مرحلة ما قبل إقامة الدولة، والتي لم يتعافوا منها بعد. وهي بالتأكيد صورة شكلتها تجربة شتات امتدت لقرون، كانت مصحوبة بالاضطهاد، والافتقار إلى دولة، والمعاناة، وبعد ذلك كله تجربة الهولوكوست. لكن الفكرة هي أن إقامة الدولة كان ينبغي أن تكون قد أعادت اليهود إلى وضعٍ تعود مشاعرهم فيه طبيعية».

وأضاف: «التمسك بهذه الصورة عندما تكون الظروف الموضوعية قد تغيرت بشكل راديكالي تماماً، حيث أصبحت إسرائيل تمتلك رابع أقوى جيش في العالم، وأعلنت الدول العربية رغبتها في تطبيع العلاقات معها، هو ما يجسد الإحساسَ المرَضي».

وأشار سيغمان إلى الوصف المناظر الذي قدمه الكاتب الصحفي برادلي بيرستون في صحيفة هآرتس، حيث قال بيرستون: «إنه النهج الجديد لإسرائيل، الذي يستلهم أسوأ غرائزنا القديمة والممعنة في الشيخوخة. وهو النهج القائل: إننا أخلاقيون، وأعداؤنا المتربصون يقفون هناك مستعّدين للقضاء علينا وعلى دولتنا معاً. هذا هو كل ما أنتم بحاجة إلى معرفته. لا حاجة إلى أي تحديثات. ابقوا على المسار، لا تتنازلوا عن شيء، ولا تخففوا من أي حصار، ولا تعطوا لأحدٍ أيّ أراض، مطلقاً».

وفقاً لسيغمان، فإن مهمة جي. ستريت لا تُعنى بشفاء أمراض إسرائيل، وإنما بـ«إتاحة صوت لما يُعتقد أنه وجهة نظر أغلبية اليهود الأميركيين، الذين لا يتفوهون بمجرد كلام عن حل الدولتين، وإنما يعنون ما يقولونه فعلياً. ولسوء الحظ، يبقى أمر تحريك نشاط سياسي ضد برنامج متخيل، أسهل بكثير من جعل الناس يدعون ممثليهم في الكونغرس إلى الضغط على حكومة إسرائيل لإيقاف سرقة الأراضي الفلسطينية».

عندما سُئل عن الكيفية التي تواجه بها جي. ستريت اللوبي الإسرائيلي المنظَّم والمتخندق في الولايات المتحدة، والذي يداوم على استحضار صورة الضحية اليهودية، قال سيغمان المدير السابق للمجلس الأميركي-اليهودي القومي: «بدأت المنظمة بداية جيدة، لكنها ستستغرق بعض الوقت قبل أن تصبح نظيراً لمنظمة آيباك. وقد تطلّب الأمر من آيباك عقوداً عدة حتى تطورت إلى آلة التحشيد الفعّالة التي أصبحتها الآن. وإذا ما كان لـ جي. ستريت أن تنجح، فإن عليها إيضاح أن كون المرء مويداً لإسرائيل لا يعني دعم سياسات الحكومات الإسرائيلية المختلفة التي تتسم بالظلم وانعدام العدالة تجاه الفلسطينيين، وبالتالي تلك السياسات التي لا تخدم، بالتعريف، هدف زيادة أمن إسرائيل أو ضمان بقائها».

في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، كان م. ج. روزنبرغ، قد وصف المؤتمر الأول لمنظمة جي. ستريت الذي انعقد في واشنطن يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر، بأنه شكّل «نجاحاً هائلاً». وكتب في موقع أخبار كومون غرواند: «في الوقت الذي تأسست فيه منظمة جي. ستريت، ظن القليلون أنها لن تستمر، لكنها استطاعت في غضون 18 شهراً فقط، أن تبني نفسها وتتحول إلى قوة في واشنطن».

في حقيقة الأمر، كان منظمو المؤتمر يأملون بحضور ألف شخص في أفضل الأحوال، لكن المؤتمر تضخّم إلى حد ضم فيه ألفاً وخمسمئة شخص، حيث اقتعد الكثير من الحاضرين الأرض ليستمعوا، من بين متحدثين آخرين، إلى الجنرال جيمس جونز، مستشار أوباما للأمن القومي، وهو يقول إن البيت الأبيض يقف إلى جانب جي. ستريت.

وكان ما مجموعه 148 عضواً من الكونغرس قد أيّدوا المؤتمر، فيما حضر 48 منهم مأدبة العشاء التي أقيمت في الليلة الأخيرة منه. كما تدفقت وسائل الإعلام إلى داخل قاعة المؤتمر وغطته تغطية شاملة، بل وإيجابية، وهو الأمر الأهم. لكن مايكل أورين، سفير إسرائيل في واشنطن، أحجم عن الحضور، وقال لاحقاً إن سياسات جي. ستريت «تُضعف المصالح الإسرائيلية».

وفي حفل عشاء المؤتمر، بُثَّت رسالة متلفزة للملك عبد الله الثاني، حذّر فيها بقوله: «إننا لا نستطيع تحمُّل تبعات إخفاق فشل العملية السياسية، أو تقصير النظام العالمي عن الاضطلاع بدوره مرة أخرى. إن ثمن الفشل سيكون باهظاً بالنسبة للجميع، للإسرائيليين، والفلسطينيين، وبالنسبة لمنطقتي، وبالنسبة للمصلحة القومية الأميركية في قيام عالم حر ومستقر».

في الوقت الذي يتسع فيه التأييد الذي تتلقاه فيه جي. ستريت، شُنّت ضدها حملة شرسة تستهدف تشويهها والتشهير بها في كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، جزء كبير منها يجري عبر مداخلات إلكترونية. لكن قيادة جي. ستريت تتابع تقدمها بحذر. ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك، إصدارها تصريحاً غير ملزم بخصوص تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حول الغزو الإسرائيلي لغزة، والتي ترأسها القاضي ريتشارد غولدستون. مع ذلك، وعندما قدم أعضاء كونغرس أميركيون مؤيدون لإسرائيل قراراً يدين التقرير، قالت جي. ستريت إنها لن تؤيد القرار.

رغم ذلك، هناك من يطالب هذه المنظمة باتخاذ المزيد من المواقف الأكثر جذرية. إذ يرى الكاتب في موقع الانتفاضة الإلكتروني، ماكس آيل، أن مجرد كون جي. ستريت أكثر تقدمية من آيباك أمر بديهي، لا يعني أنها حققت تميزاً كبيراً بأي حال، نظراً لإغراق آيباك في التطرف. وفي مقالته الافتتاحية التي نُشرت على الموقع، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، كتب آيل: «المواقف السياسية لمنظمة جي. ستريت، تعكس الافتراض القائل إن المقدار المناسب من الضغط ذي التوجه الاستراتيجي، والمكون من المزيج المناسب من الكلمات القاسية والتملق، يمكن أن يجبر إسرائيل على تغيير سياساتها. وقد تم استبعاد ورقة وقف المساعدات الرابحة، ويبدو رجال السياسة والكونغرس الأميركيون مغرمين بلغة العصي والجزر، لكن ينبغي أن لا يكون هناك جزَر ولا عصي لإسرائيل، وإنما ذلك التهديد الغامض بالنهاية الحتمية لحل الدولتين في حال لم يتم التوصل إلى تسوية متفاوَض عليها مع نهاية فترة أوباما في منصبه، والنهاية المرافقة لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».

أما ما يتعلق بقبول جي. ستريت في الشارع العربي، فيقول سيغمان: «رسالة المنظمة موجهة من حيث الأساس إلى المجتمع الأميركي-اليهودي، وإلى الحكومة الأميركية. إنها لا تتوجه إلى الشارع العربي. فهذا الشارع يبقى غير متوازن بالطريقة نفسها التي كانت عليها نظرته إزاء آيباك، وفي حال نجحت جي. ستريت في جعل الإدارة الأميركية والكونغرس يتعاملان مع إسرائيل والفلسطينيين بطريقة نزيهة وغير منحازة، فإنها ربما تؤثر أيضاً في الشارع العربي، بحيث يتعامل بدوره مع الصراع بطريقة أكثر توازناً أيضاً».

في عالم يتحدث فيه حتى الدبلوماسيون الوافدون إلى الشرق الأوسط، سراً، عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بوصفه «أخباراً قديمة»، يقول سيغمان الذي عمل عقوداً على هذا الموضوع: «صحيح أن العالم أصبح متعَباً من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لكن من الخطأ الجسيم أن تنظر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى ذلك بوصفه إشارة إلى أن الصراع يمكن أن يُنقل إلى منطقة الظل. عدم القيام بفعل يقود حتماً إلى اليأس، واليأس يقود إلى العنف الذي يمكن أن يدمّر بدوره المنطقةَ بكاملها وما وراءها».

«جي. ستريت» منظمة تشق طريقها بحذر تأييد إسرائيل والسلام معاً
 
01-Dec-2009
 
العدد 6