العدد 6 - محلي
 

تكشف الدورتان الأخيرتان من عمر المجلس النيابي الخامس عشر المنحل، ما يمكن عدّه «ظاهرة» جديرة بالدرس والاهتمام، هي ازدياد الغياب المتكرر للنواب عن حضور جلسات البرلمان، سواء أكان ذلك بعذر أم دون عذر.

ووفقاً لإحصائية أعدّتها ے، على القواعد نفسها التي يعدّها مجلس النواب لغيابات أعضائه، فإنه باستثناء رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي ومساعده عبد الحميد الذنيبات اللذَين لم يتغيبا عن أيٍّ من جلسات المجلس دون عذر، فإن جميع الأعضاء الآخرين وعددهم 108، سجّلوا غيابات دون عذر تُراوح بين 1 و33 مرّة خلال دورتَي المجلس المنحل منذ كانون الأول/ديسمبر 2007.

غياب النائب عن جلسات عامة تحت القبة دون عذر مقبول، يمثل دلالة غير حميدة من حيث التخلي عن واجبات النيابة في التشريع والرقابة على الأداء الحكومي، وفقاً لما يراه الأمين العام الأسبق لمجلس الأمة صالح الزعبي، لافتاً إلى أهمية دور البرلمان في مساعدة الحكومة على تنفيذ برامجها، وصولاً إلى تحقيق الغايات الديمقراطية والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.

ولو وُضعت الغيابات التي تبلغ أربعة فما دون جانباً، باعتبار أن أي شخص معرّض لظروف قاهرة من طبيعة شخصية قد تجبره على الغياب دون عذر لمرة واحدة في كل دورة عادية أو استثنائية، فإن الإحصائية تكشف أن أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء مجلس النواب المنحل قد تغيبوا دون عذر على الأقل ما بين 5 مرات و33 مرة، وأن حوالي الثلث، وتحديداً ما نسبته 31 في المئة من أعضاء المجلس، قد تغيبوا دون عذر ما بين 11 و33 مرّة.

هذه الأرقام كبيرة بكل المقاييس، بخاصة أن «الغيابات بعذر»، وعددها كبير، مسموحة، وهي تراوح بين مرة واحدة و36 مرة للنائب الواحد. فمقابل 1035 غياباً دون عذر سجّلها 108 نواب خلال نصف عمر المجلس، هناك 603 غيابات بعذر سجّلها 109 نواب، أي أن جميع أعضاء المجلس سجّلوا غيابات بعذر، ما عدا نائب واحد هو نواف المعلا.

عدم وجود رادع لهذه الغيابات، يشجع نواباً على التمادي في الغياب، كما يرى الزعبي الذي يرى أن «واجب رئاسة المجلس أن تشتق عقوبات مناسبة، هذا إذا وضعنا جانباً المسألة الأخلاقية بصلتها مع الدور المناط بنواب الأمة». في هذا السياق، يُلاحظ أن مجموع الغيابات دون عذر خلال الدورة الأولى من عمر المجلس، والتي بلغت 447 غياباً، قد زادت بنسبة 32 في المئة خلال الدورة الثانية، فارتفعت بذلك إلى 588 غياباً.

الآثار السلبية للغيابات دون عذر تتجلى في أسوأ صورها حينما تصل حداً يسبب فقدان جلسات للنصاب القانوني. ففي المتوسط، هناك جلسة في كل دورة عادية أو استثنائية لا تُعقد بسبب عدم توافر النصاب.

جلسة مجلس النواب لا تُعَدّ قانونية «إلا إذا حضرها ثلثا أعضاء المجلس، وتستمر الجلسة قانونية ما دامت أغلبية أعضاء المجلس المطلقة (النصف + 1) حاضرة فيها»، بحسب اشتراط الدستور في المادة 84.

أرقام الغيابات دون عذر لا تعكس كل الحقيقة، فهنالك جزء من النواب الذين يحضرون الجلسات ويشكلّون نصابها القانوني، يتسربون منها؛ قليل منهم يستأذن من الرئاسة، وكثيرون لا يستأذنون، ويبلغ التسرب أحياناً درجة يُفقد الجلسة نصابها القانوني، فيضطر الرئيس بعد أن يكون قد ناشد النواب الانتباه إلى احتمال فقدان النصاب، إلى إنهاء الجلسة قبل أوانها. وفي آخر جلسة فقدت نصابها في الدورة الاستثنائية الأخيرة صيف العام الجاري، وجّه المجالي كلامه للمغادرين بقوله: «مهمة المجلس أن يداوم ويمشّي القوانين».

نشر اللوحة الكاملة للغيابات النيابية، يؤشر إلى أن عين الصحافة تراقب ظاهرة الغيابات المقلقة. وقد يُسهم هذا في دفع بعض المتغيبين إلى إعادة النظر بسلوكهم، كما أنه من الضروري إنهاء التوافق النيابي على عدم الإعلان عن أسماء الغائبين دون عذر في كل جلسة (سابقة)، خلافاً لما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب، لأن مفعول تسليط الضوء على الغياب أولاً بأول أوسع تأثيراً وأكثر جدوى.

النظام الداخلي لمجلس النواب ينص بوضوح على عدم جواز تغيب العضو عن إحدى جلسات المجلس أو لجانه، إلا إذا أخطر الرئيس بذلك مع بيان العذر (المادة 149). النظام الداخلي يَعُدّ عضوَ اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات دون عذر، مستقيلاً حكماً (المادة 63)، لكنه لا يضع عقوبة على الغياب عن الجلسات العامة تحت القبة.

يرى الحقوقي والناشط السياسي جمال الرفاعي أن «القاعدة القانونية تفترض أنه لا يجوز معالجة الفرع دون معالجة الأصل، والأصل هنا هو وظيفة النائب الأساسية بحضور الجلسات العامة للمجلس والمشاركة في اتخاذ القرارات التشريعية والرقابية».

وبالنظر إلى أن المواد الدستورية الناظمة لعمل مجلس النواب، تشتمل على المادة 90 التي تحدد شروط فصل النائب من عضوية المجلس بأغلبية الثلثَين، دون أن تتطرق للأسباب الموجبة للفصل، يدعو الرفاعي مجلس النواب إلى تعديل نظامه الداخلي لينص مثلاً على أنه «إذا تغيّب أي عضو من أعضاء المجلس عن حضور الجلسات العامة دون عذر أكثر من كذا مرة، يُعرض أمره على المجلس لاتخاذ قرار بفصله».

سواء تبنى المجلس هذا الخيار أم لا، فإنه معني بمراقبة نفسه بما يخص التزام أعضائه بحضور الجلسات العامة، بنشر أسماء الغائبين دون عذر بعد كل جلسة، أو بـ«المعاقبة» على غياباتهم المتكررة، وذلك إلى أن تصبح هناك كتل حزبية، وانتخابات على أساس حزبي، عندها يكون لكل حادث حديث، بحسب الرفاعي الذي يعزو هذا الخلل إلى الحالة الفردية التي تسود في المجلس، وغياب تكتلات حزبية ملتزمة.

المجالي والذنيبات ليسا من بينهم - نواب الأمة: 1053 حالة غياب دون عذر
 
01-Dec-2009
 
العدد 6