العدد 5 - رياضي
 

يحتج رياضيون على نظام الاحتراف الذي أقرّه الاتحاد الأردني لكرة القدم مؤخراً، مؤكدين أنه «هبط على الأندية بـالباراشوت، من دون أن تستشر به»، ومن دون النظر إلى إمكانياتها المالية لمعرفة ما إذا كانت قادرة على تطبيق النظام أم لا.

إداريو فرق أردنية يؤكدون أن الأندية غير مستعدة لتطبيق النظام بالنظر إلى واقعها، متهمين إياه بالتسبب بتراجع مستوى كرة القدم الأردنية على صعيد المنتخب والأندية والجمهور، وبأنه «جعل صناديق الأندية تعيش أزمة مالية خانقة».

ورغم اعترافهم بأن اللاعبين استفادوا من النظام «في ناحيته المالية فقط»، فهم يصرون على أن «مستواهم الفني تراجع كثيراً».

رئيس نادي الجزيرة سمير منصور الذي عاصر الكرة الأردنية منذ العام 1973، أكد أن الكرة الأردنية لم تشهد تراجعاً في تاريخها مثل الذي تعيشه خلال الفترة الحالية.

يتمنى منصور أن «تعود الحياة إلى الدوري من جديد، بعد أن دخل إلى غرفة الإنعاش».

أسباب تراجع المستوى الفني للمنتخب الوطني حالياً يعزوه منصور إلى «المستوى المتواضع لفرق الأندية، ولأننا قمنا بتطبيق الاحتراف بشكل غير صحيح، ولأن القاعدة الرياضية تقول: الأندية القوية تفرخ منتخباً قوياً».

«الاحتراف دخل بيوت الأندية من دون استئذان»، في رأيه، ويضرب مثلاً بناديه الجزيرة «تضررنا كثيراً من تطبيق الاحتراف بهذا الشكل، ليس نحن فقط بل جميع الأندية الأردنية التي تعاني صناديقها من أزمة مالية خانقة».

المشكلة يرى أنها تكمن في أن الأندية طبقت الاحتراف حتى تقوم بتوقيع عقود مع لاعبيها، وإلا فإن الفرصة مفتوحه أمام اللاعبين للذهاب إلى أندية أخرى.

«اللاعب كان ينال مكافأة مالية بسيطة بالمئات، والآن أصبح يتقاضى آلاف عدة»، إضافة إلى مقدم عقد يبلغ عشرات الآلاف من الدنانير في الغالب.

إذا كان على النادي أن يوقع عقوداً مع حوالي خمسة وعشرين لاعباً، فإن النادي يحتاج إلى مئات الآلاف، بحسب منصور، الذي يؤكد أن الأندية الأردنية لا تمتلك مثل هذه المبالغ «ما اضطرها إلى الاستدانة من البنوك، أو رهن بعض العقارات لتسديد مقدم عقود اللاعبين».

مراقبون يلفتون إلى أن تطبيق الاحتراف لم يهبط بالمستوى الفني للفرق والمنتخب فحسب، بل أدى كذلك إلى تراجع الحضور الجماهيري في الملاعب بشكل ملحوظ، ما جعل المباريات في الدوري الممتاز للمحترفين/ المناصير تدور في معظمها من دون الجمهور الذي تعودت على حضوره.

المراقبون يؤشرون على الخلل بتراجع المستوى الفني للكرة الأردنية من خلال المنتخب الوطني الذي يحتل حالياً مركزاً متأخراً بمجموعته في تصفيات أمم آسيا، إضافة إلى خسائره المتلاحقة في المباريات الودية الاستعدادية التي كان آخرها خسارته أمام نظيره الكويتي 1/2، أتبعها بخسارة ثانية أمام منتخب الإمارات 1/3 الشهر الماضي، وليكون موقف المنتخب الوطني حرجاً في اللقاءَين أمام المنتخب الإيراني في تصفيات أمم آسيا اللذين سيقامان هذا الشهر.

إلى ذلك، لم تحتل الأندية الأردنية أي مركز متقدم في البطولات العربية والآسيوية الموسم الماضي، خلافاً للأعوام السابقة، فضلاً عن أن تصنيف المنتخب على قائمة الاتحاد الدولي تراجع بحوالي تسعين مركزاً.

لكن الأمين العام للاتحاد الأردني لكرة القدم خليل السالم، يرى أن على الأندية تطوير نفسها. ويقول إن وجهة نظر الاتحاد هي أن الاحتراف ضروري لتطوير الكرة الأردنية، وهدفاً مرحلياً للوصول بها إلى العالمية.

السالم يؤكد أن الاتحاد يقوم حالياً بتقديم دعم لكل نادٍ من أندية الدوري الممتاز بمبلغ 80 ألف دينار سنوياً للمساهمة بجزء من تكاليف الاحتراف، إلأ أنه يؤكد أن من واجب الأندية تطوير مدخولاتها، وتسويق فرقها مثل ما تفعل الأندية العالمية، لافتاً إلى أن «بعض الأندية الأردنية تمكنت من استقطاب دعم مناسب لصناديقها».

تطبيق الاحتراف، بحسب السالم، ما زال في بداياته في الأردن، كاشفاً عن أن الاتحاد توقع أن تكون هناك صعوبات، «لكننا وبمزيد من التعاون بين أسرة الاتحاد والأندية سنقوم بتذليل هذه الصعوبات، ونحن متأكدين أن التجربة ستنجح في النهاية».

السالم المتحمس، والذي تسلم مهام الأمانة العامة في اتحاد كرة القدم منذ مدة قريبة، يكشف أن «الاتحاد يجري اتصالات مع الدول العربية والصديقة للاستفادة من خبراتها وتجربتها في مجال الاحتراف».

زيارته ضمن الوفد الأردني إلى مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم في سويسرا مؤخراً، يراها مفيدة جداً، فالوفد الأردني اجتماعات عدة مع مكتب التطوير في الاتحاد الدولي فيفا، وتوصل إلى حضور وفد من هناك إلى الأردن للعمل على مأسسة نظام الاحتراف في اتحاد اللعبة، و«الاستفادة من جهود الخبراء الدوليين لإنجاح هذه التجربة التي هي السبيل الوحيد لمجاراة تطور مستوى كرة القدم في العالم».

كما أكد السالم على أن الاتحاد سيفتح المزيد من قنوات الحوار بينه وبين الأندية الأردنية للعمل معاً كفريق واحد لتطوير اللعبة في البلد، وشدّد السالم على أن الاتحاد سيستمع لوجهة نظر الأندية حول كافة المواضيع، وسيعمل معها كفريق واحد للنهوض بمستوى كرة القدم الأردنية .

النائب السابق لرئيس اتحاد كرة القدم عبد اللطيف التلي، يؤكد أن «تطبيق الاحتراف هو مجاراة للتطور الرياضي في العالم»، مبيناً أن الأمر يعد استثماراً تجارياً على أرض الواقع، كما هو حاصل في الأندية الكبيرة في العالم».

لكنه لا يخفي أن «الاحتراف في الأردن لم يطبق بشكله الصحيح»، ويقول: «يجب أن نخضعه للدراسة بشكل أفضل، وأن نستعد لتطبيقه برؤية أشمل»، مؤكداً أن «الاحتراف في حاجة إلى منظومة كاملة محترفة تضم اللاعبين والمدربين والإداريين والبنية التحتية والتسويق والإعلام»، وهو ما لا يتوافر في الأردن بشكل متكامل حتى اليوم.

«المحترف هو موظف يتقاضى راتباً لقاء عمله»، لافتاً إلى أن تلك الرواتب تختلف من بلد إلى آخر، إذ تصل إلى الملايين في بعض بلدان العالم، إلا أنها لا تقاس بما هو موجود في الأردن.

الأمر، بحسب التلي، عائد إلى أمور عديدة، في مقدمتها الدعم المادي، فهو يرى أنه «إذا أردنا للاحتراف المزيد من النجاح، فيجب تقديم الدعم الحكومي له في البداية حتى تقف الأندية على قدميها لتستطيع بعد ذلك الاعتماد على نفسها بدعم من المؤسسات والشركات المختلفة وليصبح النادي مشروعاً تجارياً».

اللاعب السابق في المنتخب الوطني وفي نادي الجزيرة بدر إسماعيل، يؤكد «أنا أؤيد الاحتراف على طول الخط، ولكن ضمن أطر علمية صحيحة ومدروسة».

بدر الذي احترف لاعباً في الأندية القطرية قبل اعتزاله وعمله مدرباً، يقول إن تجربة الاحتراف تم تطبيقها في قطر «ولكن مقومات نجاحها موجودة: يوجد لكل نادٍ ستاد خاص به ومقار متكاملة، ودعم لامحدود من الدولة»، وهو ما يرى أنه نجح هناك، فالأندية القطرية تستقطب لاعبين عالميين من دول متقدمة كرويا، مثل البرازيل والأرجنتين للعب في صفوفها، إضافة إلى وضوح تقدم المنتخب والأندية القطرية بخطوات واسعة على الصعد العربية والآسيوية وحتى العالمية».

بدر يركز على التسويق والدعم الإعلامي الموجود في قطر، ويؤكد أن هناك قناة خاصة تبث مباريات الدوري القطري والعديد من الأحداث الرياضية تحمل اسم قناة الدوري والكأس التي فازت بجائزة أفضل قناة رياضية العام الماضي، إضافة إلى دعم واسع من القطاعات الأهلية.

«كل الاتحادات التي تحب أن تتطور في العالم يجب أن تطبق الاحتراف»، لكن بدر يشدد على أن تطبيقه بشكل صحيح هو مفتاح النجاح لجميع التجارب.

رئيس نادي الجزيرة يقرّ أن «الاحتراف هو السبيل لتطوير مستوى الكرة في الأردن»، لكنه يشدّد على أن «الوقت لم يحن بعد لتطبيقه»، فهو يرى أنه «جاء في فترة الكساد العالمي حيث المؤسسات والشركات نفسها في حاجة للدعم لتستمر مسيرتها، فكيف تدعم الأندية!».

منصور لا يسعه في الوقت الراهن إلا الترحم على رياضة كرة القدم، ويستذكر الوقت الذي كانت فيه هواية، مؤكد أن «الانتماء الآن غير موجود، وبدل أن يكون انتماء اللاعب للنادي، أصبح ينتمي للمادة ولمن يدفع أكثر».

رأيان متعارضان؛ الاتحاد يقرّ أن الاحتراف هو السبيل الوحيد لتطوير رياضة كرة القدم في الأردن، والأندية تعترف بهذا السبيل، لكنها تطلب مهلة من الوقت، من أجل أن تعيد ترتيب أوراقها.

نظام الاحتراف: هبوط بـ«الباراشوت» على أندية مفلسة
 
01-Nov-2009
 
العدد 5