العدد 3 - محلي
 

رغم أن حجم الإنجاز في هذه الدورة يعدّ مقبولاً من حيث الشكل، مقارنة مع دورات استثنائية مماثلة، إلا أن هذه الدورة كشفت عن ثغرات جوهرية في عمل المجلس. فقد كشف النواب عن كونهم غير جاهزين للعمل «تحت الضغط» وفق المعيار المعاصر الذي يطلبه أرباب العمل بوصفه شرطاً من شروط التوظيف، وليس أدلّ على ذلك من التأفُّف الذي أبداه عدد كبير من النواب في الجلسة الأولى، تجاه جدول الأعمال والمناداة بتأجيل بحث بعض مشاريع القوانين المهمة مثل الضمان الاجتماعي، ما حدا برئيس المجلس عبد الهادي المجالي إلى التوضيح بأن النواب «ليسوا ملزَمين أن يستمروا في العمل حتى إنهاء كل البنود المدرجة على جدول الأعمال».

المجلس حاول استدراك الوقت في الأيام الأخيرة من الدورة، فعقدَ ست جلسات عمل في مواعيد غير مواعيد جلستَي العمل المعتادَتين أسبوعياً، صباح الأربعاء ومساء الأحد. غير أن ذلك لم يسعف المجلس في الفروغ من مناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل، قبل أن تنسّب الحكومة بفض الدورة، وهو ما وضع النواب في موقف محرج، بخاصة في ظل العودة لمناقشة مادة تعفي شركات الإسكان من ضريبة الدخل بعد أن صوّتت أغلبية نيابية لصالحها، وعدم بحث مشروع قانون الضمان الاجتماعي.

استثنائية 2009، ستبقى حاضرة في الذاكرة بوصفها نموذجاً على أداء سيئ للمجلس، حين استحضر «العصبية النيابية» وتصرّفَ بشكل كيدي، وقرّر ردّ مشروع القانون الذي يلغي ضريبة 5 في المئة على الإعلانات في وسائل الإعلام، كرد فعل على انتقاد الصحافة للمجلس في أعقاب نشر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية نتائجَ استطلاع لعينة قادة الرأي، بيّنت عدم رضا أكثرية 71 في المئة عن أدائه.

كان يمكن لهذا الموقف أن يؤدي تداعيات إضافية، لو لم تنزلق أربع صحف يومية لإعلان مقاطعة تغطية أخبار المجلس، ما أدى إلى تأزيم الأمور، ودفعَ رئيس مجلس الأعيان لبذل مساعيه الحميدة لتطويق الوضع، والتمهيد للحل الوسط الذي تبنّاه مجلس الأعيان بخفض نسبة دعم الثقافة من 5 إلى 1 في المئة.

تقديم الحكومة لمشروعَي قانونَين لتعديل قوانين أُقرت أو عُدّلت حديثاً؛ وهما قانون الجمعيات الذي أُقر العام 2008، وقانون رعاية الثقافة الذي عُدّل في العام نفسه أيضاً، أعاد إلى أذهان النواب حقيقة كبرى، هي أن البرلمان هو السلطة التشريعية، حتى وإن كانت الحكومة إلاّ في حالات نادرة هي من تتقدم بمشاريع القوانين. ما يعني أن القوانين الصادرة هي في نهاية المطاف مسؤولية السلطة التشريعية. على هذه الخلفية، تمنى ممدوح العبادي على زملائه قائلاً: «علينا أن لا نسلق القوانين، وأن تأخذ الأمور وقتها، لنخرج بقوانين غير قابلة للتعديل على الأقل خلال أربع سنوات».

وقد انتقد عددٌ من النواب في جلسة مناقشة قانون رعاية الثقافة، التبسيطَ المبالغ به في عرض «الأسباب الموجبة» المرفقة مع مشروع القانون المعدِّل الوارد من الحكومة، وأعلن بعضهم أنه يطالب برد المشروع من منطلق عدم وجاهة الأسباب الموجبة. هذه الملاحظة تكررت في غير مناسبة. ففلسفة القانون أو التعديل لا يمكن الإحاطة بها دائماً دون وضوح «الأسباب الموجبة»، ما يستدعي من النواب تذكير الحكومة دائماً بهذا الأمر، لتفصح عن المقاصد الفعلية للتشريع الذي تقدمه للمجلس.

استثنائية 2009، لفتت الانتباه أيضاً إلى أن دعوة الملك لعقد دورة استثنائية لمجلس الأمة، لا تتوقف فقط على ما تقترحه الحكومة أو تتشاور بشأنه مع رئاسة المجلس من بنود، لأن الدستور يعطي للأغلبية المطلقة من مجلس النواب في المادة 82، فقرة 2، الحق بطلب عقد دورة استثنائية بعريضة موقّعة منها تبين الأمور التي يُراد البحث فيها. النائب بسّام حدادين ذكّر رئيس مجلس النواب أن هناك مقترحات أخرى لم يتم التطرق إليها في الدورة الاستثنائية وَرَدت في عريضة نيابية موقّعة من الأغلبية المطلقة من النواب. فوجئ حدّادين وآخرون حينما أوضح المجالي أن العريضة لم تُقَدَّم لأن بعض النواب سحبوا تواقيعهم عليها.

اللجنة المالية الاقتصادية نجحت في الانتهاء من النظر في تقرير ديوان المحاسبة للسنوات 2000-2007، وتقرير الديوان لسنة 2008. وقد كشفت هذه المراجعة أن التخلُّف عن مناقشة التقارير أولاً بأول، وعدم الحزم في متابعة ما تنطوي عليه من مخالفات، يولّد حالة من «الاسترخاء» في الإدارات المعنية، بحيث لا يكلف بعضُها «نفسَه» مجرد الرد على استفسارات ديوان المحاسبة، بينما نجحت اللجنة المالية في الحصول على تسوية لما يزيد على نصف القضايا المعلّقة في غضون فترة وجيزة نسبياً.

اللجنة المالية أوصت في تقريرها حول تقارير ديوان المحاسبة للسنوات 2000-2007، بتشكيل لجان تحقُّق في عدد من المخالفات المالية الكبيرة، ما أثار نقاشاً حول جدوى هذه اللجان. ورغم أن المجلس صوّتَ لصالح تشكيل أربع لجان تحقُّق فقط، للتدقيق في جميع المخالفات إلا أن مداخلات عديدة اقترحت تحويل القضايا المعنية إلى دائرة مكافحة الفساد، أو تحويل مجمل المخالفات إلى الحكومة لتقوم بالتحقيق فيها، وإعلام المجلس بالنتائج، وقد عبّر حمزة منصور عن ذلك بقوله: «تجربتنا مع لجان التحقُّق غير مشجّعة»، وكان قد سبقه فخري إسكندر ومحمود الخرابشة وآخرون في المناداة بإحالة المخالفات للحكومة للتحقيق فيها.

أعمالُ الدورة الاستثنائية توزّعَ ثقلها بين ثلاث لجان، هي اللجنة المالية والاقتصادية التي شملت أعمالها تقارير ديوان المحاسبة منذ العام 2000، إضافة إلى مناقشة قانون ضريبة الدخل؛ واللجنة القانونية التي ناقشت أربع مشاريع قوانين معدّلة من بينها قانون المالكين والمستأجرين الذي رفض المجلس تغيير اسمه إلى قانون إيجار العقار؛ ولجنة التربية والثقافة، التي أنجزت أربعة مشاريع قوانين، اثنان منها جديدان يتعلقان بالجامعات وبالتعليم العالي والبحث العلمي.

تأتي اللجنة الإدارية في المرتبة التالية، إذ أنجزت مناقشة مشروعَي قانونَين، أحدهما جديد يتعلق بسلطة إقليم البترا، وآخر مؤقت. فيما كانت حصة لجنة الطاقة مناقشة اتفاقيتين، إحداهما اتفاقية الصخر الزيتي. وناقشت لجنة العمل والتنمية الاجتماعية مشروع القانون المعدل لقانون الجمعيات. يُشار هنا إلى أن ثلاثة مشاريع قوانين أُعيدت إلى النواب، استجاب النواب إلى مقترح الأعيان في اثنين منها، وتمسكوا في الثالث.

وبحسب التقرير الصادر عن مجلس النواب حول إنجازات الدورة الاستثنائية، وجّه النواب خلال الدورة 49 سؤالاً للحكومة أجابت عن 28 منها، وقّدم نائبان استجوابَين؛ الأول قدمته النائبة ريم قاسم لوزيرة التنمية الاجتماعية حول حزمة الأمان الاجتماعي، والثاني قدّمه صلاح الزعبي طلب فيه أسماء الحكام الإداريين وتاريخ تعيينهم وأماكن عملهم. وقدّم النواب 15 مذكرة، أجابت الحكومة عن واحدة منها فقط. كما قدّم نواب اقتراحَين بقانون؛ الأول لإصدار قانون بإلغاء معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، والثاني لوضع قانون يؤكد عروبة المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة العام 1948. فيما أصدر المجلس أربعة بيانات خلال الدورة.

استحضار «العصبية النيابية» في مواجهة الصحافة
 
01-Sep-2009
 
العدد 3