العدد 6 - الملف
 

الإعلان الرسمي الأردني عن مشروع «قناة البحرين»، في مؤتمر قمة الأرض في جوهانسبيرغ بجنوب إفريقيا، أيلول/سبتمبر 2002، جاء صادماً لأطراف عربية عديدة.

مردّ الصدمة أن المتلقين وقعوا في التباس كبير بين المشروع الأردني، ومشروع استعماري قديم هدف إلى وصل البحرين (الميت بالمتوسط أو الميت بالأحمر)، طرَحَهُ الإنجليز للمرة الأولى العام 1850، وتبناه بعد ذلك مؤسس الحركة الصهيوينية تيودور هرتزل، وذلك لإيجاد قناة بديلة لقناة السويس المصرية ومنافسة لها.

إلا أن الأردن استطاع كشف هذا الالتباس عندما أعلن أنه لا يطمح إلى تنفيذ قناة شبيهة بقناة السويس، فالمشروع في معظمه سوف ينفذ بواسطة أنابيب ناقلة للمياه، ولن تتسع لأي شيء آخر، فضلا عن تأكيده أن معظم مراحل المشروع سوف تتم داخل الأراضي الأردنية، باستثاء 8 كم يتم تنفيذها داخل الأراضي الإسرائيلية.

العكس تماماً يراه الباحث المصري وحيد محمد مفضل في مقالة له على موقع الجزيرة نت، إذ يؤكد أن تنفيذ المشروع بنسخته الأردنية قد يكون له فوائد قومية عربية . ويقول: «سوف يفيد في إلغاء إسرائيل لفكرة إنشاء قناة ملاحية منافسة لقناة السويس، على أساس أنه لا يمكن تنفيذ كلا المشروعين، وأن وجود أحدهما يلغي فكرة وجدوى الآخر».

كان الجهد الأردني كبيرا في إظهار فوائد المشروع، خصوصاً أن الجهات الرسمية، ممثلة برئاسة الحكومة ووزارة المياه، عدّته واحداً من المشاريع الاستراتيجية القادرة على تخليص المنطقة من مشاكل كثيرة، مؤكدة أن لا جوانب سياسية للمشروع، إذ إن جلّ ما يطمح إليه إنقاذ البحر الميت من الجفاف بواسطة تزويده بدفق مائي متجدد باستمرار، وهو ما يمكن أن يصنف، في أحد جوانبه، بأنه مشروع بيئي يهدف إلى الحفاظ على المنظومة البيئية الفريدة للبحر الميت، إضافة إلى أنه يسهم في حل مشكلة العوز المائي، وفي تطوير المنطقة تنموياً.

واظب الأردن على طرح المشروع تباعاً؛ في مؤتمر المياه بـ كيوتو في آذار/مارس 2000، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي بالبحر الميت في تموز/يوليو 2003، ثم في المؤتمر الدولي لإدارة الطلب على المياه بعمان في حزيران/يونيو 2004.

المشروع وأهميته الاستراتيجية

تقوم فكرة المشروع على إنشاء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وذلك لمنع جفافه المتأتي من تحويل مجرى مياه نهر الأردن من قبل إسرائيل في الستينيات من القرن الماضي، ومن عمليات التبخر بتأثير درجات الحرارة العالية التي تشهدها منطقته.

ممثل الأردن في اللجنة الثلاثية المسؤولة عن المشروع فايز البطاينة، أكد في أيلول / سبتمبر 2009، أن الأردن قرّر المضي قدماً في بناء القناة الواصلة بين البحر الأحمر والميت من دون المساعدة المتوقعة من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مبيناً أن «الأردن يعاني من العطش وهو لا يستطيع أن ينتظر أكثر من ذلك».

ينفذ المشروع الذي يتوقع أن تصل كلفته الإجمالية إلى 11 بليون دولار، على ثلاث مراحل؛ الأولى، بحسب البطاينة، توفّر نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت عن طريق خط ناقل طوله 180 كم، ينقل 1900 مليون متر مكعب سنويا، وتبلغ كلفة هذه المرحلة بليونَي دولار، تبدأ العام 2010 وتنتهي العام 2014، وفق نظام B.O.T (بناء، تشغيل، تحويل)، لضخ المياه إلى البحر الميت.

المرحلة الثانية تقوم على تحلية 850 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وتوليد الطاقة الكهربائية، أما المرحلة الثالثة فتتضمن نقل المياه المحلاة من جنوب البحر الميت إلى المراكز السكنية، وإنشاء شبكة توزيع كهربائية لنقل الطاقة.

موسى الجمعاني الأمين العام في سلطة وادي الأردن ومدير المشروع، يرى أن المشروع حين يتم، فإنه سينقذ البحر الميت من انخفاض معدل مياهه المتزايد، إضافة إلى إلى الوفر المائي الذي يؤمنه سنوياً من المياه المحلاة للأردن وإسرائيل وفلسطين، وتوليد حوالي 600 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، فضلا عن مد البحر الميت بحوالي 1150 متر مكعب من المياه تغذية له.

يساهم المشروع كذلك في إعادة الحياة إلى المناطق الصحراوية القاحلة التي يمر بها، كما يساعد الحكومة في إحياء مشاريع اقتصادية وسياحية في تلك المناطق، وحماية المشاريع السياحية المقامة في الجانب الأردني من البحر الميت والتي تقدر قيمتها بنصف بليون دولار، بحسب وزارة المياه الأردنية.

إجراءات طرح العطاء الخاص بدراسة الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي للمشروع، تم التوقيع عليها مع البنك الدولي العام 2005، بينما لم تنطلق الدراسة إلا في أوائل حزيران/يونيو 2008، في حين شهد أيار/مايو 2008 أول إجراء عملي للبدء بتنفيذ دراسات مشروع ناقل البحرين (الأحمر - الميت)، إذ باشرت وزارة المياه والري بتنظيم اجتماعات لبحث تمويل دراسات المشروع من جهة، ومناقشة قضايا لوجستية لإجراء الدراسات من جهة أخرى.

المباحثات بين وزارتي المياه والتخطيط والبنك الدولي والوكالة الأميركية للإنماء الدولي USAID، ركزت على تمويل دراسات المشروع لتستكمل هذه المباحثات في مؤتمر الدول المانحة في باريس نهاية نيسان/إبريل 2008، وليوقع البنك الدولي اتفاقيتين لتنفيذ العمل بدراسات الجدوى البيئية والاقتصادية للمشروع ، علماً بأن أمر المباشرة والبدء بتنفيذ الدراسات الدراسات صدر في أيار/مايو 2008.

آخر التطورات كان قيام وفد من الخبراء الدوليين معـينين من البنك الدولي للعمل على تقويم دراسات المشروع مطلع تشرين الأول/نوفمبر 2009، بزيارة ميدانية إلى منطقة المشروع من خليج العقبة إلى منطقة البحر الميت، حيث ستتم مناقشة النتائج التي توصلوا إليها في اجتماع اللجنة التوجيهية للمشروع المزمع عقده أواخر العام الجاري في الأردن.

يؤكد الجمعاني لـ ے، أن «المشروع استراتيجي ومهم لسد العوز المائي في المنطقة»، مبينا أن دراسة الجدوى الاقتصادية والبيئية للمشروع تكلف 15 مليون دولار وتمولها كل من اليابان وفرنسا والسويد وإيطاليا والولايات المتحدة والنرويج، ويتوقع أن تستغرق عامين.

محاذير بيئية

بعض معارضي المشروع، يرون أن القناة ستؤدي إلى إغراق أراض أردنية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، من بينها طرق حيوية جنوب المملكة.

الاعتراضات لا تتأتى فقط من هذا الجانب، بل تتعداه نحو الجانب البيئي، فالناشط في مجال البيئة سفيان التل، يحذر كذلك من خطر «تحويل البحر الميت، وهو إرث بشري متفرد، إلى بحر حي، إذ إن القناة ستنقل له أنواعا جديدة من الأحياء المائية»، وهو الأمر الذي لا يؤيده

لجمعاني، إذ يرى أن مياه البحر الأحمر مالحة، وأنها سوف تزيد من ملوحة البحر الميت، كما أن نهر الأردن بمياهه العذبة صبّ في البحر الميت لقرون طويلة من دون أن يؤثّر ذلك في أيٍّ من خصائصه.

التل يتخوّف كذلك من «الضغط على منطقة حفرة الانهدام، ما ينذر بحدوث زلازل مدمرة»، وهو الأمر نفسه الذي يحذر منه الباحث وحيد محمد مفضل، فرغم اعترافه أن للمشروع فوائد جمة تخلص المنطقة من مشاكل عديدة في ما يتعلق بندرة مصادر المياه العذبة، والنقص الحاد في إنتاج الطاقة الكهربائية، وانخفاض مستوى المياه الجوفية في المناطق المشاطئة للبحر الميت، وإنقاذ الفلسطينيين من فقر مائي مدقع بسبب استيلاء إسرائيل على معظم مواردها المائية، إلا أنه يحذر من المخاطر البيئية للمشروع.

مفضل يؤكد أن المشروع «ينطوي على مخاطر عديدة على البحرين؛ الميت والأحمر»، مبينا أن طبيعة البحر الميت سوف تتغير من حيث «خواص مياهه الفيزيائية وتركيبها الكيميائي ومكوناتها البيولوجية، وهو ما سيترتب عليه فقد البحر الميت لهويته البيئية المميزة».

إضافة إلى ذلك، فإن تخفيف ملوحة البحر الميت سيؤدي إلى تداخل المياه العذبة الجوفية مع المياه المالحة، ما يؤدي إلى تزايد معدلات البخر في المنطقة، «وهو ما سيترتب عليه حدوث أضرار وتداعيات اجتماعية وبيئية غير مأمونة العواقب».

الجمعاني، يبين أن دراسة الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي للمشروع تسعى إلى عدم التأثير على طبيعة البحر الميت من خلال إجراء الاختبارات المخبرية، ومزج عينات من البحرين لمعرفة أثر خلط مياه البحرين، وفرصة تشكّل كتل ملحية قد تؤثر سلبا على صناعة البوتاس في المنطقة.

ويؤكد أن الدراسة البيئية تهدف إلى نقل المياه بما يتناسب مع مستوى سطح البحر الميت من خلال دراسة معدلات التبخر ونقل ما يوافي هذا النقص للوصول إلى منسوب مستقر يدحض هذه المزاعم.

مفضل يبدي تخوفاً من أن «الضغوط الهائلة الناتجة من زيادة كميات المياه الواردة للبحر الميت قد تؤدي إلى وقوع زلازل قوية بالمنطقة، أو في تنشيطها على أقل تقدير».

وزير المياه الأسبق منذر حدادين يؤكد أن المشروع سيرفع منسوب مياه البحر الميت إلى ارتفاع أدنى من منسوبه الأصلي بأربعة أمتار، وهو الأمر الذي يدحض أي مخاوف بشأن تأثير منسوبه على طبيعة الأرض الطبوغرافية، والتي إن تأثرت فسيكون ذلك بفعل الطبيعة لا غير.

وفي الوقت الذي يشكك فيه مفضل وغيره في دعاوى أن «البحر الميت سوف يجف في غضون 50 عاما»، مبيناً أن «الدراسات العلمية المتخصصة تؤكد أن جفاف البحر الميت، إن حدث، لن يتحقق قبل نصف ألفية من الآن»، وأن «تناقص مستوى المياه فيه لن يستمر بالضرورة على معدلاته الحالية»، يوضح حدادين أن «الأرقام والحقائق منذ الستينيات تخالف ذلك». ويبين أن تغير طبيعة الموارد المائية في المنطقة تستدعي خططاً متكاملة للتحسين والتطوير، وأن «حاجة الأردن إلى مشاريع تنموية يجب أن لا تُقابل بردود أفعال عاطفية مناقضة للواقع».

البحر الميت: مقصد سياحي وإرث تاريخي

البحر الميت هو بحيرة، يعدّ سطحها أعمق نقطة في العالم، حيث يقع على عمق 417 م تحت سطح البحر بحسب قياسات العام 2003. وتقع البحيرة ما بين الأردن، وفلسطين (حاليا الضفة الغربية وإسرائيل). وله عبر التاريخ ذكر في جميع الحضارات التي سكنت حوله، وكلها تنعته بصورة أو بأخرى بصفات تعود إلى شدة ملوحته أو خلوه من الكائنات المائية.

مصدر مياهه الأساسي كان من نهر الأردن الذي يصب فيه من جهة الشمال وتأتيه من الشرق كميات لا بأس بها من المياه مصدرها وادي زرقاء ماعين ونهر الموجب وغرباً من عين جدي.

أُطلق على هذه البحيرة اسم «البحر الميت» بسبب ملوحتها الشديدة التي تبلغ عشرة أضعاف ملوحة المحيطات، وتتغير هذه الملوحة اعتماداً على العمق.

ورغم احتوائه على أنواع من البكتيريا والفطريات الدقيقة، إلا أن الكائنات الحية الأخرى لا تعيش في مياهه.

يقع البحر الميت في منخفض عميق يشكل جزءاً من الشق السوري الأفريقي، وحسب نظرية عالم الإراضة ليو بيكارد، فإن البحر الميت كان في الماضي جزءاً من بحيرة واسعة حلوة المياه امتدت على منطقة غور الأردن ومرج بن عامر وصبت في البحر الأبيض المتوسط.

حسب هذه النظرية، أسفرت التغييرات في علوّ الأرض قبل مليوني عام تقريبا إلى انقطاع الوصلة بين تلك البحيرة والبحر الأبيض المتوسط، وإلى تضيق البحيرة إلى بحيرة طبريا، نهر الأردن والبحر الميت. فأدى حصر مياه البحر الميت، وتبخر الماء إلى زيادة نسبة الأملاح فيه.

يبلغ طول البحر الميت 37 كيلومترا وعرضه 15 كيلومترا وسبعمئة متر، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 945 كيلومتراً مربعاً. وأما أعمق عمق له فيبلغ 401 متراً وتقسمه شبه جزيرة اللسان إلى شطرين غير متساويين، والشطر الجنوبي هو مستنقع مالح ويبلغ عمقه من 6 إلى 8 أمتار.

إلا أن البحر الميت اليوم مقسوم إلى قطعتين غير متساويتين، لجفاف المنطقة الوسطى منه، وظهور اليابسة، والتي أدّت إليها بشكل رئيسي عمليات التعدين الواسعة للبوتاس.

البحر الميت يعدّ من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطا في المنطقة، وذلك لاحتواء مياهه على أنواع كثيرة من الأملاح التي تسهم في شفاء كثير من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة. وعندما يلتقي ماء البحر بصخور الشاطئ فإنها تصطبغ بلون الثلج جراء الأملاح المتجمعة على صخور الساحل.

البحر الميت يعدّ من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات، مثل مصانع الملح وصناعة المستحضرات التجميلية والعلاجية. إضافة إلى ذلك، فقد أقيم كثير من المنتجعات على كلا شاطئيه الشرقي والغربي، وتم ترشيحه ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات.

«قناة البحرين»: مشروع حيوي ينقذ «الميت» من الزوال
 
01-Dec-2009
 
العدد 6