العدد 4 - اجتماعي
 

لم تبتعد العروض المسرحية الرمضانية في عمّان عن مجمل الأجواء الخاصة بشهر الصيام الفضيل؛ بوفيه إفطار مفتوح في فندق بدرجة بين ثلاث وخمس نجوم، وهو بوفيه يحرص على تنوّع يُشبع رغبات الصائم، مشروبات تقليدية: تمر هندي، خروب، سوس وقمر الدين، وأحياناً شراب الليمون، وحلويات على رأسها القطائف والعوامة وأصابع زينب وبلح الشام و«أم علي»، إضافة إلى الفواكه الموسمية وغير الموسمية.

ولا تخلو صالة العرض من مظاهر الاحتفاء بشهر المسلمين: فوانيس رمضان معلّقة في سقف القاعة، أو موزعة على طاولاتها، الأهلّة في كل مكان، والدعايات الرمضانية، وتسابُق جمهور العروض للتمتع بأكبر حصة من توابع العرض ومؤثثاته حتى انطلاقته بعد ساعة تقريباً من مدفع الإفطار.

وسط أجواء كهذه، يأتي العرض المسرحي الرمضاني، محمّلاً بهدف أساسي غير قابل للقسمة: إضحاك جمهور يُفترض أن معظمه قادم من أجل التسلية قبل أي شيء آخر، ولا بأس لو تحققت هذه التسلية عبر الضحك على ممارسات النواب، أو أداء الحكومة، أو سوريالية المشهد السياسي عربياً وإقليمياً، أو مسلسل الأخطاء الطبية الطويل، أو ارتفاع الأسعار، أو «ملهاة» الحالة الفلسطينية المأساوية، أو طبيعة المواطن الأردني «الكشور» العنيد صعب المراس.

رمضان في العام الجاري، شهد تنافس أربعة عروض مسرحية على استقطاب الجمهور، وهو جمهور يمتلك وفرة مالية في الغالب، إن لم يكن حضوره تلبيةً لدعوة وُجهت له من الجهة التي يعمل بها، أو من القائمين على العرض.

«لسعات» بطولة زهير النوباني وأمل الدباس عُرضت في فندق «اللاند مارك» («راديسون» سابقاً). «ألف أزمة وأزمة» بطولة نبيل صوالحة ومعه حسن سبايلة ورانيا إسماعيل ولارا صوالحة عُرضت في فندق «ريجنسي». «التجربة الأميركية» لمحمود صايمة وفريقه عُرضت في فندق «دايز إن»، وأخيراً «زواد أوباما في الكونغرس» من تأليف فيصل المجالي وإخراج محمد حلمي، وبطولة محمد الزواهرة وناريمان عبد الكريم، عُرضت في فندق «بتونيا».

أمل وزهير: انسجام يتواصل

يبدو أن الانسجام الذي تحقق العام 2008 بين زهير النوباني وأمل الدباس صاحبة الطاقة الأدائية اللافتة، شجّعهما على مواصلة التعاون معاً. وبعد أن قدما في رمضان 2008 مسرحيتهما «شفناكم شوفونا» التي نجحت وفق عدد من المقاييس، عاد الثنائي الجديد في ساحة المسرح اليومي المحلي الذي اعتمد خلال مسيرته الماضية على الثنائيات، ليؤكدا انسجامهما ونجاحهما عبر «لسعات»، المسرحية التي تقاطعت مع سابقتها كثيراً في الأسلوب وتقنية تقطيع المشاهد وتوالي اللسعات، وتطورت عنها في رفع جرعة الجرأة، وفي ارتفاع درجة التنسيق بين الفنانَين.

المسرحية التي تناوب على حضورها خلال أيام عرضها، عدد من الوزراء الحاليين والسابقين، وممن حملوا خلال مسيرتهم لقب «دولة»، مثل دولة أحمد اللوزي، تناولت في مشاهدها المتعاقبة عدداً من القضايا المجتمعية اليومية، والسياسية الداخلية والخارجية، وهو ما تقاطعت فيه مع معظم العروض الرمضانية للعام الجاري، فتطرقت للمواجهة المحتدمة التي جرت بين مجلس النواب والجسم الصحفي المحلي، وغمزت في قناة الحكومة، وأوردت تعاقب الحكومات بوصفها ماركة مسجلة للحراك السياسي المحلي، كما نالت ممارساتُ بعض النواب قسطاً وافراً من تعليقات المسرحية ولسعاتها حادةِ المذاق أحياناً.

أجواء العرض بدت مميزة. وقد حرص الفندق بعد تغيير اسمه، وربما ازدياد عدد نجومه، على توفير صالة عرض واسعة، لا أعمدة فيها، ولا عوائق. ونجح تصميم صالة العرض بمستويين تفصلهما بعضهما عن بعض درجات قليلة، في تحقيق قدر مقنع من الحيوية والتنوّع والحركة الأفقية المتناغمة.

وبنسبة أقل مما كانت عليه مسرحيتهما العام الماضي، أفسح زهير وأمل مساحة معقولة لبقية أسرة العمل، للمشاركة في انتزاع الضحكة وإنضاج أسبابها، فظهر تامر بشتو بحضوره خفيف الظل وقدرته الفذة على التقليد، بخاصة تقليد رئيس الوزراء نادر الذهبي. كما لعب بشتو دوراً رئيسياً في كتابة نص المسرحية بالتعاون مع محمد صبيح ووفاء بكر.

نبيل صوالحة: أسلوب خاص

منذ أعوام، يتبنى الفنان نبيل صوالحة أسلوباً خاصاً في عروضه المسرحية الرمضانية، إذ يمزج فيها بين مدرسة عرض الرجل الواحد (ترجمة حرفية لمصطلح one man show)، وبين العرض الجماعي المعتمد على فريق العمل.

هذا المزج يحقق قدراً «مهضوماً» من تعدد مستويات التعبير في العرض الواحد، ويُنتج تناوباً مثمراً فيه لجهة إمتاع الجمهور، وعدم وصوله إلى درجة الملل. وفي المشاهد التي يقدمها صوالحة وحده فوق الخشبة، يحاول اعتماد إيقاع من التفاعل المباشر مع جمهور الصالة، وتوجيه خطابه الدرامي الحواري لهم، وبما يشبه أن يهمس لهم ببعض الأخبار والأسرار. واللافت أن صوالحة يفعل ذلك دون أن يدع انضباط التلقي يفلت من عقاله، أو أن يتحول إلى فوضى غير بناءة.

وفي مسرحيته لرمضان هذا العام «ألف أزمة وأزمة» من تأليف مشترك له وللفنان حسن سبايلة، يواصل صوالحة تبني أسلوبه الخاص هذا وتطويره. لم تبتعد المسرحية في موضوعاتها ومنهجيتها الكوميدية عن بقية العروض الرمضانية، وإن تميزت في مساحتين خاصتين بها: تركيزها على مشهد تكرر محلياً عدداً من المرات في الأشهر الأخيرة، وهو مشهد صعود شبّان وفتيات على سطح عمارة تحت الإنشاء قريبة من دوار الداخلية، وتظاهرهم أو إعلانهم الرغبة بالانتحار، ثم خوض رجال الإنقاذ وعدد من المعنيين من الأمن العام وجهات أخرى، مفاوضات معهم لثنيهم عن فكرة الانتحار.

المسألة الثانية هي تفوق صوالحة بالتقليد على محاولات غيره، بخاصة تقليده لشخصيات بعينها، لتقارب شكله مع شكلها، أو لالتقاطه العلامات الفارقة أو مفتاح تلك الشخصيات، مثل ما فعله في تقليد الرئيس الليبي معمر القذافي.

كما تتميز عروض صوالحة، أنه يفرض وبصرف النظر عن الفندق أو المطعم الذي يعرض فيه، أن تكون الضيافة للمدعوين ومشتري التذاكر مفتوحة، وتشمل إضافة للبوفيه المفتوح وتوابعه، ضيافة الشاي والقهوة والمشروبات الغازية، أي أن هذا الشكل من الضيافة يرتبط بصوالحة نفسه وليس بالمكان الذي يعرض فيه.

موسيقى مسرحية «ألف أزمة وأزمة» لحازم خزوز وعلاء المصري، والإضاءة لحسين فاشا.

محمود صايمة: ضوابط الارتجال

يفرض الفنان محمود صايمة على دوره في مسرحية «التجربة الأميركية» من تأليفه وإشرافه وإخراج محمد حلمي، ضوابط صارمة على الارتجال الذي تتميز به عادة عروضه المسرحية. وسبب تلك الضوابط حساسية الدور وبعده الوطني، وارتباطه كما يؤكد في حديث لـ«ے»، بقضايا عربية مصيرية، ظهرت ملامحها أكثر وضوحاً بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر.

المسرحية التي تواصل عرضها وسط أجواء رمضانية دافئة، تناولت بشكل رئيسي الأضرار التي لحقت بالعرب والمسلمين بعد تفجيرات نيويورك، والانقلاب الكوني الذي تسببت به تلك التفجيرات.

المسرحية لا تتردد عبر وسيط كوميدي متعدد المستويات، من إيصال رؤية ناقدة لآليات النظرة الغربية، الأميركية على وجه الخصوص، للمسلمين بعامة وللعرب تحديداً، وعنصرية تلك النظرة في بعض الأحيان ولا موضوعيتها.

تشتمل المسرحية التي شارك في بطولتها: عثمان الشمايلة، سعد الدين عطية، إلهام عبد الله، غدير عودة ومعتصم البيك، على مسائل جانبية أخرى، مثل الدعوة إلى تعزيز روح الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، والتركيز على خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية.

تميزت «التجربة الأميركية» بتقارب مستوى الأداء بين أعضاء فريقها، ونال كلٌّ منهم مساحته التعبيرية الإبداعية بشكلٍ وافٍ.

محمد الزواهرة: تقنيات الحلم

«زواد أوباما في الكونغرس»، مسرحية من تأليف فيصل المجالي وإخراج محمد حلمي، وبطولة محمد الزواهرة وناريمان عبد الكريم.

اعتمدت المسرحية التي شارك فيها ممثلون آخرون، على تقنية حلم يتحول إلى كابوس، وعلى ما حققته شخصية الزواهرة الدرامية المشهورة (زواد ولد عواد) من نجاح في أعمال سابقة، وهي الشخصية التي أثراها الزواهرة مؤخراً، رغم بعض التراجع في انتشارها لأسباب موضوعية وذاتية، إلا أن عبارته الشهيرة «أنا زواد ولد عواد وكل الناس بتعرفني»، ظل لها صدى يتردد في وسط التلقي المحلي، وهو صدى يمكن البناء عليه وإثراؤه بدفق من المثابرة الجادة الساعية لتحقيق تطور مُطرد.

يسافر زواد ولد عواد إلى أميركا، ويصدمه الحلم، كما يخيّب آمالَه الواقع، ويفشل بتحقيق مراده من الارتباط بكاملة الحسن والجمال، رغم مساعدة شخصين عربيين يقيمان في أميركا له (أدى دوريهما ناصر أبو باشا وفيصل المجالي).

إذ يكتشف زواد بعد عقد قرانه عليها، أنها خرساء، (مثلت الدور هالة التل)، وتصل الكوميديا ذروتها مع دخول الفنان محمد مصباح بخفة ظله وحضوره إلى الخشبة، مؤدّياً دور امرأة تدعى «غالية».

في العمل، إضافة لحكايته الرئيسية، تطرُّق لموضوعات الفقر، والمساعدات الحكومية للمواطنين، وقضية البورصة، والتواطؤ الأميركي غير المحدود مع إسرائيل. وكما في بقية عروض رمضان، لا تتردد المسرحية بالإشارة إلى أن رواتب الوزراء والنواب تشكل عبئاً على كاهل المواطن، رغم أن هذا الأخير قلّما يحظى باهتمام الجهتين التشريعية والتنفيذية. وهو عادةً ليس في رأس أولوياتهما.

أتقن زواهرة تقنيات الحلم، وبنى عليها عرضاً جديداً يضاف إلى رصيده من المسرحيات والأعمال التلفزيونية.

المسرح الرمضاني: سباق عادل على انتزاع الضحك
 
01-Oct-2009
 
العدد 4