العدد 5 - الملف | ||||||||||||||
تساهم مراكز الدراسات والبحوث في الأردن في إنتاج كتب تغطي مجالات متنوعة ذات صلة بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي بلد ُيعدّ فيه إنتاج الكتاب «تجارة خاسرة»، فإن إنتاج مراكز الدراسات لمئات من الكتب، يُمثلّ مساهمة قيّمة. ويُشكّل طلبة الجامعات والإعلاميون والباحثون والأكاديميون والدبلوماسيون ونشطاء منظمات المجتمع المدني في الأردن وخارجه، أهم مصادر الطلب على المطبوعات التي تنتجها تلك المراكز. مؤسس ومدير مركز الأردن الجديد للدراسات الباحث هاني الحوراني، يرى أن مراكز الدراسات هي صاحبة أهم ما أنتجه الفكر العربي في الفترة المعاصرة، بما في ذلك نشر أعمال مؤتمرات وندوات متخصصة تُطرح فيها أكثر الأفكار جدّة، التي ربما لم تُنشر حولها أبحاث مستفيضة أو لم يصدر بشأنها كتب حديثة. يؤكد الحوراني أن الكتب الصادرة عن مراكز الدراسات تعكس نوعاً من العصف الفكري حول القضايا المعاصرة، و«تتجاوز بأهميتها الكتب المتخصصة التي تصدرها دور النشر، لأنها تنطوي على مضامين ذات صلة بالواقع والممارسة العملية». أما مؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية الكاتب عريب الرنتاوي، فيرى أن مراكز الدراسات تتمتع بميزة أن إنتاجها يتصل بمشاريعها البحثية وبرامجها التي تعمل عليها، مستخلصاً أن إصداراتها تتركز في حقل أو حقول محددة، وإن تكن «محكومة بمنهجية واحدة، ما يكسبها لوناً وطابعاً ونكهة مغايرة لجملة الكتب التي تصدرها دور النشر». ويلفت الرنتاوي إلى أن 90 في المئة مما ينتجه مركز القدس يتصل بموضوع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الأردن والمنطقة. نشأة مراكز الدراسات والبحوث الأهلية في الأردن ارتبطت بعودة الحياة النيابية في العام 1989. ورغم أن عدداً محدوداً من المراكز سجّل رسمياً في وزارة الصناعة والتجارة قبل العام 1993، مثل مركز الأردن الجديد للدراسات ومركز دراسات الشرق الأوسط، إلا أن البداية الفعلية لنشاط مراكز الدراسات ارتبطت بصدور قانون المطبوعات والنشر رقم 10 لسنة 1993 الذي حدّد شروط الترخيص لتلك المراكز. فئة أخرى من مراكز دراسات، تأسست في الجامعات الأردنية، أهمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومركز الدراسات الأردنية في جامعة اليرموك. وبرغم أن هذين المركزين أقيما قبل العام 1989، إلا أن نشاطهما الفعلي تلا حقبة الانفراج الديمقراطي. وباستثناء مركز الدراسات الاستراتيجية الذي يواصل أنشطته البحثية وإعداد التقارير حول السياسات وقضايا إقليمية، إلى جانب عشرات استطلاعات الرأي حول الأداء الحكومي والنيابي وحالة الديمقراطية وقضايا أخرى محلية وإقليمية منذ العام 1993، فإن مراكز الدراسات الأخرى في الجامعات الحكومية، خضعت إلى إعادة هيكلة باتجاه قضايا التدريب والاستشارات وخدمة المجتمع المحلي. ومركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية هو فعلياً وحدة أكاديمية من وحدات الجامعة الأردنية، وليس مؤسسة خاصة، لكنه رغم ذلك يُعدّ المركز الأهم من حيث نوعية إصداراته والجرأة العلمية في طرح القضايا وإصدار التقارير. وقد فاز مطلع العام الجاري بالمرتبة الثانية بين أفضل خمسة مراكز في آسيا وإفريقيا، وفق دراسة أجراها برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا (فيلادلفيا) في الولايات المتحدة. مدير مركز الدراسات الاستراتيجية نواف التل، أوضح لـ ے أن المركز أنتج منذ العام 1994، ما يزيد على عشرين كتاباً في حقول مختلفة، لافتاً إلى أن سياسة النشر تركز على نشر الأبحاث النوعية التي يجريها المركز والمتعلقة بقضايا مفصلية مثل كتاب العلاقات الأردنية الفلسطينية: إلى أين؟- أربعة خيارات للمستقبل، العام 1997، معان أزمة مفتوحة، العام 2004، إضافة إلى عدد من أعمال المؤتمرات التي تسمح بإنتاج كتب مرجعية، مثل الاقتصاد الأردني: المشكلات والآفاق، العام 1994، والاقتصاد الأردني في بيئة متغيرة، العام 2004. حتى بدايات الألفية الثالثة، كان نمو مراكز الدراسات الأهلية معتدلاً، إذ بلغ عددها نحو الثلاثين مركزاً، لكن السنوات التالية شهدت نمواً بحيث تجاوز عددها المئة في العام 2005، لكن جزءاً من هذه المراكز بقي حبراً على ورق، أو توقف عن العمل بعد أن خطا خطوات محدودة. ولهذا فإن من بين زهاء عشرين مركزاً لها نشاط مستمر، فإن أقل من نصفها تعدّ منتجة للكتاب. في مقدمة هذه المراكز الأهلية، مركز الأردن الجديد للدراسات الذي أنتج ما يزيد على مئة كتاب في شتى التخصصات وعلى رأسها المجتمع المدني والديمقراطية. وتتبع للمركز دار سندباد للنشر التي برغم أنها لا تعمل بمعزل عن نشاط المركز، إلاّ أن إنشاءها شجّع المركز على تنويع إصداراته، لتشمل المذكرات والأدلّة وغيرها. مركز دراسات الشرق الأوسط، أنتج من جهته ما يزيد على 50 عنواناً، وتتسم إصداراته بأن معظمها يدور في فلك القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. الجيل الثاني من مراكز الدراسات، يشتمل على مراكز يمثل إصدار الكتب مكانة متميزة في أنشطتها، مثل مركز القدس للدراسات السياسية الذي تأسس العام 2000، وأصدر ما يزيد على 20 كتاباً. وهناك مراكز تتجه نحو أشكال من التخصص في إنتاجها للكتب مثل المركز الأردني للبحوث الاجتماعية لمؤسسه أستاذ علم الاجتماع موسى شتيوي، ومركز داميا للدراسات البرلمانية لمؤسسه أستاذ العلوم السياسية والأمين العام السابق لمجلس النواب محمد مصالحة. الرنتاوي يرى أن إنتاج مراكز الدراسات من الكتب متفاوت، ولا يوازي طاقتها المتاحة، ويعزو ذلك في أحد جوانبه الرئيسية إلى عدم وجود طلب حكومي على إنتاج المراكز رغم أن الحكومة يفترض أن تكون «الزبون» الأكبر لمراكز الدراسات. ويستدرك أنه «حتى عندما يكون هناك طلب، تتدخل المعايير السياسية أكثر من المعايير المهنية لطلب البحث أو الخدمة»، مؤكدا أن الحكومة ليست وحدها الملامة، فهناك عدد كبير من المراكز، لكن يعتريها ضعف في المهنية والمؤسسية، ما يرى أنه يمثل انعكاساً سلبياً على الطلب. ويتفق الرنتاوي والحوراني على أن الطلب الاجتماعي على الكتاب ضعيف أيضاً، على صعيد قطاع الأعمال والجامعات. ويذكّر الحوراني بشيء من التندر أن «كتّاب المناسبات» يعرفون كيف يقتنصون الفرص أفضل من مراكز الدراسات، رغم الإنتاج الخاوي من القيمة الذي يقدمونه. بمقارنة إنتاج مراكز الدراسات مع الجامعات، يرى الحوراني أن «مراكز الدراسات تسهم عملياً بتغطية النقص الكبير في إنتاج الجامعات من الكتب»، وتوفر أحياناً التمويل اللازم لإجراء بحوث مكلفة حول مواضيع مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، تنأى الجامعات عن الاقتراب منها، فيما يؤكد الرنتاوي أن مراكز الدراسات تؤدي دوراً لا يقل أهمية عن دور الجامعات مع أن الأخيرة لديها من الإمكانيات البشرية والمعنوية والمادية، ما يؤهلها لأن تكون منتجاً رئيسياً للمعرفة والكتب في سائر المجالات، وأن تمارس دورها كمطابخ لإنتاج الأفكار، وفضاءات للحوار الاجتماعي. ويعزو الرنتاوي غياب هذا الدور إلى ظروف «الهيمنة على مقدرات الجامعات» التي يغلب فيها العنصر الأمني، سواء في اختيار الإدارات، أو في إبعاد الجامعات عن العمل السياسي. |
|
|||||||||||||