العدد 5 - نبض البلد
 

وسط جمهور كبير ملأ ردهات المسرح وامتدّ إلى خارجه، أطل عازف الجاز الأميركي الشهير ستانلي جوردان، حاملاً غيتاره الذي أراد له أن يكون أكثر من آلة عزف: معشوقة يهمس لها ويداعبها وتتوحد روحه بها.

الحفل نظمه القسم الثقافي في السفارة الأميركية بعمّان، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2009، بمناسبة مضي ستين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والولايات المتحدة الأميركية، وقدم جوردان فيه حواراً مع الغيتار عبر أداءٍ جسدي أكثر منه موسيقياً؛ يدان تداعبان أوتار الغيتار، وجه تتقلص ملامحه بانفعال، حركة رأس متسارعة، قدمان تضربان الأرض بخفة، وأنفاس تلاحق هبوط الموسيقى أو خفوتها.

بعد تصفيق حار وهتافات مرحّبة، قدم جوردان مقطوعات من ألبومه «عَظَمَة الطبيعة» State of Nature، معتمداً، إلى جانب النقر على الأوتار بيديه حيناً وبوجهه ورأسه حيناً آخر، على تقنيات موسيقية مبتكرة، مثل العزف على الغيتار والبيانو في الوقت نفسه، أو العزف على غيتارَين معاً، إضافة إلى دمج أصوات من الطبيعة كان سجّلها سابقاً.

المقطوعات المركّبة كشفت عن رغبة أصيلة لدى الفنان، لتطوير موسيقى الجاز التي ارتبطت منذ ظهورها في منتصف القرن التاسع عشر بالأميركيين الأفارقة، وذلك بعد إلغاء نظام الرق، إذ بدأت الموسيقى الأوروبية تختلط بشكل تدريجي بالإيقاعات والألحان التي احتفظ بها الزنوج وتوارثوها جيلاً بعد آخر، عبر ترديدها أثناء العمل في حقول القطن أو في ليالي سمرهم. وامتزجت الألحان الإفريقية بتلك التي تعلّموها في الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانية، معبّرةً عن عذاباتهم بسبب عبودية كثيراً ما عانوا منها.

لفترة طويلة، ظلت موسيقى الجاز حكراً على الموسيقيين السود الذين طوّروا إرثهم الموسيقي وأضافوا إليه وجددوا فيه، من مثل: تومي دورساي وشقيقه ويني جودمان، ولويس آرمسترونج وديزي جليسبي. بدوره، أدخلَ جوردان عبر أدائه الموسيقي المذهل، واستخدامه جميعَ حواسه أثناء العزف، صوتاً جديداً لموسيقى الجاز، كما جدّد في عدد من المقطوعات الكلاسيكية مضيفاً بصمته الخاصة، من مثل كونشيرتو البيانو 21 لموزارت.

بمصاحبة الموسيقي الأردني عمر الفقير على البيانو، قدم جوردان مقطوعة من البلوز تَناغَمَ الثنائي في أدائها، وواصلا عزف مقطوعة «وين عَ رام الله»، ليختتما الحفل بمقطوعة «سلّم النعيم» stairway to heaven التي تفاعل معها جمهور مسرح مركز الحسين الثقافي، ووقف طويلاً محيّياً عظمة الإبداع وتفرُّد الفنان.

وكان ألبوم جوردان الأول «لمسة سحرية» Magic Touch رُشّح لجائزة غرامي للموسيقى العام 1985، ولفت الأنظار إلى موهبته وجدّته. وبحسب ما صرّح به جوردان لـے، فإن ألبومه الأخير «عظَمة الطبيعة»، يستكشف «رحلة المرء الداخلية ليجد الإنسانَ الجيد في نفسه، من خلال تآلفه مع ذاته ومع الطبيعة من حوله حيث منبع الحكمة والذكاء».

حضر الحفلَ جمهور من فئات عمرية مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متعددة، مع حضور كبير لأجانب، سواء من السياح، أو المقيمين في الأردن، ومن بينهم العاملون في السفارة الأميركية لكونه أميركياً.

غيتار ستانلي جوردان: لمسات الفرح بعد أنغام العذاب
 
01-Nov-2009
 
العدد 5