العدد 3 - محلي
 

لم تبدِ الحكومات المتعاقبة استعداداً للإسهام في بناء الديمقراطية بعد أن امتصت مفاعيل «هبّة» نيسان/إبريل 1989، وتراجعت عن مناخ الانفراج السياسي بدءاً من العام 1993.

الحكومات «تغوّلت» على السلطتين التشريعية والقضائية، وعلى المجتمع بأسره، ووجدت في أكثر من دزّينتين من التعديلات اللاديمقراطية على الدستور، عوناً لها في ذلك. هذا ما يفسّر عدم مغادرة الإصلاح السياسي المربعَ الأول.

تحقيق خطوات متقدمة في هذا المجال يتوقف على المدى الذي يمكن فيه تنقيح الدستور بأفق ديمقراطي. لهذا تُلحَظ ممانعة رسمية لدعوات تعديل الدستور مهما بلغت من الاعتدال، وحتى إن كانت تنطلق من روحية الدستور نفسه، وتتطلّع إلى التوازن النسبي الذي اتسم به هذا الدستور قبل أن يصبح مسرحاً لتعديلات شتى.

الدستور الأردني الصادر العام 1952 في عهد الملك الراحل طلال، يعدّ من الدساتير «الجيدة» وفقاً لاجتهادات مختلفة، وهو «يُصنّف ضمن الدساتير التقدمية التي تؤسس لديمقراطية فعّالة»، بحسب ما وصفته الأجندة الوطنية 2006-2015. لكن كثيرين يجهلون حقيقة أن هذا الدستور تعرّض في الفترة 1954-1984 إلى تعديلات أخلّت بتوازن العلاقة بين سلطات الدولة فيه، وسمحت بتغوّل السلطة التنفيذية على ما سواها.

الدستور، رغم سموّه على سائر تشريعات الدولة، تشريعٌ قابل للتعديل أيضاً، وفق أحكام يشتمل عليها.

المادة الدستورية 126، تشترط لتعديل الدستور «أن تجيزه أكثرية الثلثين من أعضاء كل من مجلسَي الأعيان والنواب»، علاوة على أن أيّ تعديل «لا يُعتبر نافذ المفعول ما لم يصدّق عليه الملك». هذا يوضح أن أيّ تعديل دستوري يحتاج إلى توافق وطني واسع، وإلى مباركة الملك له.

تُقدَّم المقترحات لتعديل الدستور، إما من خلال القناة الحكومية إلى مجلس الأمة، أو بمبادرة من عشرة أو أكثر من الأعيان أو النواب، فإذا وافق المجلس الذي ينتمون إليه على اقتراحهم بعد مناقشة اللجنة المختصة له وإبداء الرأي فيه، يُحال إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع لتعديل الدستور وتقديمه لمجلس الأمة.

«مؤقتة» بعد أربعة عقود!

قيّد الدستور بنصه الأصلي في المادة 94، صلاحية الحكومة بوضع قوانين مؤقتة إذا كان مجلس الأمة «غير منعقد»، بغرض مواجهة الطوارئ المتمثلة بالكوارث العامة، وحالة الحرب والطوارئ، والحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تحتمل التأجيل.

لكن تعديل المادة 94 العام 1958، وسّع صلاحية الحكومة لتشمل من ناحية، وضع قوانين مؤقتة إذا كان مجلس النواب «منحلاًّ»، وهو الأمر الذي أصبح يفتح شهية الحكومات لحلّ مجالس الأمة تمهيداً لإصدار قوانين مؤقتة، وعوّمَ من ناحية ثانية، الأمور التي تسمح بوضع قوانين مؤقتة، بنصّه على أنها تلك «التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأجيل».

منذ العام 1993، حين تم حلّ البرلمان وإصدار قانون الصوت الواحد، باتت الحكومات تتحكم بنوعية المجالس النيابية وتركيبتها، عبر إصدار قوانين الانتخاب المؤقتة. قانون الانتخاب «المؤقت» لسنة 2001 تم بموجبه انتخاب مجلسين نيابيين، وما زال مؤقتاً. وقانون تنظيم المدن والقرى والأبنية المؤقت لسنة 1966 يستمر مؤقتاً إلى الآن.

أستاذ القانون والخبير الدستوري المحامي محمد الحموري، توقف في كتابه الذي صدر مؤخراً أهواء السياسة وموجبات الدستور، أمام إشكالية القوانين المؤقتة. وشدّد في حديثه لـ«ے» على أن الشرط الأساسي لصدور القانون المؤقت «هو توافر حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير»، وذكّر بتجربة حل البرلمان العام 2001، وكيف أن هذا الحل استهدف «خلق حالة ضرورة»، عادّاً هذا الإجراء غير مقبول، لأن الضرورة تخلقها الظروف القاهرة.

الحموّري الذي شغل أكثر من حقيبة وزارية، ذكّر بمسؤولية البرلمان في محاسبة الحكومات التي تتجاوز على الدستور، ووجّه انتقاداً صريحاً لمجلس النواب السابق (الرابع عشر)، لأنه «تخلّى عن دوره في الدفاع عن الدستور، عندما كانت الحكومة التي أصدرت أكثر من مئتي قانون مؤقت موجودة في السلطة، وقامت هي بتحويل القوانين المؤقتة إليه».

ولئن استغلت حكومات منذ العام 1989 المادة 94 لوضع قوانين مؤقتة في مسائل حسّاسة وخلافية تتصل بالحرّيات العامة والديمقراطية، مثل قوانين الانتخاب والمطبوعات والنشر، فإن حكومة علي أبو الراغب «تفوّقت» على كل الحكومات منذ نشأة الدولة الأردنية بحلّها البرلمان وإصدار 212 قانوناً مؤقتاً خلال الفترة الممتدة من أواسط العام 2001 إلى أواسط العام 2003، منها 36 قانوناً مؤقتاً صدرت في يوم واحد، هو اليوم الذي سبق انتخابات مجلس النواب الرابع عشر في 17 حزيران/يونيو 2003.

هوية سياسية أم قانونية؟

من بين تعديلات العام 1958 التي أخذت منحى سلبياً، تعديل المادة 57 التي تتعلق بتشكيلة «المجلس العالي» الذي تحدد المادة 55 من الدستور وظيفته بمحاكمة الوزراء على ما يُنسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم، وتحدد المادة 122 حقه في تفسير أحكام الدستور بطلب من مجلس الوزراء، أو بقرار يتخذه مجلس الأعيان أو مجلس النواب بالأغلبية المطلقة.

التعديل أوكلَ رئاسة المجلس العالي لرئيس مجلس الأعيان، بعد أن كانت لرئيس أعلى محكمة نظامية، وأعاد توزيع أعضاء المجلس الثمانية بين ثلاثة للأعيان بدلاً من أربعة، وخمسة لقضاة المحكمة بدلاً من أربعة.

المحامي أديب هلسا، العضو السابق في محكمة التمييز ومحكمة العدل العليا، يتساءل حول وظيفة المجلس بمحاكمة الوزراء في كتابه «أسس التشريع والنظام القضائي في المملكة الأردنية الهاشمية»، إذ إن «المجلس لم يُجْرِ محاكمةً لوزير»، وإذ يعزو صعوبة ذلك إلى أن اتهام الوزير يحتاج إلى ثلثَي أصوات أعضاء المجلس النيابي، يعود ليؤكد أن المسألة «تأخذ طابعاً سياسياً أكثر منه قانونياً».

يستدرك هلسا الذي أشغل منصباً وزارياً وكان عضواً في مجلس الأعيان، بقوله إن مجلس النواب الحادي عشر أصدر اتهاماً لوزير، «غير أن صدور قانون العفو العام لسنة 1992 ترتّب عليه سقوط دعوى الحق العام عن ذلك الوزير للتهم التي كانت قبل صدوره». الوزير هو محمود الحوامدة.

أستاذ العلوم السياسية محمد بني سلامة يتفق مع هلسا، ويرى أن تعديل المادة 57 «جعل المجلس هوية سياسية وليست قضائية كما كانت سابقاً»، ويضيف أن محاكمة الوزراء ذات أبعاد قانونية متخصصة، مفضّلاً أن يرأس المجلسَ العالي رئيسُ أعلى محكمة نظامية في البلاد، وأن يتم «إبراز دور القضاء في محاكمة الوزراء، تأكيداً لخضوع الوزراء وغيرهم لسلطة القضاء».

من التعديلات المتأخرة نسبياً على الدستور، التي أُجريت أواخر العام 1974، إضافة فقرة إلى المادة 34 في القسم الخاص بالملك وحقوقه، تنص على أن «للملك أن يحل مجلس الأعيان أو يعفي أحد أعضائه من العضوية».

مجلس الأعيان هو الجناح الآخر من السلطة التشريعية، ويستقطب أصحاب الكفاءة والخبرة من رجالات الدولة ومَن في حكمهم. ومع أن هذا المجلس لا يمتلك حق الاقتراع على الثقة بالوزارة أو أحد الوزراء، إلا أن بني سلامة يرى أن هذا لا يمنع من أن يتمتع أعضاء المجلس بـ«نوع من الاستقلالية، وهامش من الحرية يسمح برقابة السلطة التنفيذية»، ويضيف أن هذا الحق «صودر إلى حدٍّ ما من الأعيان» بموجب التعديل السابق.

للاستدلال على السلوك السياسي للحكومات، وميلها إلى عزل من يخالفها أو ينتقد سياساتها، يذكّر بني سلامة بانتقاد رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات بعضَ بنود معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية العام 1994، وكيف قاد ذلك لمغادرته عضويةَ مجلس الأعيان، رغم أنه غاب عن جلسة التصويت على المعاهدة.

في حادثة أخرى، غادر جواد العناني عضويةَ مجلس الأعيان إثر انتقاد أداء الحكومة في مقالة صحفية، رغم أنه أشغل مراراً المنصبَ الوزاري ومناصبَ حساسة أخرى في الدولة.

في المحصلة أن التعديل المشار إليه «يجرد عضو مجلس الأعيان من أيّة حصانة»، يستخلص بني سلامة.

يحدث هذا في وقت كان يُفترض فيه أن يتيح مجلس الأعيان فرصة ليتناغم في تشكيلته مع التطلّعات الإصلاحية للملك. وقد أدى المجلس جزئياً هذا الدور بشأن تمثيل النساء، وتمثيل قوى سياسية معارضة، وإن اقتصر على قيادات من جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، مثل: إسحق الفرحان، عبد اللطيف عربيات وعبد المجيد الذنيبات.

حقوق مستحدثة دون قيود

التوسُّع في صلاحية حل مجلس النواب مثّل واحداً من أبرز أسباب استلاب استقلالية السلطة التشريعية وهيبتها. فالدستور قبل أن «تستبيحه» التعديلات، كان يعطي الملك حق حل مجلس النواب استناداً للمادة 34 من الدستور، لكن هذا الحق كان مقيَّداً بشرطين؛ الأول ضرورةُ تبيان سبب هذا الحل بحسب منطوق المادة 74 من الدستور: «إذا حُلّ مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه». إذ كيف لنا أن نتبيّن أن الحل دستوريٌ أم لا، إذا لم نعرف سبب الحل؟ لكن الحكومات تكتفي بنشر صدور الإرادة الملكية بقرار الحل، وتتخلى عن مسؤوليتها في نشر السبب.

أما الشرط الثاني، فهو بحسب الفقرة الأولى من المادة 73، وجوبُ «إجراء انتخاب عام، بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بأربعة أشهر».

غير أن تعديلاً أُدخل على المادة 73 العام 1974، أعطى الملك صلاحية تأجيل الانتخابات لمدة لا تزيد على سنة. كان هذا التعديل محكوماً بتوجُّه رسمي لعدم إجراء انتخابات نيابية في ظل وقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي.

بموجب تعديل آخر أُجري العام 1976، أُلغي تحديد مدة التأجيل بسنة مع الإبقاء على الحق في التأجيل، وأضيفت فقرة جديدة تتيح للملك بناء على قرار مجلس الوزراء دعوة مجلس النواب السابق (المنحل) في دورة استثنائية إذا طرأت خلال فترة التأجيل المشار إليها في الفقرة السابقة، ظروف طارئة تقتضي تعديل الدستور.

قبل استعراض التعديلين اللاحقين على المادة 73، يُشار إلى أن التعديل الذي أعطى الملك صلاحية «مفتوحة» بتأجيل الانتخابات بعد حل مجلس النواب، لم يقتصر استخدامه على ظروف استثنائية، مثل تلك التي كانت سبباً في تعديل المادة، بل استخدمته حكومة علي أبو الراغب في ظروف عادية، حينما أجّلت إجراء انتخابات مجلس النواب الرابع عشر سنتين.

أما التعديلان اللاحقان على المادة 73 اللذان أُجريا العام 1984، فقد استهدف الأول إعادة مجلس النواب التاسع المنتخَب العام 1967 والمنحلّ العام 1976، بوصفه مجلسَ نواب جديداً من جميع الوجوه، وهذا ما وقع فعلاً، وحاز هذا المجلس على الترتيب العاشر، واستهدف التعديل الثاني إيجاد آلية لإجراء انتخابات عامة في الضفة الشرقية، وانتخاب ممثلي الضفة الغربية في مجلس النواب من خلال المجلس نفسه، إذا استمرت الظروف القاهرة التي لا تسمح بإجراء الانتخاب العام في جميع الدوائر.

تعديلٌ آخر وفّر للسلطة التنفيذية إمكانية التحكّم في مدة ولاية المجلس النيابي، أُجري العام 1960، ويسمح للملك بتمديد ولاية مجلس النواب مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين. هذه الصلاحية استُخدمت للمرة الأخيرة إبّان مجلس النواب العاشر الذي مُدّد له حتى مطلع العام 1990، لكنه لم يكمل تلك المدة بسبب حلّهِ يوم 30 تموز/يوليو 1988، عشية قرار فك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية.

«الميثاق الوطني» كأنه لم يكن

بسبب تكرار إصدار تشريعات مشوبة بعدم الدستورية، بخاصة القوانين المؤقتة منها، فقد باتت الحاجة ملحّة لإجراء تعديل دستوري يسمح بإنشاء محكمة دستورية، وهو التوجُّه الذي تبنّاه الميثاق الوطني الأردني (حزيران/يونيو 1991)، من أجل «تعزيز المرتكزات الأساسية لدولة القانون، وترسيخ البنيان الديمقراطي للدولة والمجتمع»، إذ ارتأى ضرورة إنشاء محكمة دستورية تتولى تفسير أحكام الدستور في ما يحيله مجلس الوزراء إليها من أمور، و«الفصل في ما تحيله المحاكم إليها من إشكالات دستورية» في قضايا مرفوعة أمام تلك المحاكم، كما الفصل في المنازعات والطعون المتعلقة بدستورية القوانين والأنظمة الخاصة بالدعاوى التي يقيمها أصحاب المصلحة لديها.

الميثاق الذي عُدّ بمثابة «عقد اجتماعي» جديد بين الحكم والشعب، وخطوة حاسمة نحو المصالحة الوطنية بين الحكم والمعارضة، صاغته لجنة ملكية من 60 شخصية برئاسة أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق، مثّلت الأطياف السياسية والاجتماعية المختلفة في البلاد، واستغرق عملها عاماً وشهرَين.

ودعا الميثاق إلى رد صلاحيات مجلس الوزراء التشريعية المنصوص عليها في المادتين 114 و120 من الدستور، والمتعلقة بأنظمة الأشغال الحكومية واللوازم والخدمة المدنية، إلى مجلس الأمة، وإلى العمل على «إجراء التعديلات الدستورية اللازمة بما يلبّي متطلبات التطور، وإلغاء الأحكام الدستورية التي فقدت مسوغات وجودها».

ورغم أن للميثاق «قوةَ إلزام أدبية»، بحسب وصف هلسا، إلا أنه وُضع عملياً على الرف بعد أن مهّد لإنجازات ديمقراطية توقفت عند تشريع قانونين للأحزاب والمطبوعات، وتعديل قانون محكمة العدل العليا، وإلغاء الأحكام العرفية وقانون الدفاع لسنة 1935 وقانون مكافحة الشيوعية.

وحينما لاحت فرصة بحث إمكانية إنشاء محكمة دستورية بعد 12 عاماً على إقرار الميثاق الوطني، في إطار واحدة من اللجان المنبثقة عن هيئة «الأردن أولاً» مطلع العام 2003 في عهد حكومة أبو الراغب، شُكِّلت لجنة كُلِّفت بدراسة موضوع المحكمة الدستورية ضمت خمس شخصيات قانونية غير متحمسة لإنشاء المحكمة.

خلصت لجنة المحكمة الدستورية إلى أن إنشاء المحكمة «أمر غير وارد وغير ملحّ، ويستلزم تعديلات دستورية أساسية». لكنها لم تغلق الباب تماماً أمام فكرة المحكمة وتعديل الدستور، بتأكيدها أن القرار بإجراء التغيير والتعديل الدستوري يتم عبر البنى الديمقراطية ذات الاختصاص، ووفقاً للأصول الدستورية، و«حين يصبح التغيير في مرتبة متقدمة في سلّم أولويات الوطن».

«ے» استفسرت من الحموري عن تساؤلاته بشأن جدوى المحكمة الدستورية في الظرف الراهن، فأجاب أن المشكلة ليست في المحكمة بحد ذاتها، بل في الظروف المحيطة بعملها. وتساءل: «كيف نضمن أن لا تفتئت الحكومات على المحكمة وتتصرف كما لو كانت تابعة لها؟ وهل بمقدور المحكمة التي يمكن أن تتشكل من خمسة قضاة أن تحمي نفسها من التدخلات الحكومية في اختصاصاتها واستقلالية قراراتها؟».

للتعديلات الإيجابية نصيبٌ

خلافاً للاعتقاد السائد بأن جميع التعديلات التي أُدخلت على الدستور حملت أبعاداً سلبية، يُشار إلى الدفعة الأولى من التعديلات، التي أجريت العام 1954 في عهد حكومة فوزي الملقي، الحكومة الأولى في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال. إذ اتخذت تلك التعديلات في مجملها منحى إيجابياً واضحاً. فالتعديل الأول (المادة 53) خفّض شرط نفاذ قرار عدم الثقة بالوزارة الذي يوجب استقالتها، من نيله ثلثي أصوات مجموع النواب إلى حصوله على الأغلبية المطلقة، أيْ على أكثر من نصف مجموع الأعضاء. تكمن أهمية التعديل في أنه يجعل شرط سحب الثقة من الوزارة أو أحد الوزراء واقعياً وفي متناول اليد، ما يعطي للرقابة النيابية معنى.

تعديلٌ ثانٍ، أضافَ فقرة جديدة على المادة 74، نصّت على أن الحكومة التي يُحَلّ مجلس النواب في عهدها «تستقيل من الحكم خلال أسبوع من تاريخ الحلّ، على أن تُجري الانتخابات النيابية حكومة انتقالية»، ذلك أن من الأهمية بمكان أن تُجري الانتخاباتِ حكومةٌ انتقالية حتى لا يكون لها مصلحة مباشرة في التأثير في نتائج الانتخابات. لكن هذا التعديل تم التخلّي عنه العام 1958.

المرة الوحيدة التي أشرفت فيها حكومة انتقالية على انتخابات نيابية خلال العقدين الأخيرين، كانت في العام 1989، إذ أشرفت حكومة زيد بن شاكر الأولى على الانتخابات.

تعديلٌ ثالث، ضاعفَ مدة الدورة البرلمانية من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر في السنة، وقبل أن يدخل حيز التنفيذ، جرى تعديله مجدداً العام 1955، بتقليص الدورة إلى أربعة أشهر كما هو معمول به حتى الآن.

النائب العتيق بسام حدادين (الزرقاء) الذي يحجز مقعداً تحت القبة للدورة الخامسة على التوالي، من أشد النواب حماسةً لتمديد الدورة البرلمانية العادية ومدتها أربعة أشهر، إلى ضعفها على الأقل حتى «تصبح ثمانية أشهر»، أو عقد دورتين عاديتين في السنة. حدادين ينادي بمغادرة حالة تقادمت، باتجاه إعطاء الرقابة السياسية حقها، والارتقاء بالدور التشريعي للبرلمان. ويخلص إلى أن «إصلاح العمل البرلماني يحتاج إلى تعديلات دستورية لا تحتمل التأجيل، في مقدمتها إطالة أمد الدورة البرلمانية».

مساعد رئيس مجلس النواب، النائب الإسلامي عبد الحميد الذنيبات (الكرك)، يتفق مع اقتراح حدّادين بشأن عقد دورتين عاديتين في السنة لمجلس النواب، مشدداً على وجود كَمّ هائل من التشريعات والقضايا بحاجة إلى معالجة، مضيفاً أن «الدورة الاستثنائية ليست حلاًّ لمشكلة قصر مدة الدورة العادية لمجلس النواب».

وهناك مطالبات متكررة لتعديل المادة 71 التي تعطي مجلس النواب حق الفصل في صحة نيابة أعضائه، إذ لا يعقل أن يمارس النواب دور القاضي والمتهم في الوقت نفسه، بخاصة وأن المجالس النيابية لم تُسقط على امتداد تاريخها عضويةَ أيّ نائب، حتى في مجالس لم يكن التدخُّل في انتخاباتها موضعَ شك. الذنيبات يبدي استغرابه وهو يتساءل: لماذا تنشأ مقاومة لتعديل الدستور عندما يكون التعديل في مصلحة البلد؟ ويرى أن الفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب يجب أن يناط بالقضاء، ويقول: «بوصفي نائباً أنا مستعدّ للتخلي عن الصلاحية التي يعطينا إياها الدستور»، مضيفاً أن عقدة الإصلاح تكمن في غياب الإرادة السياسية.

الإصلاح الدستوري: يناوئونه ويناصرونه تبعاً لمصالحهم
 
01-Sep-2009
 
العدد 3