العدد 6 - مساحة حرّة | ||||||||||||||
الرؤية التي دفعت نحو القانون الجديد للجامعات، تحمل الكثير من المضامين الإصلاحية، ومن بينها إعادة صياغة التعريف القانوني لمكانة مجلس الأمناء، ودوره، وصلاحياته في الجامعة، بهدف ضمان أكبر قدر ممكن من الاستقلالية. لكن، كالعادة، تم تفريغ هذه الرؤية من مضمونها الإصلاحي في تشكيلة هذه المجالس، التي فتحت الباب للمزيد من التأزم في أوضاع الجامعات، بميلها نحو استمرار الواقع الراهن من جهة، بينما كشفت من جهة أخرى عن المدى الذي ذهبت إليه سياسات الاسترضاء والتوازنات الهشة، حينما كان مفاجئاً أن أصوات منتقدي تشكيلة المجالس من أسس مناطقية وعشائرية وجهوية، أعلى من أصوات أولئك الذين يدافعون عن الجامعات بوصفها آخر مؤسسات التحديث التي يمكن إنقاذها بالكفاءة أولاً وقبل أي شيء آخر. حالة مجالس أمناء الجامعات تقدم النموذج الأكثر وضوحاً لأزمة الإصلاح المؤسسي، فرغم وضوح الرؤية حول مصادر إعاقة الإصلاح ومواطن الضعف والوصفة والعلاج، إلا أنه في كل مرة يتم إحباط الجهود الإصلاحية وتفريغها من مضمونها، وتعود هذه المؤسسات إلى الدوران في الحلقات المفرغة وإنتاج المزيد من الفساد والكسل والعنف. الملفت للانتباه أن عملية إعاقة إصلاح الجامعات تتواصل بقوة، بالتوازي مع ازدياد حدة النقد المجتمعي لأداء هذه المؤسسات ومخرجاتها وسلوك الحكومات حيالها، ذلك الذي أصبح مادة للاجتهاد والنقاش لكل من هبّ ودبّ، فيما زادت بشكل جريء ومكثف سهامُ نقد رموز النخبة الوطنية المعروفة باستقلاليتها ومصداقيتها، لأحوال الجامعات، ووصفها بأنها تحتضر أو في غرفة الإنعاش، وصولاً إلى اتفاق الجميع بأن حال الجامعات لا تسر صديقاً. المفارقة في تشكيلة مجالس الأمناء، ارتبطت بأكثر من مؤشر، جميعها تجسد القناعة بوجود محاولة حثيثة لاختطاف فكرة إصلاح التعليم العالي، أو على الأقل إبطاء حركة الاندفاع نحوها، وهي الفكرة التي أطلقها الملك عبد الله الثاني في لقائه مع رؤساء الجامعات في آب/أغسطس 2008 في الجامعة الأردنية. أهم هذه المؤشرات، الإصرار على الدفع برؤساء الحكومات السابقين لرئاسة هذه المجالس. مكانة هؤلاء في الإنجاز العام، وخبرتهم في إدارة شؤون الدولة، أمرٌ متَّفقٌ عليه، لكنّ معظمهم لا يملك الخبرة والمهنية في شؤون الجامعات. فيما يذهب المبرر الذي يسوّق لهذا الاختيار نحو قدرة هؤلاء الذوات على إخراج هذه المؤسسات من أزمتها المالية، وهو الأمر الذي ينظر إليه العارفون بشؤون الجامعات بالشكّ، فهذا الهدف كان أولوية أساسية في المجالس السابقة التي كان يتربع على هرمها ذوات من الوزن نفسه، ولم يحدث أي اختراق في الأوضاع المالية للجامعات. المؤشر الثاني، أن تشكيلة هذه المجالس لا تمثل تعددية حقيقية يتطلبها أيُّ مشروع إصلاحي، فمعظم النخب المحترمة التي تكونت منها المجالس تنتمي إلى مدارس فكرية واتجاهات متشابهة، وليس في وسط هذه النخب اتجاهٌ عريض أو حضورٌ واضح لمن يحملون أفكاراً إصلاحية على قدرٍ من الجرأة والإرادة، في التعليم العالي. أما المؤشر الثالث، فهو أن هذه المجالس لا يتوافر لها التوازن المطلوب للدخول في مسار إصلاح حقيقي، والمقصود توازن الكفاءة والتمثيل وليس التوازنات الجهوية والمحاصصة، إذ حُرمت المجالس الجديدة من وجودٍ فاعل للأكاديميات النساء، ولا توجد أيُّ امرأة على رأس أيّ مجلس أمناء من مجالس الجامعات الحكومية، فيما ليس هناك سوى امرأتين فقط من الأكاديميات؛ أي ما نسبته أقل من 1 في المئة، من أصل 12 في المئة، هي نسبة النساء الأكاديميات في الجامعات الحكومية. وينسحب عدم التوازن على ضعف تمثيل الكفاءات في الجامعات الأردنية، وعلى الخلفيات والتخصصات الأكاديمية، وفيما يطلب القانون وجود ثلاثة أعضاء في كل مجلس من أساتذة الجامعات، حظيت جامعة واحدة بنصيب الأسد من هذه الحصة، وهناك جامعات غابت عن هذه التشكيلة تماماً. في فترات ماضية، كان يجري اتهام المؤسسات الأخرى بالدولة، وبالفم المملوء، بتدخلها في شؤون الجامعات وفرض أجندات وأولويات قد تتناقض مع حاجات المؤسسات الأكاديمية ومسارها، لكن ما يحدث منذ سنوات يدفع لمراجعة هذه المقولة؛ فالتدخل غير المنظَّم في شؤون الجامعات يجعل القوى غير المرئية هي القوى الأولى المؤثرة في سياسات الجامعات وقراراتها؛ حيث أصبحت تلك القوى أقوى من مجالس الأقسام والكليات والعمداء والأمناء المفترض أنها مجالس تمنحها القوانين والأنظمة مسؤولية حماية المؤسسية وصيانة أهدافها، علاوة على حماية الحريات الأكاديمية ومنع الفساد، ثم منح الجامعات مكانتها ودورها الحقيقي في التحديث وقيادة الإصلاح الوطني، وهذه المهمة هي التي جعلت الكثيرين يرفعون سقف التطلعات نحو مجالس الأمناء الجديدة. أزمة الجامعات الأردنية، تحتاج مراجعة هادئة مكفولة بإرادة سياسية، تبدأ بإرساء منظومة واضحة من الحاكمية والرشد الإداري والكفاءة التي من خلالها يمكن حل كل العقد الأخرى من التمويل مروراً بالجودة والمواءمة، وصولاًَ إلى نوعية الخريجين، والبحث العلمي، كي تلتفت الجامعات إلى مهام أخرى لا تقل أهمية، تتمثل في تشكيل وعي الناس وإنضاج قيم الدولة، فالكثير من الأسئلة الأردنية تكمن إجابتها داخل أسوار الجامعات. |
|
|||||||||||||