العدد 6 - اقتصادي | ||||||||||||||
في أيلول/سبتمبر 2008 أفاق العالم على نبأ إفلاس بنك ليمان براذرز، رابع أكبر مصرف أميركي، لتندلع أزمة مالية عالمية دفعت بالدولار إلى الهبوط بشدة، وبالنفط إلى أن يسجل تراجعاً ملحوظاً، وتأثرت بذلك اقتصاديات الدول كافة. وبعد مضي نحو 14 شهراً على ظهور تلك الأزمة، تشير المتغيرات الاقتصادية العالمية، إلى انحسار تلك الأزمة بالتدريج وظهور بوادر انتعاش. بداية الانتعاش أكدته الولايات المتحدة الأميركية التي يؤثر اقتصادها في العالم بشكل كبير؛ فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2009، وللمرة الأولى منذ الأزمة، ارتفاعَ الناتج المحلي الأميركي في الربع الثالث للمرة الأولى منذ عام، وبسرعة أكبر مما حدث في العامين السابقين. في بلد مثل الأردن، انعكاس الأزمة سلبياً على إيرادات الدولة والصادرات ونشاط البنوك والعقار والسياحة والتجارة، لم يكن مباشراً، وتطلّب وقتاً ليس بالقصير، ما يدفع إلى الاعتقاد أن تداعيات التحسن يحتاج انعكاسُها مزيداً من الوقت، بحسب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي عبد الإله الخطيب. شرارة الأزمة العالمية امتدت لتطال معدلات النمو العالمية، ومنها الأردن الذي خفّض توقعاته للنمو إلى نحو ثلاثة في المئة للعام الجاري، أي نحو نصف مستوى النمو الحقيقي البالغ 5.6 في المئة العام 2008. يتفق نائب رئيس الوزراء وزير المالية الأسبق زياد فريز مع الخطيب بأن هنالك نمواً اقتصادياً لم يصل للسالب بعد، لكنه يبدو أقلَّ تفاؤلاً حيال المرحلة المقبلة: «العام 2010 سيكون صعباً، وإن كنا سنشهد انفراجة في الاقتصاد لن تكون قبل الربع الثالث من العام». يعتقد فريز أن معدل 3 أو 4 في المئة كنمو اقتصادي، لا يوازي الحاجة الفعلية لتحريك عناصر حيوية في الاقتصاد، مثل الحركة التجارية، وتشغيل عمالة، والوصول لمستوى «معيشي لائق». بيد أن الخطيب يستدرك بقوله: «ما زال لدينا نمو اقتصادي، ولم نشهد كوارث مثل إفلاس بنوك أو مخاطر حقيقية». أربعة مؤشرات رئيسية يرى فريز ضرورة مراقبتها وتعزيزها والعمل على تنميتها: موازنة الدولة، الصادرات، الاستثمارات، وحوالات العاملين في الخارج. وزارة المالية أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 الأرقامَ النهائية لموازنة الدولة للعام 2010، تمهيداً لمناقشتها وإقرارها من مجلس الوزراء للمصادقة عليها، وإحالتها إلى مجلس النواب. «المالية» خفّضت من توقعاتها للنفقات بسبب الأزمة، بتأكيدها أن السقف الكلي للنفقات العامة 5.46 بليون دينار بدلاً من 5.565 بليون دينار، بعد إعادة تقدير المساعدات والمنح الخارجية التي يُتوقَّع الحصول عليها العام 2010. حجم الصادرات كان الأكثر تأثراً، فسجل تراجعاً للمرة الأولى منذ سنوات، وبنسبة 20 في المئة منذ بداية العام 2009، وانخفاض قيمة المعاد تصديره بنسبة 18.1 في المئة، بحسب بيانات الإحصاءات العامة، بسبب ضعف الطلب على المنتجات الأردنية من الأسواق العالمية، نتيجة حالة الركود والتباطؤ العالمي. رغم إقرار رئيس جمعية المصدّرين الأردنيين، عمر أبو وشاح، بتأثر الصادرات بالأزمة، إلا أنّه يلفت إلى أن الصادرات تتعرض لضغوط قبل ذلك، «كونها تواجه منافسة شرسة غير متكافئة، لارتفاع التكلفة على المنتجين بشكل كبير مقارنة بالدول المجاورة نتيجة الضرائب المفروضة من الحكومة على الصادرات محلياً من جهة، وتلك التي تستوفيها الدول المستوردة من جهة أخرى». أبو وشاح يدعو لدعم المنتج المحلي والصادرات وذلك لتشجيع الاستثمار في القطاع الإنتاجي أسوة بدول أخرى في المنطقة بدأت بتطبيق نظام رديات على الصادرات export rebates. وهو يقارن الوضع محلياً بما يجري في دول الجوار، يقول: «الصناعي في تلك الدول ينال مزايا متعددة، مقارنة بالمنتج الأردني الذي يعاني من ارتفاع الأسعار بشكل كبير». قطاع الإنشاءات لم يكن بمنأى عن تداعيات الأزمة هو الآخر، فقد تأثر النشاط العقاري بالمتغيرات السياسية والاقتصادية العربية والعالمية، وقد أخذ التأثر في التصاعد منذ العام 2003 بشكل ملحوظ، وبلغ الذروة في العام 2005، لكن التراجع بدا واضحاً في العامين 2008 و2009. حجم التداول في سوق العقار خلال العام 2003 بلغ ما مجموعه 1.3 بليون دينار، وارتفع إلى 2 بليون دينار في العام 2004، بزيادة 53.8 في المئة. خلال العام 2005 بلغ حجم التداول نحو 3.5 بليون دينار، بنسبة نمو بلغت 75 في المئة، مقارنة بحجم التداول للعام 2004، ليبدأ مسلسل تراجع مع انخفاضه بنسبة 38 في المئة، بحجم تداول 2.78 بليون دينار خلال الشهور الثمانية الأولى من العام 2009 مقارنة بـ 4.46 بليون دينار للفترة نفسها من العام 2008. بيد أن المؤشرات الأولية لتشرين الثاني/نوفمبر 2009 تبيّن أن هنالك تعافياً، و«لكن ببطء»، بحسب رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان زهير العمري.
العمري يلقي باللوم على السياسة النقدية في البلاد، التي أفرزت تشدداً من البنوك تجاه التسهيلات البنكية، ويعتقد جازماً أن البنوك قصّرت في تعاملها مع صناعة العقار بعد تلقّيها تعليمات من البنك المركزي بعدم منح القطاع تسهيلات بنكيّة إلى جانب شراء الأسهم. أما البنوك، فإن تأثرها بالأزمة المالية العالمية لم يكن ملموساً، لعدم تورطها في التمويل الخارجي، أو توسّعها في عمليات الإقراض غير المدروس، وهو ما تؤكده بيانات تلك البنوك، إذ بقيت تسهيلاتها محلية، وشهدت تراجعاً ما بعد الأزمة بانخفاض مقداره 194 مليون دينار، وما نسبته 4.9 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من العام 2009. «المركزي» أصدر تعليمات للبنوك العاملة بالتوقف عن منح التسهيلات لغايات العقار والأسهم، بوصف ذلك صمامَ أمان أولياً، لتكون تلك البنوك أكثر حذراً وحيطة تجنّباً لأيّ خلل، بحسب تقرير حديث صادر عن «المركزي». رئيس مجلس إدارة بنك تجاري لا يرغب بنشر اسمه، دافع بالقول إن البنوك تعاملت مع الأزمة بموضوعية، كونها أحدثت توازناً ما بين حجم القروض الممنوحة والضمانات المتاحة دون مجازفة، و«كونها على الأقل استطاعت أن تتجنب الخسائر». يفترض المصرفي سيناريوهاً لم يحدث: «ماذا لو أفلس عدد من البنوك بسبب تسهيلات لم يتم تحصيلها؟ على العكس، التشدد الذي أظهرته البنوك فوائده أكثر من المضارّ». فريز يتفق مع المصرفي بأن البنوك تعمل على أسس تجارية بحتة، و«ليس بمقدورها منح تسهيلات غير مضمونة في ظل مخاوف من بطء في مشاريع قائمة، وعدم القدرة على ضمان عوائد استثمارات وسط حالة ركود ملحوظة». نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق يخالف كلاًّ من فريز والخطيب في الرأي، ويتفق مع العمري بأنّ تشدد البنوك ألقى بظلاله على النشاط التجاري وحركة البيع والشراء التي يرى أنها تتعلق بشريحة كبرى في البلد. يقول: «لم نستطع كتجار، تأمين البضائع، بسبب تشدد البنوك وتحديداً في تسهيلات الجاري مدين. أصبحنا مطالبين بضمانات أوسع لا نمتلكها»، وزاد: «المواطنون والتجار على حد سواء يعانون من شحّ سيولة». «المركزي» يقرّ في تقريره الأخير استمرارَ انخفاض السيولة، التي تقيس «حجم الموجودات السائلة المتوفرة لدى البنك منسوباً إلى التزاماته متوجبة الأداء». وقد بلغت نسبة السيولة 179.6 في المئة خلال العام 2003 لتتجه بعد ذلك للانخفاض المستمر، حتى بلغت 138.1 في المئة نهاية النصف الأول من العام 2008، إلا أن «المركزي» يرى أنها أعلى من الحد الأدنى لمتطلباته. الانخفاض الملحوظ الذي طرأ على نسبة السيولة في نهاية النصف الأول من العام 2008 مقارنة مع نهاية العام 2007، حدث بشكل رئيسي نتيجة قيام «المركزي» في بداية العام 2008 بتعديل تعليمات السيولة القانونية، إذ تمّ رفع الوزن الترجيحي للودائع ما بين البنوك المتبقي على استحقاقها سنة أو أقل إلى 100 في المئة. من الجدير ذكره أن ارتفاع نسب السيولة لدى البنوك بشكل كبير، يعكس عدم كفاءتها في توظيف مصادر أموالها، في حين يُعدّ انخفاضها الكبير نتيجة منحها التسهيلات بكثافة مؤشراً سلبياً يعكس مخاطر سيولة مرتفعة في الأسواق، وبالتالي فإن على البنوك المواءمة بين الأمان والسيولة والربحية. فريز يتفق مع الحاج توفيق على أهميّة الحركة التجارية: عمليات الشراء والبيع وإقبال المواطنين على السلع، ويرى فيها مؤشراً على حيوية الاقتصاد ككل، لكنّه كرّر أنّ المخاوف من عدم السداد وحالة الركود مبرر واضح للبنوك. الخطيب الذي يرأس مجلساً ما زال في طور التأسيس، يفيد بأن لجنة السياسات في المجلس تجتمع بشكل مكثف لبحث الأمور الطارئة بما يتصل بالسياسة المالية المتعلقة بالموازنة وشؤون اجتماعية أخرى. إيرادات الدولة تراجعت بشكل ملموس، فانخفض إجمالي الإيرادات المحلية والمساعدات الخارجية خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري بمقدار 325.9 مليون دينار، وبلغ 3.25 بليون دينار، مقابل 3.58 بليون دينار للفترة نفسها من العام 2008، بحسب بيانات وزارة المالية. وهو ما أظهرته نشرة لدائرة الأراضي والمساحة مثلاً، حيث إن إيرادات الدائرة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2009 بلغت 174.22 مليون دينار، بانخفاض نسبته 38 في المئة، مقارنة بالأشهر الثمانية الأولى للعام 2008. يعتقد الخطيب أن القطاع المصرفي استطاع تجاوز تأثيرات الأزمة المالية العالمية، بمساعدة البنك المركزي الذي «انتهج سياسة متوافقة مع السياسة النقديّة في البلاد بشكل عام». تؤكد ما ذهبَ إليه الخطيب بياناتُ «المركزي» نفسها، إذ أظهرت أن الاحتياطيات الصافية بالعملة الأجنبية ارتفعت بنسبة 31 في المئة إلى 10.153 بليون دولار في نهاية أيلول/سبتمبر 2009 بالمقارنة مع مستواها في بداية العام، مع نمو الأصول المقومة بالدينار. الاحتياطيات تعكس قدرة البلاد على توفير السلع، وهو ما يبينه تقرير للبنك المركزي، يؤكد أن حاجة البلاد مضمونة لمدة سبعة أشهر، كما أنها مؤشر على قدرة دعم صرف الدينار مقابل العملات الأخرى. وبلغت الاحتياطيات 7.74 بليون دولار في بداية 2009، وهي آخذة في الارتفاع منذ تسببت إعادة شراء ديون بقيمة بليونَي دولار في آذار/مارس 2008 في خفض الاحتياطيات إلى مستوى 5.2 بليون دولار. «المركزي» أرجعَ الزيادة في الاحتياطيات الأجنبية إلى سياسته بالسماح بفروق كبيرة في الفائدة لصالح الدينار وعلى حساب الدولار الأميركي، ما شجّع البنوك والمودعين على إبقاء أموالهم بالدينار، وهو إجراء يُعَدّ مهماً خلال الأزمة المالية، وأحد الأركان الأساسية للسياسة النقدية المتمثلة في حماية قيمة الدينار المربوط بالدولار الأميركي، ويعبّر عن سياسة يقول صندوق النقد الدولي إنها «خدمت الاقتصاد بشكل جيد». النمو المطرد لاحتياطيات البنك المركزي على مدى عام، ساهم في خفض الفائدة، وضخّ المزيد من السيولة في الاقتصاد، وتشجيع البنوك الخاصة على خفض أسعار الإقراض لدعم النمو بحسب «المركزي». من وجهة نظر تقارير عالمية، أجمعت تقارير لصندوق النقد والبنك الدوليَّين صدرت في تشرين الأول/أكتوبر 2009 وبعد مضي أكثر من عام على الأزمة، على «أن الأداء الكلّي للاقتصاد تمكّن من اجتياز تداعياتها واستيعاب انعكاساتها وآثارها السلبية، إذ تحولت الأزمة العالمية إلى أزمة اقتصادية عصفت بأسواق واقتصاديات العديد من دول العالم، بينما كان اقتصاد الأردن الأقل تضرراً وتأثرا جرّاء هذه الأزمة، وتمكّن من امتصاص واستيعاب صدماتها نتيجة الإسراع في تنفيذ حزمة من الإجراءات الوقائية التي اتخذها البنك المركزي والجهات الرسمية المعنية في مجال السياسات النقدية لحماية الجهاز المصرفي المحلي». بيد أن تحفُّظَ البنوك تجاه قطاعَي الأسهم والعقار، وقطاعات أخرى، ترك أثراً واضحاً على أرباحها، فتأثرت أرباح تلك البنوك كونها تعتمد بشكل أساس في أرباحها على العائد من عمليات التمويل في الداخل عوضاً عن الاستثمار أو المشاركة في عمليات تمويل في الخارج. البنوك ضحّت في أرباحها مقابل ذلك، إذ تراجعت الأرباح الصافية للبنوك العاملة في البلاد بعد الضريبة والمخصصات في الأشهر التسعة الأولى من العام 2009 بنسبة 31 في المئة، إلى 523 مليون دينار، مقابل 754 مليون دينار للفترة نفسها من العام 2008. ووفقاً للبيانات المالية التي أعلنتها البنوك المدرجة في بورصة عمّان، وعددها 15 بنكاً، فقد تراجعَ الدخل التشغيلي من العمليات، التي تمثّل صافي إيرادات الفوائد والعمولات، بنسبة 2 في المئة، إلى 1.322بليون دينار مقابل 1.348 بليون دينار لفترة المقارنة نفسها من العام 2008. |
|
|||||||||||||