العدد 5 - نبض البلد
 

اصَلَ المشاهدون مع عرض «عائد إلى حيفا» المُعَدّ عن نص رواية غسان كنفاني التي تحمل الاسم نفسه.

العرض الذي أخرجه يحيى البشتاوي، أدى دور البطولة فيه غنام غنام مُظهراً قدرةً معرفية وأداءً متميزاً في التحكم بتقنيات الجسد والصوت للتعبير عن حالات إنسانية شديدة التناقض والاختلاف لا يجمعها سوى أن ممثلاً واحداً يتقمص أدوارها جميعاً بالتناوب وبالتداخل في ما بينها أيضاً.

عُرضت المسرحية ضمن مهرجان «عشيات طقوس المسرحية» في دورته الثانية التي حملت شعار «مؤاب غزة»، بتنظيم من فرقة طقوس الأردنية، خلال الفترة 17 – 21 تشرين الأول/أكتوبر 2009.

وقد بدا أن العرض لم يحْتَج وسيلة مساعدة تضاف إلى جسد الممثل الذي شكّل المفردةَ الرئيسة والوحيدة على أرضية خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي، تلك التي خَلَتْ من الناحية البصرية من مفردات السينوغرافيا التي أعدها فراس الريموني، فالديكور انحصر في أسلاك شائكة طوّقت المسرح، وما يشبه سلّماً متعدد الاستخدامات، أما الإكسسوارات فحَطّةٌ للرأس وطاقية ونظارة شمسية ارتداها الممثل للإحالة إلى الشخصيات التي تقمصها، ما يُدرج المسرحية ضمن مفهوم «المسرح الفقير».

بُني العرض وفق لوحات تعبيرية تُدين الواقع المرير الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، جراء الممارسات الصهيونية، والصراعات الداخلية بين «الأشقّاء»، وفقدان الأمل بالخلاص الحقيقي.

جاء ذلك عبر قصة «سعيد» الذي انضم ابنه الأصغر، للمقاومة، فاعتقلت الشرطة الفلسطينية هذا الابن بحجة حمايته من الإسرائيليين، لكنه ما لبث أن مات بالسكتة القلبية بعد سماعه باقتتال الفلسطينيين. تلك الحادثة حفزت الأب للعودة بحثاً عن ابنه الأكبر، خلدون، الذي تركه في حيفا بعد أن أُجبر هو وزوجته على الرحيل منها العام 1948. وعندما عاد مع زوجته إلى حيفا العام 1967 وجدا أن خلدون أصبح اسمه «ديفيد»، واكتشفا أنه انضم للجيش الاحتياطي الإسرائيلي، وبدوره، أنكر ابنُهما أيَّ صلة له بهما.

ركّزت الرؤية المسرحية على حركة الجسد للتعبير عن الصراعات العاطفية والإنسانية والوجودية، التي تُراوح بين الوجداني البسيط والأيديولوجي المركّب، خالصةً إلى أن خيار المقاومة هو الحل.

هذه الرؤية عزّزتها مؤثرات الصوتية صممها مراد دمرجيان، قوامُها تنغيمات الآهات وأغانٍ من الموروث الشعبي تستحضر المأساة والأحداث الدامية التي عُرضت وفق تقنية تَناسُل الحكاية عبر الاستذكارات والاسترجاعات الزمنية، فبدت البطولةُ الفردية لغنام في حقيقتها بطولةً إنسانية مأساوية.

ظَهرَ الأداء مقنعاً وبعيداً عن التقليدية والرتابة، إذ تنقل الممثل بمهارة بين حالة الانفعال والغضب والتوتر، وحالة الهدوء والصمت الحزين، وحالة الاسترسال. كما حاول غنام الخروج على نص المسرحية مخاطباً الجمهور، كأنه يقول لهم إنهم شركاء في العرض، وإنه هو أيضاً خارج العرض وواحد من جمهوره.

نالت المسرحية إعجابَ الجمهور، وأثارت الشجن، بخاصة وأن رواية كنفاني التي استُوحي منها نَصّ العرض، كُتبت قبل أربعة عقود، واصفةً أحوال الفلسطينيين آنذاك، وهي الأحوال نفسها التي ما زالوا يعيشونها بمقدار أكبر من الألم.

«عائد إلى حيفا»: مونودراما تستحضر المأساة
 
01-Nov-2009
 
العدد 5