العدد 6 - من حولنا
 

طريقة التعامل مع المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، تثير التساؤلات حول «الديمقراطيّة» الإسرائيليّة، وغايات الدولة من تعاملها مع الأقلية الفلسطينية. وتكشف متابعةٌ معمّقة للتحولات على هذا الصعيد، تفشي ظاهرة التعامل مع المواطنين الفلسطينيين كأعداء، بعد تسعة أعوام من هبة أكتوبر، وانتقال التمييز إلى أروقة الكنيست والوزارات.

استناداً إلى مضامين الحملة الانتخابيّة لحزب إفيغدور ليبرمان يسرائيل بيتينو، وشبه الإجماع بين الأحزاب الصهيونيّة الأساسيّة على قبول خطاب ليبرمان، ظهرت توقعات بأن لا يكتفي الكنيست الحالي والحكومة باستمرار الوضع القائم للأقلية الفلسطينية، أو بمجرد كبح المطالب القوميّة والسياسيّة لها، بل تعدى الأمر ذلك، إلى التهديد المباشر والمساومة على المواطَنة الممنوحة لهذه الأقليّة، التي ستكون مطالَبة بحسْم موقفها إزاء الشروط الإسرائيليّة للإبقاء على مواطَنتها.

اقتراحات القوانين التي قُدمت إلى الكنيست والقوانين التي سُنَّت، تشير إلى البدء بتطبيق هذا التحول. وتبدو الدورة الحالية للكنيست الجديد مرشحة لتكون الأسوأ والأخطر بالنسبة للمواطنين العرب، قوتهم ومكانتهم، إذ تكشف مشاريع القوانين التي قُدمت للكنيست شراسة الهجمة على المواطنين العرب، والمحاولات الرامية إلى محو هويتهم القومية وذاكرتهم الجماعية، وتقييد حرياتهم ونشاطهم السياسي. ناهيك عن مناخ عام تنتجه هذه القوانين يشرعن التعامل مع العرب بوصفهم أعداء، وقد يشرعن الاعتداءات الجسدية عليهم.

من بين القوانين ومشاريع القوانين البارزة في هذا السياق، تلك الهادفة إلى نزع المواطنة عن المواطنين العرب، مثل مشروع «تعديل قانون المواطنة» الذي يعيد لوزير الداخلية صلاحيّة نزع مواطَنة سكّان في إسرائيل دون مصادَقة من المستشار القضائيّ للحكومة والمحكمة، حتّى لأسباب سياسيّة أو موقف أيديولوجيّ للمواطن، وبخاصّة في الحالات التي يقتنع فيها الوزير بأنّ هذا الفرد يعمل «ضدّ دولة إسرائيل كدولة يهوديّة، أو ضدّ الشعب اليهوديّ».

بالمقابل، هناك جهود مكثفة لوضع العراقيل أمام الحصول على المواطَنة، لفلسطينيّي المناطق التي احتُلّت العام 1967، ومواطني دول عربيّة جرى تعريفها بوصفها «دولاً عدوّة». على سبيل المثال، يتضح من مشروع قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، أن مقدمي المشروع يَعدّون جميع العرب «معادين لدولة إسرائيل، ويشكّلون خطراً عليها، وأنّ زواج الفلسطينيّين بأحبّائهم ما هو إلاّ مؤامرة ضدّ طابع إسرائيل اليهوديّ».

من الأمثلة على تفشي ثقافة العداء، اقتراح تعديل على قانون المواطنة يتمثل في «تصريح الولاء». إذ يطلب مشروع القانون إضافةَ شرطٍ للحصول على المواطَنة، يفرض على كل شخص يحصل على المواطَنة التصريح بالولاء بحسب النصّ التالي: «ألتزمُ بالإخلاص والولاء لدولة إسرائيل كدولة يهوديّة، وصهيونيّة وديمقراطيّة، ولرموزها وقيمها، وخدمة الدولة كلّما طولبتُ بذلك، بخدمة عسكريّة، كدلالاتها في قانون خدمة الأمن [صيغة مُدمجة]، 1986 أو بخدمة بديلة تندرج في القانون».

هذا المشروع يمنح وزيرَ الداخليّة صلاحيّةَ «إلغاء المواطَنة الإسرائيليّة لِمَن لم يستوفِ التزامه القيام بخدمة عسكريّة أو بخدمة بديلة». وفي الشرح الملحق بالمشروع، ورد ما يلي: «في السنوات الأخيرة، تبيَّنَ أنّ المواطنين في دولة إسرائيل ليسوا مخلصين وموالين للدولة ورموزها وقيمها، وأنّهم يتملّصون من الخدمة العسكريّة أو الخدمة المدنيّة. يرمي مشروع القانون هذا إلى الربط بين الولاء للدولة ورموزها وقيمها والخدمة العسكريّة أو الوطنيّة، من جهة، والمواطَنة الإسرائيليّة، من جهة أخرى».

كما تم تقديم مشروع لتعديل قانون سجل السكان، الذي يشترط الحصول على بطاقة الهوية بالتوقيع على تصريح ولاء للدولة، بالنص التالي: «ألتزم بأن أكون موالياً لدولة إسرائيل كدولة يهوديّة وصهيونيّة، وللمبادئ الواردة في الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل، ولِعَلَم الدولة، ولنشيد الدولة الوطنيّ. ألتزمُ بالقيام بالخدمة الإلزاميّة أو بخدمة بديلة كما يحدّدها القانون».

إضافة إلى ذلك، شهد الكنيست الحالي اقتراح مشاريع قوانين تهدف إلى محاربة الذاكرة الجماعية للفلسطينيين، والتحكم في وعيهم الجماعي وأفكارهم. مثل تعديل «قانون يوم الاستقلال» الذي قدمه عضو الكنيست أليكس ميلر من حزب يسرائيل بيتينو، ويطالب بحظر إحياء يوم النكبة، وفرض عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات لمن يخالف ذلك. وهو القانون الذي عُرف في ما بعد باسم «قانون النكبة» الذي تبنته حكومة نتنياهو.

كما صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، على مشروع قانون خاص ينص على فرض عقوبة السجن لمدة عام لمن يرفض وجود «دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».

إلى جانب الرغبة في فرض الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهوديّة ديمقراطيّة قسْراً، يريد الكنيست في دورته الحاليّة تغيير تصريح الولاء لأعضائه، وإضافة طابع الدولة اليهوديّة عليه، وبالتالي إنهاء فترة ولاية أي عضو فيه إذ ما رفضَ طابع الدولة بوصفها يهوديّة وصهيونية وديمقراطيّة. كما تم تقديم مشروع لتعديل «قانون الأساس» للكنيست، الذي يتيح إنهاء سريان ولاية عضو كنيست «بسبب رفضه قبول دولة إسرائيل كيهودية وديمقراطية». ومن بين مشاريع القوانين المعادية للمواطنين العرب: «مشروع قانون خدمة الأمن»، الذي يطالب بفرض ضريبة دخل إضافية بنسبة 1 في المئة على كل من لم يخدم في الجيش أو الخدمة الوطنية، من دخله السنوي وحتى بلوغه سن الحادية والأربعين.

أما مشروع قانون التعليم الرسميّ، فيفرض تعليم تاريخ «أرض إسرائيل والصهيونية» في جميع المدارس، بما في ذلك المدارس العربية.

مشاريع القوانين التي قُدمت للكنيست، لها تداعياتها إذا ما اجتازت مسار التشريع اللازم، إذ إنها تنتهك المكانة السياسيّة والقانونيّة للمواطنين الفلسطينيّين، وتطالب بمحو الذاكرة الجماعيّة والهُويّة القوميّة على نحوٍ قانونيٍّ، بعد أن كانت مصادر التمييز في السنوات السابقة تجاه الفلسطينيين تُقَرّ في السياسات العامة ونهج الحكومة.

الخطر هنا يكمن في قوننة العنصرية. وهو خطر قائم حتى وإن لم تتجاوز تلك القوانينُ (أو بعضُها) عمليّةَ التشريع، لكونها ستشجع السكان اليهود على انتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيّين بوصف ذلك أمراً مشروعاً. كما تُضفي مشاريع القوانين شرعيّة على المفهوم الذي يدّعي أنّ هنالك مواطنين يمثّلون تهديداً أو تهديداً كامناً، وتُسبغ الشرعيّةَ على الربط بين المواطَنة والولاء، أي بين حقوق المواطنين والولاء.

الكنيست يسن تشريعات ضد فلسطينيي 1948: قونَنة العنصرية واستئصال الهوية القومية
 
01-Dec-2009
 
العدد 6