العدد 5 - من حولنا
 

كما أنه لم يكن متوقَّعاً أن تحدث ردة الفعل التي شهدها الملايين في العالم احتجاجاً على الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة، فإن رسم صورةٍ بالغة الدقة عما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد الاحتجاجات التي شهدتها الجمهورية الإسلامية، لا يبدو أمراً سهلاً.

هنالك تياران يختلفان في تحليلهما لما يحدث وتتباين توقّعاتهما، يستند كلٌّ منهما إلى حقائق تتطور على الأرض بشكل يكاد يكون شبه يومي: التيار الأول يرى أن الدولة، وتحديداً قوى الأمن المتمثلة في الحرس الثوري والاستخبارات، تمكنت من السيطرة على الموقف برمته، ووضعت يدها على جملة المسببات التي دفعت الأمور إلى ما آلت إليه. يستند هذا التيار إلى قدرة الدولة أو المؤسسة الأمنية، على الزج بالعشرات في المعتقلات، وكذلك السير في محاكمات يدور حولها الكثير من الجدل داخل إيران وخارجها، بخاصة أنها طالت تياراً سياسياً بعينه، هو التيار الإصلاحي. ويبدو أن وجهة النظر تلك تلقى قبولاً، نظراً لهدوء الوضع، وتراجع التقارير التي تتحدث عن تطورات يومية.

أما التيار الثاني فيرى أن تطورات المشهد السياسي الداخلي الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية، ليس مستقلاً بالشكل الذي يبدو عليه. هذه الرؤية تستند إلى أن الحركة التي تقود الاحتجاج على نتائج الانتخابات غيّرت في استراتيجيتها وأدواتها، بحيث لم تستمر في أسلوب الاحتجاج والتظاهر المباشر الذي كلفها الكثير مع السلطات، وقد عبّر المرشح الخاسر مير حسين موسوي عن تغيير هذه الاستراتيجية، عبر تحويل حركة الاحتجاج إلى حركة ذات هوية اجتماعية أسماها «التيار الأخضر» «موج سبز». ويبدو أن الإشارات الخضراء التي بُدئ باستخدامها من جانب مؤيدي موسوي، تحولت إلى لون لهذه الحركة التي ظهرت بعد الانتخابات.

هذا التحول التكتيكي رافقه بروز أدوات جديدة في التواصل، عبر استخدام الإنترنت بطريقة تجعل صوت التيار الإصلاحي مسموعاً في الخارج.

التحولات التي يمر بها المشهد السياسي الإيراني منذ حزيران/يونيو 2009، تكشف بوضوح أن تغيراً ما تشهده الجمهورية الإسلامية، وهو تغير ربما تنجح السلطات في إظهار ضعفه، لكن من الواضح أنه ماضٍ رغم اشتداد القبضة الأمنية. هنا يجب التذكير بأن ما حدث وما يحدث لا يرتبط بأيِّ حالةٍ من العداء لفكرة الجمهورية الإسلامية، ولا يهدف إلى إحداث تغير سياسي معين.

يمكن النظر إلى ما حدث على أنه منعطف مهم في تاريخ الحركة الإصلاحية في إيران. فهذا التغير تتزايد قاعدته الجماهيرية، وفي المقابل تتعاظم قدرة مواجهته من جانب الدولة، وبخاصة المؤسسة الأمنية والدينية الرسمية. بعبارةٍ أخرى، هناك حالة من الصراع بين قوى التيار الإصلاحي التي يبدو أنها اصطفّت تحت مظلة «التيار الأخضر» في مواجهتها قوى التيار المحافظ، التي تستظل بمظلة القوى الدينية المحافظة والمؤسسة الأمنية العسكرية.

المشهد السياسي، بعد نحو أربعة شهور على الانتخابات، يبدو في حالة من عدم الاستقرار، بالنظر إلى وجود المئات من المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، وكذلك الأحاديث المتكررة عن ارتفاع عدد الوفيات بين هؤلاء المعتقلين، وهو الأمر الذي تنفيه السلطات. يُضاف إلى ذلك كله، القبضة الأمنية التي يتم الحديث عنها في الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى.

في سياق متصل، ما زال الجدل دائراً حول سياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد، بخاصة في ما يتعلق باختيار وزرائه، وإصراره على اختيار أسماء بعينها، مثل صهره رحيم مشائي الذي أجبره المرشد الأعلى على عزله. هنالك أيضاً انتقادات متكررة بسبب عدم تولي مجلس خبراء القيادة لدوره الذي يجب أن يقوم به.

وهناك جدل حول الدور السياسي لهاشمي رفسنجاني، ومدى تعاظمه أو تراجعه في المستقبل. وكانت تدور أحاديث حول أن بداية العام الجامعي عادةً ما تكون بمثابة مؤشر على مدى انسجام المشهد السياسي الإيراني، لكن ذلك لم يحدث، فالرئيس لم يشارك بافتتاح العام الجامعي كما جرت العادة، كما أن وزير التعليم العالي لم يلقَ الكثير من حسن الاستقبال في جامعة طهران.

يشار هنا إلى أن ثمة حراكاً سياسياً آخر داخل المرجعيات الدينية، إذ أُشير إلى لقاءات سرية جمعت مرجعيات قيادية مهمة في إيران، ما رشح عنها يكشف حالة من القلق حول ما آلت إليه العلاقة بين الشعب ونظام الجمهورية الإسلامية، والقلق من تراجع ثقة المواطنين بالنظام ورموزه المتمثلة بالمرجعيات الدينية، تلك التي تحذّر مما يُطرح حول شرعية النظام.

أخيراً، تلقي تطورات الملف النووي الإيراني بظلالها على تطورات المشهد الداخلي، فهنالك خشية من استغلال القوى الكبرى لحالة الانقسام الداخلي وتعزيز ضغوطها على إيران، وهو ما حذّرت منه قوى التيار الإصلاحي. من هنا تأتي أهمية التصريحات التي تدعو إلى الاحتكام للمصارحة بين القوى السياسية، والتوافق على استراتيجية واضحة لمواجهة الضغوط الدولية.

إيران ما بعد الانتخابات: الإصلاحيون والمحافظون على مفترق طرق
 
01-Nov-2009
 
العدد 5