العدد 6 - الملف
 

إلى زمن قريب، ظل مفهوم المشاريع الكبرى مقتصراً على عدد معين من مشاريع القطاع العام، إضافة إلى ما كان يُعرف بالقطاع المشترك في الشركات المساهمة العامة، وقد شهدت البلاد مشاريع كبرى، مثل الفوسفات والاسمنت والبوتاس وقناة الغور الشرقية وبعض السدود وأول جامعتَين، وذلك بالطبع بحسب مقاييس «الكبرى» ومواصفاتها ومفهومها في ذلك الحين.

قوبلت تلك المشاريع بالكثير من الحفاوة، على المستوى الرسمي، والشعبي أيضاً، وكانت لا تُذْكر إلا بقدرٍ عالٍ من التقدير، وتُستخدم في وصفها أوصاف مثل: مفخرة وطنية، أو صروح حضارية، أو مشاريع تنموية كبرى، وسوى ذلك من أوصاف أثيرة إلى قلوب الأردنيين. وقد مر زمن انتشرت فيه أغانٍ تتغنى بهذه المشاريع تؤديها «المجموعة»، وهي فرقة غناء جماعي تابعة للإذاعة الرسمية، كانت الوحيدة آنذاك، ومن أشهرها أغنية تقول: «يا رايح عَ الغور يا خوي نيّالك سلّم عَ زقلاب والمية قدّامك»، وأخرى كانت تتغنى بشركة الإسمنت.

المفارقة أن ما يُعرف حالياً بالمشاريع الكبيرة لا تقابَل بالحفاوة والترحيب فقط، بل كثيراً ما تقابَل بالتشكيك، والرفض أحياناً في بعض الأوساط، وبخاصة على المستوى الشعبي، أو يمكن القول إن أي تشكيك يقابَل بالإصغاء من الأوساط الشعبية. وبالمرور على جميع هذه المشاريع (قناة البحرين، مياه الديسي، المشروع النووي، العبدلي، وسط عمّان، الميناء الجديد في العقبة) يلاحظ المرء أنها جميعاً تواجَه بقدر من الأسئلة، بحيث يبدو أن قطاعاً واسعاً من الناس غير مقتنع أنها مشاريع تنموية حقيقية، أو أنها ذات أثر إيجابي على المستوى الوطني. وما يحدث أن الجمهور يتعامل بتحفُّظ مع الكلام الرسمي حول أيٍّ من هذه المشاريع.

الفكرة الشائعة أن هذه المشاريع لا تقع بالكامل ضمن سيطرة القرار الاقتصادي الوطني. على سبيل المثال، فإن مشروع قناة البحرين حظيَ بقدر كبير من التساؤلات، وهناك وجهة نظر سائدة على صعيد شعبي واسع تقول إن المشروع ليس فقط «غير وطني»، بل إنه يخدم أعداء الوطن. كما حدث لغط كبير حول مشروع مياه الديسي، بخاصة بعد أن طال الحديث حوله، ولاحظ الناس علوّ وهبوط موجات الاهتمام به، وربطوها بتطورات الأوضاع السياسية، وتابع الناس باهتمام التقارير التي تحدثت عن تلوث محتمل. أما المشروع النووي، ورغم أنه حديث نسبياً، إلا أن الكلام حوله يتزايد وبدرجات متفاوتة، وهنا أيضاً ثمة قدر لا يستهان به من التشكيك.

من زاوية تنموية، لا يتوقف أثر المواقف المشككة بهذه المشاريع على الجانب الدعائي أو الإعلامي، ففي قضايا التنمية، وبخاصة في المشاريع ذات الصلة بقطاعات واسعة من الناس، من الضروري أن يجري الالتفات إلى طريقة استقبال الناس للمشروع. ففي بعض التجارب في آسيا وإفريقيا تم هدر الكثير من المال والجهد في مشاريع كبرى فشلت، لأنها لم تُستَقبَل جيداً لأسباب مختلفة، تتصل أحياناً بالثقافة السائدة أو المعتقدات التي قد تتناقض مع أهداف المشروع ومجرياته كما فكر بها ونفذها المخططون.

جانبٌ كبير من التشكيك الشعبي في الأردن، يعود إلى ضعف الثقة باستقلالية القرار الاقتصادي، والشعور المتزايد أن البلد إلى جانب بلدان كثيرة مشابهة، أصبح يُدار دولياً بما يتعلق بالقرارات الكبرى. ويعتقد أنصار هذه المشاريع أن مجرد تصنيف هذه المواقف المشككة ضمن ما يُعرف بـ«نظرية المؤامرة» كافٍ لتجاوزها والرد عليها، من زاوية أنه لا مجال للوصول مع هذه النظرية إلى «حلول وسط».

جزء كبير من دواعي قبول هذه الأفكار، يعود إلى أنها تأتي في ظل انسحاب الحكومة من القطاع العام، بحيث يبدو الدور الحكومي مقتصراً على التشريعات والرقابة والحماية وضمان تسهيل الإجراءات. ومن الطبيعي أن يتوقع الناس أن هذه المشاريع تكون في خدمة أصحابها من القطاع الخاص المحلي أو الدولي. وفي الأثناء، قد تجري إجراءات تعزز الانطباع بأن المحيط الاجتماعي سيتضرر من المشروع. على سبيل المثال صدرت مواقف عدة من أهالي المنطقة القريبة من مشروع الديسي (معان والبادية الجنوبية) تتساءل عن المشروع، وتشكك في تحقيقه لأيّ هدف تنموي في تلك المنطقة، كما اضطر المسؤولون عن المشروع النووي إلى دحض شكوك ظهرت في المناطق التي أُعلنت كمواقع مقترَحة لإنشائه. يُضاف إلى ذلك أن عدداً من هذه المشاريع الكبرى الجديدة طُرحت على هامش عملية السلام، مثل مشروع قناة البحرين، لكن الناس عندما لاحظوا الفشل المتواصل لعملية السلام، وأنه لم يبقَ أمامهم سوى «هوامش» تلك العملية، لم يجدوا مبرراً للترحيب بها.

الموقف الشعبي ليس مسألة جانبية، وحتى في حالة ثقة المخططين بمشاريعهم، لا يجوز التعويل على الزمن لتغيير المواقف، ذلك أن صداقة المجتمع المحيط مع المشروع عنصرٌ أساسي لنجاحه.

المشاريع الكبرى: نقص في الحفاوة الشعبية
 
01-Dec-2009
 
العدد 6