العدد 6 - محلي
 

«فضيحة في الإعلام الأردني»، كان هذا عنوان الرسالة الإلكترونية التي تداولها عشرات الصحفيين الأردنيين في ما بينهم، بعد أن اتضح عدم دقة الخبر الذي نشرته وسائل إعلام حول تقرير صادر عن الأمم المتحدة، وضعَ الأردن في المرتبة 14 بين الدول الأكثر أمناً في العالم. إذ نفى مكتب الأمم المتحدة في الأردن وجود تقرير كهذا.

الرأي كانت الصحيفة الأولى التي أطلقت الخبر، فقد نشر الصحفي أحمد كريشان، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2009، خبراً ورد فيه أن الأمم المتحدة صنّفت الأردن في المرتبة 14 «من بين دول العالم الأكثر حفاظاً على الأمن والاستقرار لمواطنيها وزوارها»، وذكَرَ الخبر أنّ التقرير الذي احتلت فيه سويسرا المرتبة الأولى، أُعدّ بناء على «دراسة أجراها فريق من الأمم المتحدة قام بزيارة الأردن في بداية العام الجاري».

في اليوم التالي، قامت وكالة الأنباء الأردنية بترا، بنقل الخبر عن الرأي، ليندلع بعدها كالنار في الهشيم في الصحف اليومية والمواقع الإخبارية والإذاعات المحلية والتلفزيون الرسمي وقنوات خاصة، ولتنطلق «احتفالية» استمرت خمسة أيام، احتفت فيها وسائل الإعلام الأردنية بالتقرير ونتائجه.

صحيفة الرأي أفردت افتتاحية عبّرت فيها عن اعتزازها بهذا «الاعتراف الأممي»، وحذَتْ صحيفة الدستور حذوها، وجاء في افتتاحيتها أن التقرير شهادة من «الأمم المتحدة وفريقها المتخصص الذي زار الأردن لهذه الغاية»، كما أجرت متابعةً موسّعة للموضوع أجرت فيه لقاءات مع نائب ومسؤولين حكوميين أشادوا بالتقرير.

العديدُ من المقالات نُشرت على صفحات الصحف والمواقع الإخبارية، وقامت بعض الإذاعات بتخصيص مساحات من بثّها المباشر للحديث عن الموضوع، وبثّت أغاني وطنية بالمناسبة. أما التلفزيون الأردني فقد بثّ الخبر في نشرته الرئيسية، كما خصص برنامج «منتصف النهار» مساحةً للحديث عنه.

وقد تُوّجت هذه «الاحتفالية» بتصريحات لوزير الداخلية نايف القاضي لوكالة بترا، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، وصف فيها التقرير بأنه «شهادة ساطعة على قدرة وكفاية الأجهزة الأمنية»، ونوّه إلى أهمية توقيته، إذ جاء في وقت يحاول بعضهم فيه «التشكيك في حال الأمن والاستقرار في المملكة، وتضخيم بعض المشكلات الاقتصادية»، وتصوير بعض المنازعات العائلية على أنها «اضطرابات سياسية ومعارك حقيقية بين العشائر».

لكنّ مكتب الأمم المتحدة في الأردن، أفسدَ فرحة الجميع، عندما أصدر يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، بياناً صحفياً نشره على موقعه الإلكتروني ووزعه على وسائل الإعلام، وقال فيه: «استناداً إلى ما تمّ تداوله مؤخراً من أخبار حول تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويتعلق بحالة الأمن والاستقرار في العالم، وحاز فيه الأردن على المرتبة 14»، فإن المكتب يريد أن «يوضّح أن الأمم المتحدة لم تقم بإجراء دراسة تتعلق بهذا الشأن، ولا نشرت أي تقارير تتضمن معلومات مثل هذه».

لماذا انتظر مكتب الأمم المتحدة خمسة أيام لينفي الخبر؟

بحسب المنسقة الإعلامية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن معالي حزاز، فإن المكتب فور نشر الخبر حول التقرير في الإعلام الأردني، بدأ يتلقى استفسارات من سفارات أجنبية في الأردن طالبت بالحصول على نسخة منه، فقام المنسق المقيم في مكتب الأمم المتحدة في الأردن لوك ستيفنز بالبحث عن أصل التقرير، وعندما لم يجد له أصلاً، خاطب المكتب الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، الذين استغرقهم، كما تقول حزاز، يومين من البحث في نصوص تقارير الأمم المتحدة السابقة والحالية. «كانت هناك خشية من أن يكون الشخص الذي نقل الخبر قد اقتبس عبارات واردة فعلاً في واحد من تقارير الأمم المتحدة لكنه أخطأ في عنوان التقرير، ولم نُرِدْ إصدار نفي قبل التأكد فعلاً من أن التقرير المزعوم لا وجود له فعلاً».

على إثر بيان مكتب الأمم المتحدة، وصفت الرأي ما حدث بأنه «سوء فهم»، ففي توضيح نشرته في أعقاب الحادثة، قالت إن خطأً مهنياً نتج عن «عدم اتباع الآلية المعتادة في تدقيق الأخبار في الصحيفة» أدّى إلى نسبة التقرير إلى الأمم المتحدة، في حين أنه صادر عن منظمة أخرى هي المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي «وضع الأردن في المرتبة 14 بين 141 دولة، في مستوى الخدمات الأمنية».

هذا ما أكده كريشان، صاحب الخبر، الذي قال في تصريح لـ ے، إنه نقل الخبر عن الموقع الإلكتروني للمنتدى المذكور، وإن الخبر صحيح تماماً، وإن «الخطأ الوحيد كان في اسم المنظمة التي نُسب إليها التقرير».

المثير أن الصحيفة في تنويهها عن الخطأ، ارتكبت الخطأ المهني نفسه الذي أدى إليه، وهو «عدم اتباع الآلية المعتادة في تدقيق الأخبار»، ما أدى إلى خلط في المعلومات مرة أخرى.

المعروف أن المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum الذي يتخذ من سويسرا مقراً له، منظمة دولية مستقلة حيادية وغير ربحية، تأسست العام 1971، ويشارك فيها قادة الأعمال والفكر والسياسة وغيرهم، وتُصدر تقارير سنوية تُرتّب فيها الدول تنافسياً، استناداً إلى معايير شاملة وعديدة تتعلق بالصحة والتعليم والسياسة والاقتصاد وغيرها، ومن بينها المعايير الأمنية، وهو يتضمن في كل سنة قائمة رئيسية بترتيب عام للدول استناداً إلى هذه المعايير جميعها، وقوائم فرعية تشمل ترتيب كل دولة وفق كل معيار على حدة.

التقرير المشار إليه، هو تقرير العام 2007-2008، وشمل في تلك السنة 131 دولة وليس 141 كما ذكرت الصحيفة، وقد حاز الأردن على المرتبة 14 فعلاً بما يتعلق بالخدمات الأمنية، لكن سويسرا لم تكن في المرتبة الأولى في هذا البند، ولا في الترتيب العام، بل احتلت المرتبة الأولى في الترتيب العام لتقرير 2009-2010 الذي احتل فيه الأردن المرتبة 50 في الترتيب العام من بين 133 دولة، في حين أنه احتل المرتبة 17 في بند الخدمات الأمنية.

ما هي المشكلة، وقد اتضح أن هناك تقريراً فعلاً، وأن الأردن احتل فيه مراتب متقدمة على المستوى الأمني؟

الأمر كما يقول إعلاميون لا يتعلق بمناقشة موضوع الأمن في الأردن الذي لا يختلف اثنان على أنه يتمتع قياساً إلى الدول الأخرى بمستوى عالٍ منه. المشكلة في رأي الكاتب الصحفي سميح المعايطة، أن الجميع احتفى بالتقرير وهلّل له، دون أن يكلّف أحد نفسه بالبحث عنه لقراءته، ولم ينكشف الأمر إلا بعد إصدار الأمم المتحدة بيانها بعد خمسة أيام من نشر الخبر، ما يثير التساؤل «عن كمّ الأخبار غير الصحيحة التي مرّت من قبل، ولم يُنتبه إليها».

حادثةٌ كهذه تثير علامات استفهام حول مهْنية الإعلام الأردني، لكن الأسئلة الكبرى هي حول مهْنية المسؤولين في البلاد. فالحادثة وفقاً للمعايطة، تُثبت أن «الثقافة السمعية» ليست سمة العامة من الناس فقط، بل هي في أحيان كثيرة سمة المسؤولين أيضاً، وأنه كما يبني عامةُ الناس قناعاتهم على أساس أقوال سمعوها، فإن «مسؤولاً قد يخرج ليدلي بتصريحات بناء على خبر قرأه في صحيفة دون أن يتحقق من مصداقيته».

ما حدث كان «قفزاً إلى الاستنتاجات»، يقول الكاتب الصحفي باتر وردم، فالجميع في بحثهم عن الأخبار الجيدة يمكن أن يروجوا لأخبار «منقوصة ومشوّهة».

لكن الملاحظة اللافتة في رأي وردم، أن هذه الحادثة أنموذج على الطريقة التي يتم بها التعاطي مع تقارير المنظمات الدولية، عندما يتم التركيز على نتائج التقرير، بصرف النظر عن الجهة التي أصدرته، والمنهجية التي اتبعتها للوصول إلى هذه النتائج. «إذا كان مضمون التقرير سلبياً، يبدأ الهجوم والتشكيك بالمصداقية، وإذا كان إيجابياً يبدأ التهليل والإشادة»، وهو أمر يرى وردم أن الحكومة والمعارضة تشتركان فيه، كلّ من موقعه.

باستثناء «التنويه» غير الدقيق الذي خرجت به الرأي، فقد مرّ الأمر بسلام، ولم يصدر عن الحكومة أيُّ تعقيب بخصوص ما حدث، وهذا بحسب المعايطة غير جائز. «كان يجب أن تتم مراجعة ومحاسبة للمسؤول عن هذا الخطأ، وكان على الحكومة التي تطالب الإعلامَ بالمهنية والالتزام الأخلاقي، أن تكون هي نفسها مهنية وملتزمة أخلاقياً وتعتذر لمواطنيها».

تقرير «المرتبة 14»: عندما تكون ثقافة الإعلامي والمسؤول «سمعية»
 
01-Dec-2009
 
العدد 6