العدد 5 - الملف
 

انتقال المكتبة الوطنية إلى مبناها الجديد بالقرب من المركز الثقافي الملكي في شباط/ فبراير الماضي، جاء بعد زيارة قام بها الملك

عبد الله الثاني إلى المقر القديم قبل ستة أعوام، اطلع خلالها على الأوضاع الصعبة التي كانت المكتبة تعمل من خلالها، ليوعز بنقلها.

هذا الانتقال، يأمل باحثون عايشوا المكتبة في عهدها السابق أن يمثل نقلة وفتحا لصفحة جديدة تتمكن فيها المكتبة من القيام بدورها الذي يقول كثيرون إنها لم تستطع في السابق النهوض به على الوجه الأكمل.

صدر نظام المكتبة الوطنية في العام 1994، وكانت الوريث الشرعي لمديرية المكتبات والوثائق الوطنية التي كانت أنشئت العام 1977.

النظام نص على أن الرؤية الأساسية التي قامت عليها هي «المحافظة على الذاكرة الوطنية، وإدامتها وصيانتها وحمايتها ونقلها للأجيال القادمة»، وهي رؤية تنسجم تماماً مع المفهوم العالمي لدور المكتبات الوطنية، فوفق ويكيبيديا، المكتبة الوطنية هي مكتبة تنشئها الدولة لتكون مستودع معلوماتها الوطنية، وتضم الكتب القيمة والنادرة والأعمال المهمة، وهي تختلف عن المكتبات العامة في البلد ذاته، أولاً، في الحجم إذ تتميز المكتبات الوطنية بالضخامة، وهي من ناحية أخرى لا تقدم خدمة الإعارة للمواطنين كما هو حال المكتبات العامة.

وتعتبر مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة واحدة من أضخم المكتبات الوطنية في العالم، إضافة إلى المكتبة الأوروبية، وهي مكتبة مشتركة تضم المكتبات الوطنية لدول القارة الأوروبية.

عالمياً حددت وظائف المكتبة الوطنية بجمع وحفظ نسخ من جميع المطبوعات التي تصدر داخل الدولة وما يصدر خارجها من أعمال مهمة، إصدار البيبلوغرافيا الوطنية، جمع ما يكتب عن الدولة بمختلف لغات العالم في مختلف المجالات وحفظه وتنظيمه، حفظ الوثائق المخطوطة المعاصرة والقديمة، إضافة إلى منح تصنيف ورقم إيداع لكل كتاب يصدر داخل الدولة.

فهل كانت الظروف مهيأة للمكتبة الوطنية الأردنية كي تقوم بما سبق؟

الإجابة لدى كثيرين عايشوا الوضع في المقر القديم هي إلى حد كبير «لا»، فخالد وهو باحث فضل عدم ذكر اسمه، ذهب قبل ست سنوات من أجل التقاط صور فوتوغرافية لصفحات من جرائد قديمة لغايات بحث كان يقوم به، قال إن التجربة لم تكن سارة أبداً، خالد نزل إلى أرشيف الصحف الذي كان موجوداً في قبو المبنى، وفي القاعة الخالية من أي منفذ للتهوية كانت رائحة الرطوبة والعفونة التي سببها رشح مياه الأمطار خانقة، أما الجرائد نفسها فكانت شبه مهترئة.

هذا الوضع تؤكده المديرة السابقة لدائرة الدراسات في المكتبة سهير التل، فالمقر القديم الذي كان مستأجراً، ولم تكن مساحته تتجاوز الـ2500 متر مربع لم يكن بحسبها مصمماً ليكون مؤسسة تقدم خدمة عامة، وهو إضافة إلى رداءة تصميمه كان يعاني من مشاكل أساسية في مرافقه.

التل التي عملت في المكتبة الوطنية في الفترة ما بين 1997 إلى العام 2005 حين تقاعدت تلفت إلى أن الرطوبة والعفونة وهي العدو الأول للوثائق لم تكن هي الخلل الوحيد، بل آلية الأرشفة والتصنيف التي كانت تتم بطريقة بدائية.

تقول إنها نفسها وخلال بحث قامت به قبل سنوات عن المؤتمرات التي عقدت في الأردن، اضطرت عند دخولها إلى القاعة التي تحوي الوثائق إلى تفحصها ورقة ورقة للوصول إلى ما تريد، وهو أمر أكده الباحث والمؤرخ الأردني بكر المجالي الذي يقول إن الوثائق كانت مخزنة بطريقة كانت تضطر الباحث أحياناً إلى تقليب آلاف الصفحات قبل الوصول إلى مبتغاه.

المجالي الذي ينتقد بشدة أداء المكتبة الوطنية في مقرها القديم فيما يتعلق بآلية حفظ الوثائق، يلفت إلى مفارقة هي أن الوثائق التي تؤرخ لماضي الأردن من سجلات محاكم شرعية، وسجلات نفوس، وطابو هي في الحقيقة نتاج جهود توثيق قام بها العثمانيون والإنجليز أيام انتدابهم في الأردن، إضافة إلى جهود توثيقية تمّت في عهد الملك عبد الله الأول، لكن حركة التوثيق «بدأت بعدها بالانحدار حتى وصلت الآن مرحلة الانحطاط». المفارقة في رأي المجالي هي أنه في الوقت الذي لم تنجز فيه جهود توثيقية حقيقية فإن ما هو موجود من وثائق كان محفوظاً في «بناء آيل للسقوط غير صالح لأن يكون حتى مستودعا».

انتقاد آخر يوجه إلى أداء المكتبة الوطنية في مقرها القديم يتمثل في عجزها عن النهوض بواحدة من المهام الأساسية التي تنهض بها المكتبات الوطنية في العام، وهي أن تكون مرجعاً للباحثين، فالتل تقول إن مساحة القاعة المخصصة لمطالعة الباحثين في المقر القديم لم تكن تتجاوز العشرة أمتار، وكانت مزودة بطاولة واحدة فقط مع مقعد وحيد. وتضيف إنه لم يكن هناك مجال للمطالعة داخل المكتبة، وعندما كان الباحثون يطلبون تصوير أجزاء من الكتب من أجل مطالعتها في الخارج كانوا يصدمون بأن آلة التصوير الوحيدة في المكتبة كانت موجودة في الديوان ومخصصة لاستخدام الموظفين فقط «كانت المشكلة تحلّ إذا كان لدى الباحث معارف من موظفي المكتبة، حينها كان يسمح له باستخدام الآلة».

المشهد بحسب المدير العام لدائرة المكتبة الوطنية مأمون التلهوني تغير، فالمبنى الجديد المصمم وفق المواصفات العالمية المناسبة لحفظ الكتب والوثائق والمتعلقة بدرجات الحرارة والرطوبة والتهوية، تبلغ مساحته 13500 متر مربع، ويضم مكتبة عامة تحتل طابقين، بمساحة إجمالية 3000 متر مربع، وهي مزودة بطاولات ومقاعد وخلوات للباحثين، وتضم 53 ألف عنوان باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى ما يزيد عن الألف عنوان من الدوريات المحلية والدولية

المساحة الجديدة مكّنت المكتبة من تقديم خدمات لفئة لم تكن مستهدَفة في العهد السابق، وهي فئة الأطفال والفتيان الذين تم افتتاح قاعة خاصة لهم مزودة بما يقارب 5400 عنوان.

وبما يتعلق بعملية الأرشفة والتصنيف، فتجري، بحسب التلهوني، عملية استبدال تدريجية لطرق التصنيف والأرشفة اليدوية التي كانت متبعة في الماضي حيث يتجه الوضع إلى حوسبة جميع الوثائق الموجودة في المكتبة، وقد تم فعلاً إنجاز حوسبة الجريدة الرسمية من العام 1923 إلى آب/أغسطس 2009، وربطها على شبكة الإنترنت من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالدائرة www.nl.gov.jo، إضافة إلى حوسبة مجموعة من الخطابات للملك الحسين، والملك عبد الله، والأمير الحسن، ومذكرات لمجلس الأمة وبعض الاتفاقيات الثقافية الدولية.

هذه التطورات المهمة في عمل المكتبة رافقها ازدياد واضح في عدد مرتاديها ففي الوقت الذي لم يكن يزيد فيه عدد مرتاديها في المتوسط على 50 شخصاً، فإن هناك ما يقارب الـ 150 باحثاً يزورونها يومياً، وذلك بحسب الناطق الإعلامي للمكتبة أحمد الشرايري.

ولكن انتقادات كثيرة توجه إلى ساعات دوام المكتبة التي لا تتناسب نهائياً مع أوقات مرتاديها، فدوام المكتبة يمتد من الساعة الثامنة والنصف صباحاً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر، من الأحد إلى الخميس، وهي الأوقات التي يكون فيها الطلاب في جامعاتهم ومدارسهم، والموظفون في أعمالهم.

من هنا يشير الشرايري إلى توجه لتمديد ساعات الدوام، الذي تم فعلاً خلال شهر رمضان الفائت عندما فتحت المكتبة أبوابها ساعتين إضافيتين من الساعة التاسعة ليلاً إلى الحادية عشرة.

المكتبة الوطنية: هل يسهم المقر الجديد في تخطّي العقبات؟
 
01-Nov-2009
 
العدد 5