العدد 4 - نبض البلد
 

خريطةٌ من القرن السادس عشر تصوّر القدس، محور العالم وقلبه، هي أولى الصور الفوتوغرافية التي يشاهدها الزائر لمعرض «صور تاريخية لمدينة القدس منذ العام 1840 حتى العام 2008»، الذي احتضنته قاعة المكتبة الوطنية خلال الفترة 1 – 8 أيلول/سبتمبر 2009.

الصور المأخوذة من الأرشيف الألماني، تكشف عن مشاهد نادرة للمدينة المقدسة، وأبرز معالمها التي شوهتها يد العدوان وحفرياته التي تواصل ابتلاع أجزاء غير يسيرة من بنيان المسجد الأقصى، وبخاصة حائط البراق، وسبيل قيتباي الشهير الذي يقع بين المطهر وبين الطرف الغربي لصحن الصخرة في الساحات الغربية للمسجد.

تُبرز الصور مشاهدَ بديعة لحارة المغاربة، ببيوتها وقباب مساجدها التي تغفو بأمان، والكنائس المشيّدة، بخاصة كنيسة القيامة ذات الزخارف والنقوش الساحرة، والأقواس الأنيقة في الحرم المرواني والتسوية المروانية التي بناها الأمويون للمسجد الأقصى.

إلى جانب المعالم التراثية، تكشف الصور عن واقع الحياة الاجتماعية والشعبية في القدس، عبر الأعمال اليدوية التي كانت رائجة، مثل صناعة أواني الفخار، وطحن الحبوب بطاحونة الحجر، والسقاية عبر القِرَب، والعتالة، ومواسم جمع البرتقال.. كما توثق للأزياء الشعبية والأثواب المطرزة التي ترتديها النساء.

تؤرخ مجموعةٌ من الصور لأحداث مفصلية في تاريخ القدس الحديث، من مثل موكب الوالي التركي جمال باشا السفاح في باب الخليل العام 1914، وتَظهر في الصورة لافتةُ «البنك الألماني الفلسطيني».

ومن أكثر الصور تأثيراً، تلك التي رصدت مشهدَ إعدام ثوار عرب على يد الأتراك العام 1915، وصور المدافع البريطانية وهي تقصف باب العمود العام 1917، ودخول البريطانيين المدرسةَ الراشدية ومعهم أسرى من الأتراك، وحملات التفتيش للفلسطينيين من جانب البريطانيين، وثورة البراق التي قادها العرب ضد هجرة اليهود وصَلاتهم خلف جدار الحرم الشريف العام 1926، ومسيرات الاحتجاج في باب الخليل وباب العمود على هجرة اليهود، وكيف كانت العصابات الصهيونية المنظمة تنقل الذخيرة في سوق العطارين باتجاه باب خان الزين العام 1936 بعد حظر التجوال في القدس.

يشتمل المعرض أيضاً على صور للقوات الأردنية المتمترسة فوق أسوار القدس في عام النكبة، وأخرى تُظهر جنوداً أردنيين أسروا جندياً إسرائيلياً. تنتهي الصور الملتقطة خلال العام 1948 بامرأة فلسطينية تجلس هي وأطفالها خارج منزلها الذي يفصلها عنه شبك حديدي.

الصور التي التُقطت عام النكسة 1967 توثق لمخيمات اللاجئين في الأردن، والتجريف والتهديم الذي قامت به إسرائيل بعد احتلال القدس. ثم تنتقل الصور بمُشَاهِدِها للعام 2006 لترصد دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى والاعتداء على المصلّين، والحفريات التي تنهش الحائط الجنوبي المسجد حتى العام 2008، وجدار الفصل العنصري الذي يواصل مدَّه اللاإنساني.

وزير الثقافة صبري الربيحات لفت خلال افتتاح المعرضَ، إلى أهمية هذه الصور التي تُعرض للمرة الأولى في دولة عربية، وقيمتها التاريخية. وأكد مقرر المكتب التنفيذي للقدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 أحمد راشد، أن المعرض سيجول مدن المملكة ومحافظاتها، ثم يعود إلى المكتبة الوطنية للاحتفاظ بالصور التي اشترتها وزارة الثقافة من اتحاد المصورين العرب في أوروبا، وعرْضها في قاعة المكتبة الوطنية بشكل دائم.

الحاج إسماعيل القريوتي، كَسَت ملامحَه خلال تجواله في أرجاء المعرض معالمُ ألم وحسرة، مستذكراً أرضاً عاش فيها سني طفولته قبل التهجير. يقول لـ«ے» ضارباً كفّاً بكفّ: «كيف ضاعت هالبلاد؟». سؤال الحاج إسماعيل تعبيرٌ صادق عما يشعر به كثيرون من زوار المعرض، إذ يرون بلاداً كانت لهم، لكن ذلك يحدث عبر الخريطة، دون أن يتمكنوا من أن يطأوا ترابها، أو أن يعودوا إليها.

صورٌ تحرس وجه المدينة المقدسة من التشويه
 
01-Oct-2009
 
العدد 4