العدد 5 - نبض البلد
 

رائع ومرعب. تلك عبارة بسيطة يمكن أن تختصر غروباً للشمس خلف جبال تتلون بين الأحمر والأبيض.

هو ببساطة مشهد أسطوري، ترقب فيه اختفاء قرص الشمس، لتودع قيظها اللاذع، غير أن ذلك يعني، في ما يعنيه، أن الزائر أصبح الآن على مرمى الهجمات من وحوش ضارية تجوب ليل المنطقة، ومن حشرات وقوارض تصادق العتمة. نهاية رحلة مجموعة من محبي المسير في أودية الأردن تمت في وادي الحسا، مجموعة أزعجت تناغم الطبيعة ومعزوفتها اليومية. صخور بيضاء ملساء كرخام بيوت عمان الفارهة كانت ضد أعضاء المجموعة.

رؤية صور وادي الحسا قبيل الرحلة، تشدّ الشوق إليه، في الصور سيل من الماء العذب تحوطه شجيرات القصب، يحنّ عليها فتطول وتترك ظلاً دافئاً فوق الماء، فيما سماء لا تشوبها حتى الغيوم تغلف الأفق جاعلة المشهد أكثر تشويقاً.

في البداية، قال قائدا مجموعة بروهايكرز: نهاد الحصري، وأمجد محفوظ، إن المشي في هذا الوادي يجب أن يكون بطريقة «الـبدي»، وهي هنا Body أي جسم وليست Buddy أي صديق.. يعني أن اثنين يجب أن يتحدا في جسم واحد ليتمكنا من مجابهة سيل الماء الجارف أو صخور الوادي الملساء التي ما فتئت تزداد رخامة وصعوبة.. وجمالاً.

الماء ليس ضد العابرين.. مشينا ونحن نشعر أننا محظوظون كون الصخور لم، وربما لن، تتساقط علينا، وأي زخات ولو بسيطة من المطر تعني خطراً عظيماً.. لكن الحظ لم يكن وحده الذي يحمينا، بل إن جبال «قصيرة» تلقفت هذه الصخور وأمسكتها من الجانبين، والله وحده يعلم متى تتغلب الأمطار على هذه الجبال فتسقط الصخور على الأرض.

الحدائق المُعلّقة معلم أساسي للوادي الذي كان حنوناً حتى على شجيرات أبت النزول إلى الأرض والانخراط في حرب البقاء الدائرة عليها.

يستذكر محفوظ أنه في كل مرة يسير فيها في هذا الوادي يراه مختلفاً، الطبيعة هنا شرسة تتغلف بثوب من الجمال الأخاذ، وكلما هطل الغيث أصبحت المياه أكثر بأساً لتثبت أنها ستبقى الحلقة الأقوى ضمن صراع الطبيعة العذراء التي لا تدنسها سوى «طفيليات بشرية» لن تفلح في ترويض الوادي، وهي تدرك أن جلّ همها هو خروجها منه بسلام».

سيول وادي الحسا حنونة في نهاياتها، لعلها أعطت سكان الطفيلة وغور الصافي والكرك طيبتهم وبأسهم. هي ساخنة في أمكنة وباردة في أخرى.

ولعل بأس الوادي وصعوبته هما ما جعلاه معلماً يفصل حضارتين متعاديتين؛ مملكة مؤاب من جهة وأدوم من جهة أخرى.

المؤابيون والأدوميون سبقوا الأنباط والرومان إلى هذه المنطقة، لذا كان التفكير في قدم الوادي عقيماً على مكتشفين أردنيين وأجانب ويهود، ولم يزدهم المشي في الوادي سوى إحباطاً، وبقي غصياً على الاستكشاف الحقيقي، ويخبىء أسرار الحضارتين، خصوصاً الأدومية التي ظلت عصية على سبر أغوارها.

رحلة الشتاء والصيف إلى الوادي ليست ممكنة، فالوقت الأنسب لزيارته إما الخريف أو الربيع، وكلاهما أجمل من الآخر.

جيئة وعودة استغرقت الرحلة أكثر من 14 ساعة، مشينا إليها بشوق وغادرناها بخوف.

وادي الحسا: مغامرة الماء والصخور المعلَّقة
 
01-Nov-2009
 
العدد 5