العدد 5 - الملف
 

العمل الأول الذي قام به فارس عثمان، 34 عاماً، عندما عُيّن قبل 18 شهراً أميناً لمكتبة مدرسة الأحنف بن قيس في جبل الحسين، إحضار كرتونة بيضاء وكتابة كلمة «مكتبة» عليها، وإلصاقها على الباب.

المكتبة كانت تفتقر حتى إلى لافتة تدل على وجودها، وبحسبه، لم يكن هناك طاولات أو مقاعد، وإلى حين تزويد الوزارة له بالأثاث الناقص الذي طلبه، ذهب إلى مستودع الأثاث التالف في المدرسة وأحضر طاولة أصلحها بنفسه، في حين كان الطلاب الراغبون بالمطالعة يدورون على الصفوف الأخرى لاستعارة مقاعد يجلسون عليها.

الخطوة التالية التي قام بها لجذب الطلاب هي أنه قام بعمل جولات على الصفوف، وأجرى مسابقات بينهم كان الطلاب يحتاجون إلى مراجعة المكتبة كي يحلوا أسئلتها.

بعد عام ونصف العام تحوّلت الغرفة المهجورة إلى قبلة للطلاب الذين كانون يأتون للقراءة، في الكتب وعبر الكمبيوتر، يأتونها قبل الطابور الصباحي، وخلال الاستراحة، وحصص الفراغ.

عثمان بذلك لم يغير فقط من الصورة النمطية الشائعة عن أمين المكتبة المدرسية باعتباره الموظف «فاضي الأشغال» في المدرسة، والذي يثير حسد بقية المعلمين، وسخط مدير المدرسة الذي يبدأ بتكليفه بأعمال إدارية مثل الحلول محل معلمين غائبين، أو جمع التبرعات، أو حتى جلب البريد من مديرية التربية، هو غيّر أيضاً الصورة النمطية عن المكتبة باعتبارها مكاناً يرتاده الطلاب المتفوقون فقط، فهناك، كما يقول، الكثير من الطلاب الذين لا يجيدون القراءة والكتابة يأتون ويتصفحون القصص لمطالعة صورها.

مكتبة الأحنف بن قيس هي انعكاس لواقع المكتبات المدرسية في المملكة، التي تتراوح بين مكتبات مفعّلة بشكل حقيقي، تمارس دورها المفترض كركنٍ مهم في العملية التعليمية، وأخرى ليست أكثر من أماكن لتجمع المعلمين في حصص الفراغ لتناول الطعام وشرب الشاي والقهوة، وهذه هي الحال في مدرسة ماجد، وهو اسم مستعار لطالب في الصف التاسع يقول إنه لا يجد في الغالب ما يمكن قراءته في مكتبة مدرسته، فالغالبية العظمى من الكتب فيها هي كتب للكبار تناسب المعلمين، وهناك القليل من قصص الأطفال «المهترئة».

واقع المكتبة في مدرسة فاطمة، وهي معلمة لغة عربية في مدرسة أساسية للبنات هو وضع حسب وصفها «غرائبي»، فالمكتبة، كما تقول، قاعة فسيحة مضيئة، مزودة بأثاث حديث، وكل ما فيها بالغ النظافة والترتيب، الكتب منظمة على الرفوف بنظام يفوق الموجود في مكتبات الجامعات، لكن هذا كله «معرض»، وللمحافظة على نظامه فالطالبات لا يسمح لهن باستعارة إلا عدد محدود من قصص للأطفال وبضع كتب أخرى وضعتها أمينة المكتبة على رف خاص.

فاطمة تقول إن أمينة المكتبة بهذه الطريقة تريح نفسها، فهي من ناحية لا تعود مضطرة إلى العناية اليومية بنظافة المكتبة وترتيبها، ولا الدخول في إشكالات التالف والمفقود عند إجراء عمليات الجرد. وتقول إنها شاهدت أكثر من مرة أمينة المكتبة تصرخ على طالبات وضعن أيديهن على الطاولات بدعوى أن أصابعهن تترك بقعاً على سطحها.

وفق التعليمات، يجب أن يقوم المعلمون باصطحاب طلابهم في زيارات صفية إلى المكتبة، ولكن الحال مختلف في مدرسة فاطمة فـ«الأمينة تقوم بالاتفاق مع المعلمة بإرسال مجموعة القصص إياها إلى الصف لتوزع على الطالبات ثم تسترجع في نهاية الحصة، وتدون هذه الحصة في سجلات المكتبة، بوصفها زيارة قامت بها طالبات الصف إلى المكتبة».

عدم تفعيل المكتبة في كثير من المدارس يبدو أنه ليست له علاقة بقصور التشريعات، بحسب تربويين، فوزارة التربية أفردت قسماً خاصة للمكتبات المدرسية في جهازها التربوي يقوم بصياغة سياسة المكتبات ومتابعة تنفيذها، كما أنها صاغت قوانين اعتنت بأدق تفاصيل إنشاء المكتبات وتزويدها بالأثاث والكتب ومختلف اللوازم.

ووفق بيانات قسم المكتبات المدرسية فإن هناك مكتبة في كل مدرسة، والغالبية العظمى منها هي قاعات مستقلة، في حين ألحقت المكتبة في عدد قليل من المدارس المستأجرة بغرف السكرتاريا، وحتى هذه فقد عُيّن لها أمناء مكتبة متفرغون، صدر نظام العام 2007 ليشترط نيلهم درجة البكالوريوس في المكتبات، أو الدبلوم فيها كحد أدنى.

ويؤكد رئيس قسم المكتبات المدرسية في الوزارة عبد المجيد أبو جمعة أن هناك زهاء سبعة ملايين كتاب في مكتبات المدارس تم شراؤها بشكل أساسي من ميزانية التبرعات المدرسية، حيث حدد القانون لمكتبة المدرسة نسبة 15 في المئة ، يتم شراؤها من قبل لجنة تشكلها المدرسة من المدير ومعلمين وأمين مكتبة وطلاب من جماعات أصدقاء المكتبة، يقوم هؤلاء بتحديد ما يرغبون بشرائه من كتب ويرسلون القوائم إلى دور النشر، ليرسو الشراء بعدها على الدار التي تقدم السعر الأفضل.

هذه النسبة لا توفر دائماً مبلغاً جيداً. عثمان كان يتلقى أقل من ستين ديناراً كل عام لشراء الكتب، لهذا ابتكر طريقة للتغلب على شح الموارد، فقد قام بتزويد المكتبة بمئات الكتب الإلكترونية من قصص للأطفال وموسوعات علمية، إضافة إلى عشرات البرمجيات، وقد حصل على معظمها من سورية بمبالغ زهيدة.

يعترف أنها جميعها «مقرصنة»، فهو يرى أن اتفاقية الغات هي ترف بالنسبة لأطفال الفقراء الذين يمتلكون هم أيضاً الحق في القراءة. من ناحية أخرى، فقد استطاع عَبْرَ التواصل مع أولياء أمور طلبة من الحصول على مجموعة من الكتب رفد مكتبته بها.

واحد من التحديات التي تواجه أمين المكتبة هو ما يقوم به بعض مدراء المدارس، من تجيير ميزانية المكتبة إلى أغراض أخرى، وهو أمر يقول أبو جمعة إن التشريع منعه، لكن نوعاً من المرونة مطبق في الميدان «نفترض أن مدير المدرسة هو الأكثر معايشة للوضع في مدرسته، وهو الأدرى بترتيب الأولويات، وأحياناً تكون هناك ضرورة ملحة لأمور على حساب أخرى، مثلاً تبديل زجاج مكسور في الشتاء أولى من شراء كتاب».

ويلفت إلى أن الوزارة خصصت ميزانية سنوية تراوح بين 20 و 25 ألف دينار لشراء كتب تُمنح بشكل أساسي، إلى المكتبات المدرسية الفقيرة.

«الفرق بين مكتبة وأخرى هو الفرق بين أمين مكتبة وآخر»، هكذا يفسر أبو جمعة واقع التفاوت في أداء المكتبات المدرسية، وهو يرى أن مدير المدرسة هو المسؤول الأول عن أداء فريقه، والوزارة تقوم بتنفيذ آلية متابعة دورية تتم من قبل مسؤول المكتبات في المديرية، بمعدل زيارة كل شهر على الأقل، إضافة إلى الزيارات الفصلية لقسم المكتبات المدرسية.

ويضيف أن الوزارة في النهاية لا تهمل أي شكوى، ووصلتها بالفعل شكاوى من أولياء أمور وتمت متابعتها.

لكن الشكوى ليست مطروحة بالنسبة لفاطمة التي تقول إن هذا سيخرب علاقتها بزميلاتها، وهي تحمّل الوزارة مسؤولية الوضع المتردي لبعض المكتبات، وترى أن عليها تطوير أدوات المتابعة التي لا تتجاوز، في أحيان كثيرة، متابعة السجلات «التي يجيد بعضهم إعدادها».

يُذكر هنا أن إصدارات وزارة الثقافة قلّما تصل إلى مكتبات المدارس الثانوية، ممّا يثير تساؤلاً عن التنسق بين وزارة التربية والوزارات التي تُصدر كتباً.

المكتبات المدرسية - بعضُها ناشط وأخرى مهجورة
 
01-Nov-2009
 
العدد 5