العدد 5 - احتباس حراري
 

كتب محرر The Awesome Column جويل ستاين، في مجلة «تايم» مقالةً ساخرةً مؤخراً، دعا فيها إلى «التقليل» من الديمقراطية في الولايات المتحدة. من الأمثلة التي طرحها ستاين على ضرورة إغفال الشعوب في العملية الديمقراطية مقارنة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الصيني هيو جينتاو، ففيما تمكّن الثاني من إعلان تعهد دولته الشيوعية مشاركتها في مؤتمر قمة كوبنهاغن حول التغيرات المناخية المقرر أن يعقد في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بل وتقليل انبعاثات الصين الكربونية، لم يتمكن أوباما حتى من إعلان المشاركة.

منظمة غرينبيس إنترناشونال، وهي منظمة غير حكومية لحماية البيئة عدد أعضائها يتجاوز 3 ملايين عضو، سخرت من أوباما، وتحدته أن يغادر أوسلو، حيث يتسلّم جائزة نوبل للسلام، إلى المؤتمر، والحدثان، بمحض الصدفة، يُعقدان في اليوم نفسه.

العالم يتطلع إلى المؤتمر، بخاصة بعد فشل الجولة الأخيرة من محادثات الأمم المتحدة حول المناخ في العاصمة التايلندية بانكوك، وانتهائها مخلفة انقسامات عميقة بين الدول المتقدمة والدول النامية.

يشارك أكثر من 190 بلداً في المؤتمر الذي سيعقد في العاصمة الدنماركية لمحاولة التوصل إلى اتفاقية جديدة لمواجهة مشاكل التغيرات المناخية بديلة لمعاهدة كيوتو، التي ينتهي العمل بها في العام 2012. الولايات المتحدة كانت رفضت كيوتو وتذرعت بأن المعاهدة التاريخية أعفت بعض البلدان مثل الهند والصين من أي التزامات.

في المؤتمر سيتجلى دور الدول الأوروبية الغنية، التي تقف بقوة خلف جهود خفض الانبعاثات الحرارية، في إقناع الدول الناهضة اقتصادياً، ومنها الصين والهند بالالتزام بقواعد خفض الانبعاث الحراري والغازات الملوثة على نحو يتماشى مع معدلات التنمية فيها.

إلا أن الصين ودولاً أخرى ذات اقتصاديات ناهضة ظلت باستمرار تقاوم هذا الطرح، وتقول إن على الدول الصناعية الكبرى تحمل الجزء الأكبر من تلك المسؤوليات.

المحادثات التي جرت في العاصمة التايلندية بانكوك منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2009 بين دول عدّة من أبرزها الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، فشلت في إقناع هذه الدول الكبرى بالاتفاق على أن يضع كل بلد منها على حدة مجموعة التزامات لمواجهة التغيرات المناخية.

مسؤول الأمم المتحدة المكلف بشؤون المناخ إيفو دي بور، قال في تصريحات صحفية عقب مؤتمر بانكوك إنه يأمل أن يؤدي منح جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى دفع الوفد الأميركي الذي سيشارك في قمة كوبنهاغن إلى المساهمة في إنجاح المفاوضات المقبلة.

رئيس الوفد الأميركي جوناثان بيرشين أكد أن الولايات المتحدة ترغب في إبرام اتفاق في كوبنهاغن، لكنه أقر أن «الوضع سيكون بالغ الصعوبة بالنسبة للولايات المتحدة لكي تلتزم بأرقام محددة في غياب تشريعات من الكونغرس الأميركي».

يؤكد على القمة تجاوز خلافات الديمقراطيين والجمهوريين بما يتعلق بالبيئة. حجة الديمقراطيين التي تؤكد على إمكانية إيجاد وظائف في اقتصاد أخضر يجب أن تتلقى الدعم الكافي في هذه القمة التاريخية.

الطريق الأردنية: مشاريع والتزام ينتظر التطبيق

وزير البيئة خالد الإيراني، أعلن منذ زمن أن الأردن سيشارك في هذه القمة. تحدي الأردن الرئيسي يكمن في ندرة المياه، لكن الإيراني يؤكد أن قمة المناخ قد تعطي دفعاً للمبادرات الأردنية التي تأمل في تمويل لمشاريعها، خصوصاً تلك المتعلقة في بيع الكربون.

كتب الوزير في معرض تعليقاته على المشاركة الأردنية يرحّب بتخصيص المدوّنين الأردنيين يوم Blog Action Day للحديث عن التغيّر المناخي على موقع الصحافة المجتمعية. 7iber.com إن هناك تحدياً كبيراً أمام التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن مرحلة ما بعد بروتوكول كيوتو لتغير المناخ، نظام يكفل تحقيق التوازن بين حقوق ومسؤوليات كل من البلدان المتقدمة والنامية في العالم.

الإيراني يرى أن على الدول النامية مسؤولية مهمة للنظر في «تخفيف الإجراءات المناسبة على الصعيد الوطني في سياق التنمية المستدامة، ودعمها وتمكينها من التكنولوجيا والتمويل وبناء القدرات، وبطريقة قابلة للقياس والإبلاغ والتحقق منها».

الإيراني يقدم تحليلاً طريفاً للأزمة العالمية، وكيف أن الركود الاقتصادي قد يشكِّل فرصة أمام التقدم البيئي، ويقول «المفارقة الإيجابية أن الركود الاقتصادي الأخير هو بمثابة إنذار لمساعدتنا على تحقيق فرص من الركود. في العام 2009 انخفضت انبعاثات الكربون في العالم بنسبة 2.6 في المئة، وهو أكبر انخفاض منذ 40 عاماً. هذه لحظة من الزمن يمكن استخدامها لتعزيز تخفيضات الانبعاثات عن طريق التحول التدريجي إلى اقتصاد أخضر. البديل هو التنمية، التغذية، والحفاظ على السوق الخضراء التي من شأنها المساعدة في الانتقال إلى نظام اقتصادي مستدام يرتكز على إدارة الموارد الملائمة وخلق وظائف جديدة لمجموعة من المتخصصين في مجال إدارة البيئة والتكنولوجيا».

الأردن، يسهم بأقل من 0.1 في المئة من انبعاثات الكربون في العالم، بحسب الوزير الذي يؤكد أنه في قلب جدول أعمال الأردن البيئية تدابير للتخفيف من استخدام الطاقة، وهو ما يعدّه تحدياً وفرصة، مبيناً أن الأردن يشهد حالياً تحولاً نموذجياً في مجال سياسة التخطيط للطاقة، خصوصاً أن هناك حاجة ماسة لتطوير الطاقة المتجددة بوصفها مساهماً رئيسياً في مزيج الطاقة.

إن لارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى تزايد الوعي بالحاجة الماسة لتطوير خيارات الطاقة الصديقة للبيئة أثراً إيجابياً على عملية صنع القرار السياسي.

الأردن وضع مؤخراً استراتيجية الطاقة الوطنية 2008-2020 من خلال لجنة وطنية أنشئت بمرسوم ملكي. هذه الاستراتيجية اقترحت حزمة قوية من الابتكارات التشريعية والإدارية والتكنولوجية الهادفة إلى توجيه دفّة البلاد إلى مزيد من الموارد المستدامة والطاقة الصديقة للبيئة.

في الاستراتيجية الجديدة ستتم زيادة موارد الطاقة المتجددة من مجرد 1 في المئة الآن إلى 10 في المئة في العام 2020. وكان الهدف السابق 3 في المئة التي وضعتها الأجندة الوطنية العام 2005.

هذا التحول سوف يتطلب استثمارات رأسمالية، ونقل التكنولوجيا وتنمية الموارد البشرية لإنتاج قاعدة صلبة لصون هذا التغيير الإيجابي وتعزيزه. وينبغي لهذا الانتقال أن يتم من خلال مجموعة من الاستثمارات تقدر بمبلغ 1.4 - 2.2 مليار دولار.

الحزمة تشمل الاستثمار ضمن قاعدة البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT وصفقات لتوليد الطاقة من الرياح بقدرة إجمالية 660 ميغاوات من الطاقة الشمسية لـ400 ميغاواط.

هذا سيتم بالتوازي مع الحد من الطاقة المنتجة من النفط من 58 في المئة حالياً إلى 40 في المئة العام 2020.

يقول الإيراني: «ندرك وجود حواجز عدة احتجاجاً على استخدام الطاقة المتجددة بمستوى مجدٍ تجارياً. الحواجز التنظيمية والتشريعية يمكن إزالتها بواسطة قانون جديد للطاقة، في حين أن الحواجز التكنولوجية تثبت أنها أكثر صعوبة لأنها تتطلب استثمارات هائلة، فضلاً عن الدراية الفنية اللازمة لربط الطاقة المتجددة بشبكة الكهرباء الوطنية».

الاستراتيجية تشمل توصيات للحفاظ على الطاقة تتضمن منح إعفاءات للمركبات المهجّنة، كما منحت سخانات المياه الشمسية إعفاء من ضريبة المبيعات. المملكة استحدثت أيضاً جائزة وطنية لترشيد استهلاك الطاقة.

هذه الاستراتيجية سوف تكون معتمدة من قبل «قانون الطاقة المتجددة». ويتضمن مشروع القانون حوافز لإنتاج الطاقة المتجددة من الاستثمارات في المناطق المعينة التي ستستخدم لبناء مرافق الطاقة المتجددة. وينص القانون على حوافز للمستثمرين بما في ذلك 100 في المئة إعفاء من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات.

الحكومة الأردنية أنشأت صندوق تمويل الطاقة الجديدة لدعم تطوير البنية التحتية لمنشآت جديدة للطاقة المتجددة. وتسعى الحكومة إلى تقديم حوافز ضريبية لإزالة الحواجز التي تحول دون الاستخدام الشامل لكفاءة الطاقة وتكنولوجيات الطاقة المتجددة في السوق الأردنية.

يقول الوزير: «تجارة الكربون آخر فرصة كبيرة للأردن. سجّلنا أخيراً أول مشروع تجارة الكربون يسمح ببيع 21 مليون دولار في أرصدة الكربون. مزيد من المشروعات من المتوقع أن يتبعه في المستقبل القريب».

ويضيف: «فضلاً عن التكيّف مع تغير المناخ يواجه الأردن تحدّياً خطيراً في ندرة المياه التي قد تتضخم بفعل تأثيرات تغير المناخ. الأردن إحصائياً هو رابع أكثر البلدان من حيث ندرة المياه في العالم، إذ يبلغ نصيب الفرد 150 متراً مكعباً. مع بيئة طبيعية قاسية، ومحدودية المياه السطحية، واستخدام متسارع للمياه الجوفية، وعدم وجود موارد مالية كافية لتحلية المياه، فإننا في الأردن على خط المواجهة في المعركة الإقليمية لإيجاد حلول مبتكرة لمشاكل ندرة المياه».

الوزير يرى أن أحد أهداف المملكة تحقيق الاستفادة القصوى من المياه المتاحة من خلال الحفاظ على المياه، وتعديل خطط التوزيع للاستجابة للاحتياجات المتزايدة للمياه والتنمية المستدامة لمياه الشرب، والاستعاضة عن المياه العذبة بالمياه المعالجة لأغراض الزراعة. الأردن، بحسب الإيراني، يخضع حالياً لإجراء تقييم شامل، وعملية التخطيط من أجل تعزيز القدرة على التكيف في قطاع المياه بالنظر إلى الآثار المحتملة لتغيّر المناخ.

يقول: «نحن دعاة حماية البيئة، كما يمكن أحياناً الوقوع في الطموح الطوبائي بأننا سنتمكن من إنقاذ العالم بما نقوم به من مبادرات ومشاريع. العالم سوف يبقى ونحن سنهلك. لكن أفضل ما نسعى إليه هو إنقاذ مستقبلنا الآن قبل فوات الأوان ومواجهة انتقام الطبيعة».

المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية أحمد الكوفحي، يرى أن التمثيل الوطني للأردن يجب أن يكون أعلى من مستوى وزير، بخاصة وأن هذه القمة تاريخية ومصيرية. ويرى أيضاً أن دوراً أكبر يجب أن يعطى لمؤسسات المجتمع المدني لتتمكن من إيصال صوتها إلى الحكومة فيما يتعلق بالتغير المناخي.

يقول: «رغم أن مساهمة الأردن في ظاهرة التغير المناخي قليلة جداً، إلا أن تأثره بالآثار السلبية لها عظيم جداً. لقد بدأنا نرى آثار تغير المناخ على هطول المطر الذي هبط إلى النصف».

المياه هي الهم الأكبر الذي يرى الكوفحي أيضاً أن الأردن سيحمله معه إلى القمة. هو يرى أن المملكة يجب أن تغيّر من منهجها في التعامل مع قضية المياه، بخاصة وأن استراتيجية الأردن المائية وضعت منذ وقت طويل كانت فيه الظروف مختلفة عن الوقت الحالي.

الكوفحي يطالب القمة بوضع دراسات خاصة عن المنطقة، بخاصة ما يتعلق بالمياه والزراعة. ويزيد: «التحدي المائي جزء من حلقة كبيرة تضم أيضاً التحدي الزراعي، فالغذائي، فالتصحر.. وهكذا».

الكوفحي يرى أن على الحكومة السعي أكثر نحو تخفيف التلوث الهوائي عن طريق حل مشكلة الديزل في المملكة، بخاصة وأن نسبة الرصاص فيه تتجاوز النسب العالمية بكثير، فضلاً عن أهمية وضع استراتيجية نقل ترفع من مستوى النقل العام، ما سيشجع الناس على استخدام وسائل النقل العامة عوضاً عن سياراتهم.

يقول: «لا نضع اللوم على الحكومة وحدها، فالناس أيضاً يجب أن تتغيّر ويتحوّل تفكيرها نحو إدراك أهمية القرارات التي يتخذونها كل يوم من شراء البقالة إلى التنقل إلى إلقاء النفايات وتأثيرها على البيئة من حولهم».

الطريق إلى كوبنهاغن: سياسة، مصالح وبهرجة إعلامية
 
01-Nov-2009
 
العدد 5