العدد 4 - بورتريه
 

شكّلت قرية حمود، في لواء القصر بالكرك، البئر الأولى لثقافة الشاب الهادئ فهد الخيطان المولود العام 1965، فظل خجولاً، بسيطاً، شفافاً، غير أنه كان صارماً في مواقفه وكتاباته.

يحكي عن القرية بما توصف به الأمهات من طيبة: أنجبت عدداً كبيراً من المتعلمين، وحظيت بمدرسة مطلع الثلاثينيات، ووصلها «تنوير الحزب الشيوعي» قبل نصف قرن، فيما تأخر «نور الحكومة» (الكهرباء) حتى العام 1977.

أنهى التوجيهي في الربة الشاملة، وفيها تعلّم أول «دروس المادية والديالكتيك والجدل التاريخي وما العمل»، والانحياز للفقراء والحق. وهناك تعلّمَ أن هناك وطناً اسمه الأردن ينبغي أن نحبه، وأن ندافع عنه.

في تلك المرحلة العاصفة التي وقع فيها الغزو الإسرائيلي على لبنان العام 1982، تعلّم أول أسرار المهنة التي احترفها لاحقاً، عبر ما أتاحته منشورات الحزب ومطبوعاته، وطوّرَ خلالها أدوات المهنة التي يقدّسها، وعلّمته التجربة أنْ يتسلح بالمصداقية والاستقلالية ليغدو مؤثراً، وينال احترام الآخرين، وإن اختلف معهم.

اقترنت مناخات الوعي المبكر بانتسابه للحزب الشيوعي على يد المحامي عبد الله زريقات «أبو يسار»، ومنذ ذلك التاريخ دُوّن له قيدٌ أمني، ظل يلاحقه كظلّه في سني دراسته في جامعة اليرموك.

التفت إلى الأدب الروسي، دوستوفسكي ومكسيم غوركي، منتبهاً إلى أن قسوة الحياة تتطلب المواجهة التي زرعت فيه منظومة الأخلاق وقيم التضحية من أجل المجتمع، وفتحت أمامه مجالاً واسعاً للمعرفة.

خلال دراسته الجامعية، أُوقف مع ثلة من رفاقه، ولخجلٍ جَمٍّ كان يأبى إظهار ما يعتريه من ألمٍ أمام السجان، فيضاعف له وجبةَ الفلقة، ويبدو أن فائض الخجل ظل ملازماً له، فهو لا يحب أن يتحدث عن نفسه، غير أن ما لا يُظهره وجاهةً، يتجلى في مقالته التي تفيض بالجرأة والشفافية، وهي غالباً ما تشبه المرافعة لقضية ما، وهو بالمناسبة يطلق عليها اسم «المستطيل»، وليس «المقالة»، للشكل الذي تتموضعه في ثالثة الصحيفة.

هذا المستطيل الذي يتواصل منذ نصف عقد، أُوقف ثلاث مرات أو أربع، ويستدرك صاحبه: «أنا أتفهم الأسباب والمحاذير»، وتسبّبَ له بالوقوف أمام القضاء، وقد بُرِّئ في واحدة من القضايا بقرار تاريخي اتخذته القاضية نوال الجوهري.

يوصف بأنه «كاتب يصدر عن أيديولوجيا»، غير أنه يقول: «أنا يساري ديمقراطي، أنحاز إلى قيمي القومية والوطنية»، وما زال «موقفي من إسرائيل أنها عدو». ويصفه رفاق سابقون في الحزب، بأنه «راهب شيوعي»، رغم مغادرته التنظيمَ منذ خمس سنوات، وبأنه لا يسعى إلى مجد شخصي من الكتابة، إنسان لا يردّ طالبَ حاجة، أنيق، مبادر، ومَحلّ إجماع، قد تختلف معه سياسياً، لكن لا يختلف اثنان على أخلاقيته العالية.

لا يتمترس وراء رأي مسبق، فهو مزيج من الانفتاح العقلاني والانتماء الواعي والتسامح الإنساني، يميز بين المصطلحات بدقة، يقول: «الليبرالية قيمة اجتماعية، وأنا ليبرالي في مواقفي الاجتماعية، وتحديداً من قضايا المرأة»، لافتاً إلى أن الليبرالية في الأردن «ارتبطت بمجموعة سياسية سيطرت على القرار السياسي، ووجهت ضربات مؤلمة للدولة». وهو يرى أن الأحزاب السياسية والمعارضة «لم تغادر الخطاب التقليدي، وكانت أضعف من التحدّيات».

خاض فهد وصحيفة العرب اليوم معركةً في صيف 2008 ضد أطروحات «الليبراليين الجدد» وعلى رأسهم رئيس الديوان الملكي حينئذ باسم عوض الله. وسرت أحاديث ونُشرت مقالات ذهبت إلى أن فهد وكتّاباً صحفيين آخرين مارسوا هجومهم ذاك بإيعاز أو بدعم من مدير المخابرات السابق محمد الذهبي. لكن فهد يصف هذه الاتهامات بـ«السخيفة»، ويوضح أنه كان يكتب منتقداً خطّ «الليبراليين الجدد»، قبل أن يختلف الذهبي مع عوض الله بسنوات، وربما قبل أن يتولى الذهبي منصبه، مذكّراً بمقالة «وزراء البزنس» التي حوكم عليها العام 2005، والتي تناول فيها عوض الله وصلاح البشير تحديداً. «انتقاداتي للسلوك السياسي لهذه المجموعة، ونهجها في إدارة الشأن الاقتصادي، سابقة بكثير على الاختلاف الذي جرى بين الذهبي وعوض الله»، يقول.

قصته مع الصحافة منذ العام 1997، هي قصته مع العرب اليوم التي تدرَّجَ في كل مراحلها حتى غدا مديراً لتحريرها. قدمه صديقه جميل النمري، فلقي ترحيباً من رئيس التحرير طاهر العدوان، الذي يصفه بأنه، «رجل وطني ونبيل، وكتلة أخلاق، وكل ما نكتبه يصب على رأسه، ولم نشعر أنه ليوم أصابه الضعف».

ولخبرةٍ عركها، يخلص إلى أن «كل سياسي أردني هو معارض، حتى يعود إلى الكرسي».

يقرّ أن الجامعة أحدثت تحولات كبيرة في حياته ووعيه السياسي، ويذكر له أصدقاء منهم: عبد الإله أبو خليل، وزميله في الصحيفة الكاتب أحمد أبو خليل، رمزي الخب، مازن المعايطة، هاشم غرايبة، أحمد جرادات وعصام التل، ومن أيام المدرسة: صابر هلسا، أسد البرقان وغيث الخيطان.

يعوّل على الصحافة في «محاربة الفساد وتكريس الإصلاح»، ويرى أن «زمن القمع ولى»، وأن «هناك صحوة»، داعياً الصحافة إلى تغيير وسائل خطابها «لأن الزمن تغير». ورغم ما يلحظه من ضعفٍ في التجارب الحزبية، إلا أنه يراهن على أن هناك فرصة «لبناء تجربة سياسية جديدة في البلاد».

اعتذر عندما مُنح مؤخراً عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لأن ذلك بحسب ما يرى، يتناقض مع استقلاليته الصحفية، ولأنه عُيّن ولم يُستشَر.

فهد الخيطان: كتابةٌ على حافة الهاوية
 
01-Oct-2009
 
العدد 4