لم يكن قرار الخروج الأميركي من المدن العراقية محض صدفة أو كرماً أميركياً، بل هو نتيجة حتمية لضغط ضربات المقاومة العراقية المتتالية، وما تكبدته قوات الاحتلال من نزيف مالي وبشري لم يكن بالوسع تحمُّل تبعاته.

ورغم أن أميركا تضغط لإبقاء قواتها من خلال المعاهدة الأمنية التي ضمنت لها نفوذاً وتواجداً شرعياً يُبقي على ماء وجهها المراق؛ إلا أن المقاومة تعي أن هذه المعاهدة تعني احتلالاً عسكرياً بشكل ما، لأنها تجيز عودة قوات الاحتلال إلى العراق إذا دعت الحاجة، ثم إن القوات الأميركية المتبقية في العراق على شكل قواعد تضم مئات الآلاف من الجنود لا يمكن أن تقدّم إلا رؤية متشائمة لمستقبل العراق.

وحدها الولايات المتحدة تتحمل الفشل بكامل امتداده الذي لا يمكنها التنصّل منه، حتى لو خرجت وتركت العراقيين يداوون جراحاتهم الكثيرة، الناجمة أصلاً عن الغزو، فقد كان قرار الغزو من الأخطاء التاريخية الفادحة، إن لم يكن أهمها وأخطرها في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق، فقد ترك ما لطّخ سمعتها كزعيمة متحضّرة قادت العالم إلى الألفية الثالثة بكل ما رافق ذلك من أحداث جسام.

الخراب الشامل الذي استباح العراق، جرّ صراعاً سياسياً وتطاحناً حزبياً ومحاصصة طائفية، ورافقه فشل أمني وسياسي. فالاحتلال لم يرحم الإنسان العراقي، ولا الأرض ولا التاريخ. وقد قضى على الرموز السياسية في البلاد، واغتال العلماء، ونهب الموارد، ودمّرَ الدولة والإرث الحضاري، واستباح التاريخ، وأعاد العراق عقوداً إلى الوراء، بعدما اشتعلت الفتن الطائفية والمذهبية خدمةً للاحتلال.

التعهّد الأوبامي تمسّكَ بسياسة «انسحاب الجيش الأميركي، وترك العراق لأهله ليقرروا مصيره»، وابتدأ ذلك بنقل المهمة إلى القوات العراقية في المدن، تمهيداً للانسحاب النهائي في العام 2011 الذي يضمن سيادة العراقي على أرضه.

لا يستهدف أوباما من مصادقته على إبرام معاهدة الانسحاب، أكثر من الوفاء بوعوده الانتخابية، ويبدو أنه لا يريد تحقيق انتصار كما أراد بوش الابن، بخاصة بعد ثبوت فشل السياسة الأميركية وتعثّرها في العراق.