العدد 5 - اقتصادي
 

يكشف مشروع موازنة 2010، أن هذه الموازنة مختلفة عن الموازنات السابقة التي درجت الحكومة على زيادة قيمتها طردياً منذ أعوام، فخرجت موازنة العام المقبل بحلّة غير مألوفة، متضمّنةً خفضاً واضحاً للنفقات قُدِّر بنحو 600 مليون دينار عن موازنة 2009.

تخفيض الموازنة أمر أراده وزير المالية باسم السالم، الذي أصرّ على ذلك، بحسب مصادر مطّلعة داخل الوزارة طلبت عدم الكشف عن هويتها. وكشفت الأنباء الأولية في المراحل الأولى لإعداد الموازنة، أن الوزير طلب أن لا تتجاوز 5.7 بليون دينار.

بيد أن إصرار السالم الذي تسلّم حقيبة المالية في أشد الظروف صعوبة، ألزمَ فريق الموازنة على تحقيق مزيد من الضبط في النفقات، مثل الإنفاق على مشاريع الطرق الزراعية والتعيينات، لتخرج الموازنة بشكلها النهائي الموضح في بلاغها، بقيمة بلغت 5.5 بليون دينار، كاشفةً عن عجز مقدراه 685 مليون دينار.

السالم يقول إن موازنة 2010 ركزت على ضبط العجز والمديونية بوصفهما «أبرز هدفَين تنشدهما الحكومة في هذه المرحلة، لتحقيق الاستقرار المالي»، ويؤكد أن ذلك سيقود إلى «تأمين نمو اقتصادي، أكثر فاعلية على المدى المتوسط من زيادة إنفاق قصير المدى يهدد قدرة المملكة على الإنفاق مستقبلاً».

ونوّه الوزير إلى أن تخفيض الإنفاق ركّزَ على الإنفاق الجاري غير الضروري، مثل الإنفاق على السيارات والأثاث، إلى جانب تقليص الإنفاق الجاري المدرج ضمن النفقات الرأسمالية، موضحاً أن 90 في المئة من مخصصات الإنفاق الرأسمالي البالغة قيمته 1.01 بليون دينار للعام المقبل هي «نفقات رأسمالية حقيقية».

تخفيض النفقات الحكومية «غير الضرورية»، مثل الإنفاق على بنود السفر، والسيارات والاحتفالات الحكومية، يتصدّر الأولويات التي يمكن تخفيضها، بهدف الإبقاء على موازنة «تقشفية» للعام المقبل دون اللجوء إلى ملحق للموازنة خلال العام.

الانتقادات تُطاول النفقات الرأسمالية، إذ يعتقد كثيرون أن هذه النوعية من النفقات لم تكن يوماً مطابقة لاسمها، إذ كانت النفقات الجارية منها لا تقل عن 35 في المئة من قيمتها الإجمالية، الأمر الذي يؤكد السالم أن الوزارة تجاوزته العام الجاري، حينما لم تتعدَّ قيمة النفقات الجارية المضمَّنة ضمن الرأسمالية معدل 10 في المئة من إجمالي القيمة.

وفي الوقت الذي تختلف فيه الآراء حول موضوع تخفيض النفقات بين تأييد ومعارضة، يرى الوزير أن «الحكم على نوعية الإنفاق تحدّده النتائج التي يأتي بها الإنفاق»، مشيراً إلى أن بلداً مثل الأردن يتفاقم حجم مديونيته، ليس بحاجة لمزيد من النفقات التي ترتّبُ قروضاً إضافية عليه.

وجهة النظر المؤيدة لتوجّه الحكومة لتقليص الإنفاق الفائض عن الحاجة، ترى أنّ هذا النوع من الإنفاق «يتسبب بالضرر للاقتصاد الوطني، وإضاعة المال العام في غير مكانه».

ويلخّص أمين عام المجلس الاجتماعي والاقتصادي إبراهيم سيف هذه النقطة، بأن علينا أن نتوجّه «نحو إنفاق أقل وفعالية أكثر».

أما نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني، فيضيف بُعداً آخر يراه في غاية الأهمية، وهو أن قيام الحكومة بضبط النفقات الزائدة عن الحاجة، لن تَنتج عنه آثار سلبية على الاقتصاد الوطني، ويؤكد: «الإنفاق المتكرر أو غير اللازم، لا يسهم في إنعاش مسيرة الاقتصاد».

بدورها، تنتقد وجهة النظر المعاكسة، توجُّهَ الحكومة نحو تقليص الإنفاق، لأن الواقع الاقتصادي القائم بـ«أمسّ الحاجة لتحفيزه عبر زيادة الإنفاق». يستند أصحاب هذا الرأي إلى أن زيادة الإنفاق تسهم في رفع معدلات التشغيل وتحسين أداء القطاعات المختلفة.

من بين هؤلاء وزيرُ مالية أسبق طلب عدم نشر اسمه، دعا إلى ضرورة تنبُّه الحكومة إلى أهمية الشفافية والوضوح في سياسة ضبط النفقات، وطالب بإطلاع المواطنين على نتائج ترشيد الإنفاق ومقدار المبالغ التي سيتم توفيرها نتيجة الترشيد، وأين ستذهب هذه الأموال وأثر توفيرها في الاقتصاد الوطني.

ارتفاع حجم الإنفاق ليس وليد اللحظة، بل هو مسلك رافقَ الحكومات المتعاقبة التي دأبت على زيادة قيمة الموازنة العامة لترتفع من 4.5 بليون دينار العام 2007 وصولاً إلى 6.1 بليون دينار العام الجاري.

العناني، يشدد على ضرورة ضبط النفقات، للحدّ من توجُّه الحكومة للاقتراض لغايات الإنفاق، ما يقود إلى «تخفيف ثقل الدين خلال الأعوام المقبلة». وهو يقترح في هذا المجال، توجيه المبالغ التي ستوفرها الحكومة جراء تقليص النفقات، للاستثمار في مشاريع مشتركة بين القطاعَين العام والخاص، لـ«تحقيق انتعاش للاقتصاد الوطني رغم تقليص الإنفاق».

في الاتجاه المعاكس، يرى الوزير الذي طلب عدم نشر اسمه، أنّه «لا يمكن عملياً تخفيض الإنفاق وتحفيز الاقتصاد في الوقت نفسه، بخاصة وأننا في بلد يساهم فيه الإنفاق الحكومي بنسبة 55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني التأثير سلباً في النمو الاقتصادي»، ويؤكد أن تخفيض الإنفاق «لا بد أن يحمل آثاراً على مسيرة المشاريع الاستراتيجية والكبرى في البلاد، ما سيؤثّر بالضرورة في مؤشر النمو الاقتصادي».

العناني يرى أنه يمكن إيقاف المشاريع التي لا تقدِّم إضافات نوعية للاقتصاد، وتلك التي تعتمد على عمالة أجنبية عالية، أو التي ما زالت في بداياتها، ويدعو الحكومة لـ«تقديم كشف تفصيلي بحجم الإنفاق على هذه البنود العام 2009، وحجم الإنفاق للعام 2010، ومقدار نسبة التخفيض».

ويتساءل المسؤول الذي ابتعد عن العمل العام منذ سنوات، حول الآليات التي ستعتمدها الحكومة في ظل توقعات بارتفاع أسعار النفط عالمياً، بالتزامن مع توقعات بتراجع الدولار العام المقبل، وما سينتج عنه من ضغط باتجاه تصاعد معدل التضخم الذي ستتناقض مسيرته التصاعدية مع تقليص الإنفاق على رواتب العاملين في القطاع العام.

بيد أن تخفيض الموازنة يجابَه بتحذيرات من «مغبّة اللجوء إلى إصدار ملاحق للموازنة العام المقبل، مع تعذُّر تنفيذ مخطط الحكومة في ضبط النفقات، وبخاصة الجارية». السالم بدوره، طمأنَ القلِقين بهذا الشأن، بتشديده على أن العام المقبل «يخلو من ملاحق الموازنات». لكن هذا لم يكن كافياً لإقناع المتشككين. إذ يرى سلامة الدرعاوي في تقرير نشرته العرب اليوم، 21 تشرين الأول/أكتوبر، أن زيادة الرواتب المقبلة بنسبة 3 في المئة، وهي نسبة التضخم المفترضة في بلاغ الموازنة، لن تمر بسلام إذا واصلت أسعار النفط ارتفاعها. وأضاف: «اعتدنا أن نسمع تلك اللاءات في الخطاب الرسمي في أنه لن تكون هناك ملاحق إضافية للموازنة، لكن سرعان ما تُصدر الحكومة الملحق تلو الآخر بناء على توجيهات عليا بزيادة منطقية على رواتب العاملين والمتقاعدين للحد من آثار التضخم وتحسين مستوى معيشتهم».

السالم من جهته، يؤكد أن لدى وزارته خططاً وإجراءات للالتزام بحدود الموازنة التي سيتم إقرارها، ويضيف أن ما أصاب الموازنة العامة من تخفيض للنفقات في 2010 سيطال المؤسسات المستقلة أيضاً، مشيراً إلى أن «المالية» خفّضت الدعم المقدَّم لها أكثر من 100 مليون دينار، إذ خُصص لها في العام الجاري نحو 364 مليون دينار.

العناني، يؤكد أهمية رفع سوية كفاءة سياسات الإنفاق، مشيراً إلى ضرورة توافر الجاهزية لدى الحكومة لتخفيض النفقات، وداعياً مجلس النواب إلى «إثارة موضوع تخفيض النفقات غير الضرورية، لتبقى الموازنة من دون ملحق».

ويوضح أهمية النظر إلى النفقات في الموازنة بكونها معقولة أم لا، إذ «لا يمكن تخفيض بنود الرواتب ومصاريف التقاعد، فيما يمكن التوفير في أبواب أخرى، مثل نفقات الاتصالات ومصاريف اللوازم والأثاث».

لكن حتى الآن، هنالك غياب واضح في الحوار الذي ما زال دائراً في مراحله الأولية، حول الأبعاد الاجتماعية للتوجّه نحو تخفيض الإنفاق العام. ومن المتوقَّع أن يُتَضمَّن هذا البعد إذا ما شاركت في الحوار الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وقدّمت رؤاها وتصوراتها بشأنه.

وفقاً لتقديرات وزارة المالية، فإن إجمالي الإيرادات المتوقَّعة للعام المقبل بلغ 4880 مليون دينار، بزيادة 297 مليون دينار، بنسبة 6 في المئة، مقارنة مع 4583 مليون دينار إعادة تقدير الإيرادات للعام 2009.

البُعد الاجتماعي غائب عن الحوار الدائر بشأنها - موازنة 2010: الاقتراض أو شدّ الأحزمة
 
01-Nov-2009
 
العدد 5