العدد 5 - محلي
 

إصلاح العمل البرلماني أولوية وطنية، لما له من انعكاس على أداء المجلس النيابي بوصفه سلطة تشريعية، وعلى دوره في ممارسة الرقابة على الأداء الحكومي.

المدخل المباشر المتاح لتفعيل الأداء النيابي وإصلاحه، يكمن في إدخال تعديلات جوهرية على النظام الداخلي لمجلس النواب.

النائب محمد أبو هديب (العاصمة) يرى أن أساس الإصلاح في مجلس النواب هو إصلاح النظام الداخلي ليكون أكثر فاعلية وعملية، إلا أن المجلس لا يُبدي في محصلة قراره «حرارة» في الذهاب نحو تعديل النظام الحالي الذي أُقِرّ منذ 13 سنة.

مع ذلك، يصر النائب مفلح الرحيمي (جرش) على أن التعديل يمثل أولوية نيابية قصوى، مستشهداً بوجود مجموعتين من النواب تقدمتا بمشروعين لتعديل النظام الداخلي، أُحيلا إلى اللجنة القانونية. فيما يفسر النائب بسام حدادين (الزرقاء) عدم تعديل النظام حتى الآن، بأنه يعكس «عدم إدراك كافٍ للقوة التي يمنحها التعديل للمجلس»، وأن من يدركون ذلك ربما «يميلون إلى الإبقاء على البعد الفردي في قواعد اللعبة الداخلية».

عدنان الهياجنة، أستاذ العلوم السياسية، يتساءل: إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور إصلاحي لمجلسِ نوابٍ، وصلت أكثرية من أعضائه إلى القبة في ظل شبهات بعدم نزاهة الانتخابات؟ ويضيف أن إصلاح العمل النيابي يتطلب أيضاً إغلاق الباب أمام استئثار النواب بامتيازات خاصة بهم، مثل الإعفاء الجمركي لسياراتهم وغيره، لأن الأساس أنهم مطالَبون بالدفاع عن مصالح كل المواطنين.

مأسسة الكتل النيابية تحتل مكانة متقدمة ضمن أولويات تعديل النظام الداخلي بالنظر إلى ضعف الحضور الحزبي تحت القبة. فحتى أواخر آب/أغسطس 2009، لم يكن هناك في مجلس النواب من قوى حزبية منظّمة سوى كتلة جبهة العمل الإسلامي من ستة أعضاء.

التطور الجديد على هذا الصعيد، يتمثل في إعلان وزارة الداخلية رسمياً يوم 31 آب/أغسطس 2009، عن تأسيس حزب التيار الوطني بـ2000 عضو. تلا ذلك تعديل اسم «كتلة التيار الوطني» في مجلس النواب ليصبح «كتلة حزب التيار الوطني». ويتعين بطبيعة الحال انتظار الدورة البرلمانية الثالثة للحكم على أداء الكتلة الوليدة بوصفها كتلة حزبية، والتعرف على مدى التزام أعضائها بالسلوك الحزبي.

حدادين يشدّد على أهمية أن يعترف النظام الداخلي بالكتل والتجمعات البرلمانية، ويحدد آلية تشكيلها والانتقال منها، ويبين المزايا والخدمات المساندة المخصصة لها من مثل السكرتارية والمستشارين وربما الموازنة أيضاً.

يتفق الرحيمي، أحد أقطاب كتلة حزب التيار الوطني (54 عضواً)، مع الدعوة لتعديل النظام الداخلي للمجلس في الاتجاه الذي يكفل مأسسة الكتل النيابية.

مشروعان لتعديل النظام

«تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب» كان أُدرج للمرة الأولى في عهد المجلس الخامس عشر في الدورة الاستثنائية الأولى (1/6-12/7/2008)، دون أي تحديدات، ما يفيد أن الوثيقة خاضعة بكل بنودها للتعديل. وقبل عشرة أيام من انتهاء الدورة، تقدّمَ 16 نائباً بمشروعٍ لتعديل النظام (مشروع الـ16). وساد الانطباع أن المشروع الذي وقّع عليه نواب من كتلتَي التيار الوطني والإخاء ومستقلين، سيشكل، وحده، أساس المراجعة.

ولاحتواء انتقادات عدد من النواب بأن هذه التعديلات لا تتناول النظام الداخلي بمجمله، اقترح رئيس المجلس عبد الهادي المجالي على «مَن لديه مقترحات لتعديل النظام أن يزود بها اللجنة القانونية». وبعد أيام، تقدم 13 نائباً غالبيتهم من المستقلين وكتلة الإخاء، بمبادرة من النائب بسام حدادين، أحد أقدم أربعة نواب في المجلس، بمشروع تعديلات جديد (مشروع الـ13) إلى اللجنة القانونية.

المشروعان اقترحا تعديل ما مجموعه 18 مادة من أصل 164 مادة. وفيما اتفقا على أن «لأعضاء المجلس تشكيل الكتل التي يرونها مناسبة»، اقترح المشروع الأول الذي يحظى بدعم كتلة التيار الوطني، أن تسمي الكتل مندوبيها في اللجان الدائمة، «على أن يفقد عضو الكتلة عضويته في اللجان حال انسحابه من الكتلة»، لضمان استمرار تماسك الكتل.

أسئلة وأجوبة شفهية

من المقترحات اللافتة التي أوردها المشروع الثاني، وأكد عليها حدادين، تخصيص نصف ساعة في بداية كل جلسة لأسئلة شفهية تقدمها الكتل النيابية وتجيب عنها الحكومة فوراً، وتكون الأسئلة والأجوبة مختصرة.

في الوضع الحالي، جرت العادة أن يخصص رئيس مجلس النواب في مستهل بعض الجلسات وقتاً لبند «ما يستجد من أعمال»، غير أن هذا البند يُستعمَل في معظم الأحيان بوصفه حيزاً يعبّر فيه النواب عن آراء أو مطالب يرون أنها مستعجَلة، أو لإيصال «رسائل» إلى الحكومة، وقلّما يجد رئيس الوزراء أو الوزراء المعنيون حاجة للرد أو التوضيح.

اقتراح توجيه أسئلة مباشرة للحكومة أو أحد الوزراء يعطي الموضوع نكهة مختلفة تماماً، لأنه يجعل من هذا الحيز فرصة للتفاعل والرقابة «الساخنة» على الأداء الوزاري، بحسب حدادين. وإذا ما تم الأخذ بهذا المنحى، فإن النصف ساعة هذه، ربما تتحول إلى أهم نصف ساعة إعلام في اليوم، وستضع المجلس في بؤرة اهتمام وسائل الإعلام الداخلي والخارجي، وقد تحفز المواطنين على متابعة الجلسات النيابية.

هيكلة عمل اللجان

تركيبة اللجان النيابية الدائمة ودورها، أمرٌ يقع هو الآخر في مرتبة متقدمة ضمن اهتمامات طيف واسع من النواب. فقد التقى مشروعا التعديل للنظام الداخلي على تشكيل اللجان الدائمة وفق مبدأ التمثيل النسبي.

حدادين يدعو أيضاً إلى اعتراف النظام الداخلي بالتعددية السياسية والنيابية من خلال تمثيل جميع مكونات المجلس في الهيئات القيادية واللجان الدائمة والوفود البرلمانية على قاعدة التمثيل النسبي، بما يمنع الهيمنة والتفرد والإقصاء.

إحدى أكثر النقاط توافقاً في المجلس، هي أن تصبح اللجان الدائمة المطبخ الرئيسي لمناقشة وإنضاج التشريعات والقضايا المدرجة على جدول أعمالها، وأن تصوّت الجلسة العامة أو «الندوة البرلمانية» على الاقتراحات الواردة من اللجان.

يذكّر أبو هديب بالطريق العشوائية التي ما زالت تتشكل بها اللجان الدائمة، وكيف يتم الهيمنة عليها من خلال العدد، وليس من خلال الكفاءة والخبرة والأقدمية، مفسّراً بهذا أن النقاش الأهم يقع تحت القبة وليس في اللجان، لافتاً إلى أن تعديل النظام في اتجاه حصر المناقشة في اللجان والتصويت تحت القبة، من شأنه أن يوفر الوقت والجهد ويعطي نتائج أفضل.

يتفق الهياجنة مع هذا التوجه بالتركيز على الخبرة، مستشهداً ببرلمانات عريقة مثل الكونغرس الأميركي، ولافتاً إلى أن هذا ينعكس على نوعية التشريعات من حيث الصياغة والمضمون.

الرحيمي يؤيد التوجه الذي جرى تضمينه لمشروعَي تعديل النظام حول توزيع الأدوار بين اللجان والجلسات العامة، ويضيف: إذا كان لدى أيٍّ من النواب مقترحات لتعديل مشروع قانون، فإنه يستطيع أن يبعث بها مباشرة إلى اللجنة المختصة، وإذا لم تأخذ اللجنة برأيه، يكون له الحق في تسجيل مخالفة تحت القبة، لتوضيح مقترحه، وللجنة المعنية دون غيرها أن توضح سبب عدم الأخذ باقتراحه.

وفيما شدّد الرحيمي على أهمية هذا التوجه تجنُّباً لهدر وقت المجلس، ذكّر بممارسات خاطئة، تُستعمَل فيها الفزعة والمخاجلة أثناء التصويت، مشيراً إلى أن نواباً يصوّتون وهم لا يعرفون على ماذا يصوّتون، أو يغيّرون تحت القبة رأيهم الذي دافعوا عنه في اللجنة الدائمة، موضحاً أن هذا ينعكس على نوعية التشريع وعلى مصلحة الوطن ومستقبل أجياله.

مدونة سلوك

مسألة أخرى على جانب كبير من الأهمية توقّف أمامها أبو هديب، هي غياب مدوّنة سلوك لأخلاقيات العمل البرلماني، مؤكداً الحاجة إلى نظام مؤسسي يعالج مشكلة السلوك الفردي بما في ذلك الغياب عن الجلسات العامة، وعن اجتماعات اللجان، و«بخاصة أن هناك غياباً متكرراً لكثير من الزملاء»، وأن الأمر يبدو عادياً بالنسبة لهم. ويضيف: «عدد الذين يلتزمون بالحضور زهاء 45 نائباً، والباقون لا يحضرون بانتظام، ولديهم الاستعداد لمغادرة المجلس في أي لحظة بصرف النظر عن أهمية الموضوع أو التشريع المطروح للبحث»، ويستخلص ضرورة أن يكون هناك لجنة سلوك لمراقبة الأداء.

هذه اللجنة يسميها مشروع الـ16، لجنةَ النظام، مقترحاً منح رئيس مجلس النواب صلاحية حرمان العضو المخالف من المشاركة في الوفود ومن حضور عدد من جلسات المجلس.

ربما يكون النظام الداخلي السابق الصادر العام 1952، على حقّ في تقرير عقوبة مادية على الغياب. فقد نصّ على وجوب أن يتلو الأمين العام في كل اجتماع أسماء الأعضاء الذين لم يحضروا الاجتماع الذي سبقه، فإذا ظهر للمجلس أن التغيُّب لم يكن ناشئاً عن عذر مشروع «فله أن يقرر بأكثرية الآراء حسم مبلغ من مخصصات العضو المتغيب عن كل جلسة يتناسب مع مياوماته». ومع أن النظام الحالي الصادر العام 1996، تخلّى عن العقوبة المالية على الغياب، لكنه بيّن في نظام الجلسات أنه يتعين بعد إعلان افتتاح الجلسة أن «تُتلى أسماء النواب الغائبين بعذر، فالغائبين من دون عذر»، لكن الأمين العام للمجلس يتلو الغيابات بعذر، ولا يأتي على الغيابات من دون عذر.

أمين عام مجلس النواب فايز الشوابكة، يفسر ذلك بأنه يعود إلى «وجود توافق في المجلس على عدم تلاوة أسماء الغائبين من دون عذر». ويستشهد على رأيه بأن «لا أحد من النواب يعترض على عدم تلاوة أسماء الغائبين من دون عذر»، موضحاً أن هذا يستند إلى حقيقة أن النظام الداخلي يضعه النواب أنفسهم.

لجان جديدة

هناك قناعة نيابية بضرورة اعتماد تشكيل لجان دائمة جديدة إضافة إلى اللجان الأربع عشرة المقررة الحالية. فمشروع الـ16، يقترح فصل اللجنة المالية والاقتصادية إلى اثنتين، وإضافة لجنتين أخريَين؛ واحدة للنظام وأخرى للمرأة. وانفرد مشروع الـ13 باقتراح لجنة للرقابة الداخلية للتدقيق بقرارات مكتب المجلس الإدارية والمالية.

يوضح حدادين أن اللجنة المالية ينبغي أن تعنى فقط بالموازنة العامة ومراقبة الأداء المالي للحكومة، وإدارة العلاقة مع ديوان المحاسبة حتى لا تبقى العلاقة موسمية معه، وعلى أساس أن تعنى اللجنة الاقتصادية بالسياسات والتشريعات ذات البعد الاقتصادي.

دراسة تقارير ديوان المحاسبة للسنوات 2000- 2007 ظلّت تؤجَّل إلى حين نهض بها مجلسُ النواب الحالي، وناقش المجلسُ تقريرَ لجنته المالية والاقتصادية بشأنها في دورته الاستثنائية الأخيرة (8/6- 10/8/2009).

حدادين أكد على ضرورة وجود لجان دائمة أخرى مثل «لجنة الأمن والدفاع مثل بقية برلمانات العالم، ولجنة لحقوق الإنسان، ولجنة للشفافية ومكافحة الفساد».

بمقارنة النظامين؛ الحالي المُقَرّ العام 1996، والسابق المُقَرّ العام 1952، يجد المرء أن النظام الحالي شكّل نقلة مهمة في مجال اللجان الدائمة التي كان عددها يقتصر على أربع: اللجنة القانونية، اللجنة المالية وأصبح اسمها: المالية والاقتصادية، لجنة الشؤون الخارجية وأصبح اسمها: الشؤون العربية والدولية، واللجنة الإدارية.

اللجان الجديدة التي أضيفت وعددها عشر، هي: التربية والثقافة والشباب، التوجيه الوطني، الصحة والبيئة، الزراعة والمياه، العمل والتنمية الاجتماعية، الطاقة والثروة المعدنية، الخدمات العامة والسياحة والآثار، الحريات العامة وحقوق المواطنين، فلسطين، والريف والبادية.

يحدد النظام الداخلي عضوية اللجان الدائمة بأحد عشر عضواً كحد أقصى، وفي الدورة البرلمانية الثانية، اكتملت عضوية جميع اللجان بالحد الأقصى ما عدا لجنة الريف والبادية التي اقتصرت عضويتها على تسعة أعضاء، ما يشير إلى ان إقرار اللجان بحاجة إلى دراسة أوفى، فقد يكون تشكيل لجنة للتنمية الاقتصادية أجدى مثلاً من تشكيل لجنة للريف والبادية.

النظام الحالي وضع أيضاً تفصيلات واسعة لوظائف كل واحدة من اللجان. ومع ذلك يقع النواب أحياناً في حيرة أين يحولون قانوناً معيناً حينما يشتمل على جوانب مشتركة بين أكثر من لجنة، لا بل يقررون أحياناً اشتراك لجنتين في مناقشة قانون محدد للأهمية.

رغم أن تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، قد أُدرج مجدداً على أجندة الدورة الاستثنائية الثانية، بعد انقضاء الدورة العادية الثانية، إلا أن اللجنة القانونية لم تفلح في الانتهاء من دراسة التعديلات للبت فيها تحت القبة، ربما لانشغالها بدراسة قوانين ملحّة مثل قانون المالكين والمستأجرين، وفق تقديرات الرحيمي.

التصويت الإلكتروني

الهياجنة، أوضح أهمية التعرف المنهجي على تصويت النواب على القوانين، سواء في اللجان أو في الجلسات العامة للمجلس، مؤكداً ضرورة تفعيل التصويت الإلكتروني تحت القبة، لأن هذا وحده هو الذي يوفر إمكانية دراسة مواقف النواب من سائر التشريعات ومن صنع القرار النيابي، وبالتالي معرفة السلوك السياسي للنائب.

ويضيف الهياجنة الذي يشغل حالياً منصب عميد كلية الآداب في الجامعة الهاشمية، أنه إذا ما تم توثيق تصويت النائب على مشاريع القوانين في اللجان الدائمة وتحت القبة، فإنه سيكون لدينا في كل دورة برلمانية كمية جيدة من البيانات يمكن من خلالها تحديد اتجاهات التفكير السائدة في المجلس، وهذا يساعد حتى في التنبؤ بالسلوك النيابي تجاه تشريعات قادمة.

الرحيمي يؤكد: «لدينا نظام تصويتٍ إلكترونيٍّ متقدم جداً، وليس هناك ما يمنع العمل به، باستثناء التصويت على الثقة أو الدستور».

من بين التعديلات القليلة التي أُدخلت على النظام الداخلي الحالي، تعديل أُدخل العام 2006، سمح في غير الحالتين المشار إليهما، أن يتم التصويت «برفع الأيدي أو باستخدام الوسائل التقنية الحديثة وفقاً لما يقرره الرئيس».

تاريخياً، كان هناك معنى للتفريق بين التصويت برفع الأيدي وبين استخدام مفردات «موافق، مخالف، ممتنع»، في التصويت على الدستور، أو مفردات مثل «ثقة، حجب، امتناع»، في التصويت على الثقة بالوزارة أو الوزراء، لأن التصويت برفع الأيدي يعطي نتيجة إجمالية ولا يبين نتيجة تصويت كل نائب. هذا الاختلاف يزول إذا تم استخدام التصويت الإلكتروني الذي يعطي نتيجة تصويت كل نائب سواء صوّت النواب فرداً فرداً بعد المناداة عليهم أو دفعة واحدة.

ورداً على حقيقة أن نظام التصويت الإلكتروني غير مفعّل، مع أنه تم اللجوء إليه ذات مرة في الدورة العادية الثانية بعد أن كان التصويت برفع الأيدي ثم بالوقوف يعطي نتائج غير متطابقة، يرى الرحيمي، أن ضمانة استخدام التصويت الإلكتروني، تتطلب أن ينص النظام الداخلي على الحالات التي يجب أن يُستعمَل فيها، حتى لا يبقى ذلك معوَّماً.

هذا التوجه يمكّن الناخب أيضاً عند الاقتراع أن يكون اختياره مبنيّاً على معرفته بالسلوك التصويتي للمرشحين من النواب السابقين في دائرته؛ هل كانوا مع الضريبة الفلانية أم ضدها، وهل هم من مؤيدي معاهدة ما أم من المناهضين لها، وهل يقفون مع القوانين المناصرة للمرأة أم لا، وهل يؤيدون قوانين التخاصية أم يتحفظون عليها، وهكذا. من هنا «نستطيع أن نعرف المحافظ من الليبرالي، واليميني من اليساري، والإسلامي من القومي على مستوى الموقف الفعلي وليس الادعاء»، حسب ما استخلصه الهياجنة، مضيفاً أنه بهذه الطريقة نستطيع رؤية مجلس النواب بطريقة حقيقية، لأن توثيق تصويت النائب، «يعرِّف بحقيقة موقفه الذي وإن حاول التمويه عليه مرة أو مرتين، ينكشف في نهاية المطاف».

النواب يمارسون الرقابة على السلطة التنفيذية، لكنهم يغفلون حق المجتمع والصحافة والباحثين في الرقابة المنهجية على سلوكهم التشريعي من خلال نظام التصويت الإلكتروني. وهذا يشجع نواباً على عدم التصويت في أي اتجاه، بينما لو جرى تفعيل التصويت الإلكتروني، لاضطر جميع النواب إلى دراسة التشريعات بدرجة أعلى من الجدية، بوصف ذلك خطوة لا بد منها لاتخاذ موقف والجاهزية في الدفاع عنه.

صلاحيات الرئيس

يتفق حدادين وأبو هديب على أهمية إعادة النظر في ما يسمونه صلاحيات رئيس المجلس وهيمنته على المكتب الدائم، بحيث يتحول إلى ناطق باسم ما يقرره المجلس، وأن تُحال صلاحياته الأخرى مثل ارتباط الجهاز المالي والإداري ووضع جدول أعمال المجلس إلى المكتب الدائم، إضافة إلى الاعتراف بحق مجلس النواب في إقرار موازنته المستقلة وحساباتها الختامية وليس مجرد التنسيب بقيمتها الإجمالية.

ويلفت أبو هديب الانتباه إلى ما يسميه «عدم كفاءة الأجهزة الإدارية في المجلس والحاجة إلى إصلاحها».

أمين عام المجلس فايز الشوابكة، يرى أن مثل هذه الشكوى غير منطقية وغير مبررة، لأن كل الإمكانات موضوعة تحت تصرف النواب لأداء دورهم الرقابي والتشريعي، حسب رأيه، «بما في ذلك استشارة أي خبراء في المملكة، وإذا كان طلب الخبرة يترتب عليه نفقات مالية، فإن المجلس يغطي تلك النفقات». ويضيف بأن هناك خلطاً في بعض الأحيان بين إمكانات موظفين يقومون بأعمال السكرتاريا، وبين الواجبات ذات الصلة بدورهم الرقابي والتشريعي المناطة بالأمانة العامة.

هناك تعديلات ضرورية على النظام الداخلي لمجلس النواب تحظى بتوافق وطني واسع حولها، لكنها تحتاج إلى تعديل دستوري. التعديلات تشمل المادة 71 التي تنص على أن «لمجلس النواب حق الفصل في صحة نيابة أعضائه. ولا تُعتبر النيابة باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس». وإلى حين توافر فرصة لتعديل هذه المادة، فإن التحقيق في صحة النيابة ينبغي أن يحال إلى القضاء، وهذا ممكن بتعديل النظام الداخلي للمجلس.

التعديل الآخر يتعلق بمدة الدورة البرلمانية، وهي كما تنص عليها المادة 73، الفقرة الثالثة، أربعة أشهر. وقد أوصت الأجندة الوطنية بتمديد الفترة إلى ثمانية أشهر.

الدور التشريعي

أبدت الأجندة الوطنية 2006-2015 اهتمامها في محور العدل والتشريع بتعزيز مشاركة النواب في الصياغة التشريعية، وأوصت إلى جانب تطوير الهيئة المكلفة بإعداد التشريع في السلطة التنفيذية، بتشجيع النواب على تقديم مبادرات تشريعية وعدم الاكتفاء بما تقدمه الحكومات من مشاريع قوانين بوصف ذلك جزءاً من واجباتهم الدستورية.

الرحيمي يرى أنْ «لا نقص في الدور التشريعي» لمجلس النواب، ما دام الدستور أعطى الولاية في تقديم مشاريع القوانين للحكومة ثم للمجلس، لافتاً إلى أن المجلس يتقدم أحياناً باقتراحات برغبة للحكومة لإعداد تشريعات معينة، وأحياناً يقترح قوانين كاملة مثلما حدث عندما اقترح قانون صندوق دعم الثروة الحيوانية.

الهياجنة يفسر من جهته تفوُّق الحكومة في تقديم مشاريع القوانين الحكومية، إلى أن كفة الحرفية والمهنية متوافرة لديها وليس لدى النواب، مؤكداً أهمية أن يصل القبة نواب لديهم خبرة ومصداقية، لإفادة البلاد من خبراتهم، مشدداً على أن مجلس النواب «ليس هو المكان المناسب ليتعلم الناس فيه، حتى وإن كانوا يكتسبون خبرة مع الوقت».

النظام الداخلي الحالي للمجلس يبيّن آلية تعديله، بأن تدرس اللجنة القانونية مقترحات التعديل و«تقدم توصياتها إلى المجلس خلال مدة شهر على الأكثر، وإلا جازَ للمجلس النظر بالاقتراح مباشرة». لكن يبدو أن المجلس ليس في عجلة من أمره.

المجلس ليس في عجلة من أمره! آليات الرقابة على الأداء النيابي مجمّدة والإصلاح في قفص الانتظار
 
01-Nov-2009
 
العدد 5