العدد 5 - الملف
 

عرفت عمان قبل أكثر من نصف قرن عدداً من المكتبات التجارية، ورغم قلتها إلاّ أنها كانت تشهد إقبالاً كبيراً من قبل عُشاق المطالعة الذين كانوا يتمتعون بذوق ثقافي رفيع.

كان تذّوق أبناء ذلك الجيل لأيّ صحيفة أو مجلة أو كتاب يختلف عن تذوّق جيل اليوم. وكانوا يضعون ضمن بنود ميزانيتهم بنداً عن أثمان شراء الصحف والمجلات رغم أن الموارد كانت محدودة والدخل ضئيلاً.

أذكر أنني في مقتبل العمر كنت أقتصد من مصروفي اليومي لشراء مجلات الأولاد المفضلة، وهما مجلتا: البلبل والكتكوت المصريتان، وكان مستواهما الصحفي والثقافي أفضل من مجلات الأولاد اليوم.

عرفت عمّان في تلك الفترة أشهر مكتبة لبيع الصحف والمجلات، وهي مكتبة فهمي يوسف الذي كان يعمل مدرّساً في إربد ويتمتع بثقافة عالية، وتقع المكتبة في منتصف شارع الملك فيصل، قرب البنك العربي حالياً.

كان معروفاً بين زبائنه باسم مكتبة المصري بسبب أصوله المصرية. وثقافته العالية تلك هي التي جعلته يُحوّل مكتبته إلى ما يشبه منتدى ثقافياً وسياسياً. وكان مستعداً لمناقشة زبائنه في أحداث الساعة المحلية والعربية والدولية، وكذلك حول ما يرد في الصحف والمجلات التي ترده من أحداث، وبخاصة أن أوائل الأربعينيات من القرن الماضي شهدت نشوب الحرب العالمية الثانية، وكان معظم زبائنه من كبار الشخصيات والمثقفين وأصحاب الفكر والأدب.

الذين يتناقشون مع فهمي يوسف كانوا يتمتعون بتذوق ثقافي مميّز قلّ أن تجده من جيل اليوم. كما أن المستوى الثقافي والصحفي للصحف والمجلات التي كانت ترد الى مكتبته هي أعلى من مثيلاتها اليوم. وللأسف فإن بعضها توقف عن الصدور مثل: مسامرات الجيب، ريدزدايجست، الاثنين، الصباح، بنت القبل، والبعكوكة، أشهر مجلة ساخرة عرفتها مصر ثما مجلتا القافلة والمنتدى الثقافيتان الفلسطينيتان وغيرهما.

توقف نشاط مكتبة فهمي يوسف العام 1950 فانتقل نشاطها إلى مكتبة الأمير طلال لصاحبيها يوسف ورمزي العالم البسطامي، وأصبحت ملتقى كبار الشخصيات والمثقفين وعشّاق المطالعة، ويحدث أن يتناقش زبائن الأخوين بسطامي معهما في أمور الساعة محلياً وعربياً، وما زالت المكتبة صامدة في موقعها الحالي، ولكن بعد وفاة صاحبيها لم تعد تؤدي الدور الذي كانت تلعبه أيامهما.

أما الكتب، فقد دخلت إلى سوقها الكتب للمرة الأولى مكتبة الشباب لأصحابها شرارة إخوان. وكانت تُعلن عن نفسها في بداية الأربعينيات على أنها معرض للكتب الحديثة، وبأنها الوكيل العام لعموم مكتبات مصر ومطابعها، ورفعت شعار رفع مستوى الثقافة، والقناعة في الربح. وما زالت المكتبة ومطبعتها قائمة حتى اليوم، حيث اقتصر دورها على بيع القرطاسية والأجندات السنوية.

بعد العام 1949 ازداد عدد المكتبات التجارية ودور توزيع الصحف والمجلات والكتب: فأفتتحت أول مكتبة لتوزيع الصحف والمجلات، وهي مكتبة عمان لصاحبها زكريا العلمي، بجانب مطاعم الأردن سابقاً، ثم انتقل نشاطها في أوائل الستينيات إلى وكالة التوزيع الأردنية.

ثم افتُتحت مكتبة مميّزة واسمها مكتبة دار الكتب لصاحبها يوسف بحوث، وكان آخر مركز لها هو دوار الحاووز في جبل اللويبدة. وقد سيّطرت هذه المكتبة على الكتاب المدرسي باللغة الإنجليزية سواء ما هو مقرّر للمدارس الحكومية أم المدارس الخاصة، بالإضافة إلى أنها كانت أول مكتبة في عمان، ولكن توقف نشاط المكتبة.

يذكر أنه في العام 1940 افتُتحت أول مكتبة كانت تقوم بالدور الذي تقوم به مديرية المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم، ألا وهي مكتبة الاستقلال لصاحبها حسن رشيد خلف طبيشات وأولاده، أي أنها كانت تزوّد طلاب المدارس الحكومية بجميع الكتب المدرسية التي كانت مقرّرة من جانب وزارة المعارف (التربية والتعليم في ما بعد)، وما تزال صامدة حتى اليوم، حيث اقتصر دورها على التعامل بجميع أنواع القرطاسية والأدوات المكتبية.

في العقود الأخيرة توسّعت، وانتشرت المكتبات ودور توزيع الكتب ودور النشر، واختلف القارئ اليوم عن قارئ الأمس، وأصبحنا نشاهد أنواعاً غريبة من الصحف والمجلات لم نعرفها في تلك الفترة.

مكتبات الأمس - البائع الأول: المصري فهمي يوسف
 
01-Nov-2009
 
العدد 5