العدد 4 - سينما وتلفزيون
 

يُعزى إلى المخرج والكاتب والناشط السياسي الأميركي مايكل مور، الفضلُ في إحداث ثورة في مفهوم الفيلم الوثائقي أو التسجيلي خلال العقدَين الأخيرَين. فقد حوّل الأفلام الوثائقية إلى أفلام جماهيرية تُعرض في دور السينما، شأنها في ذلك شأن الأفلام الروائية، وأصبحت تحصد عشرات أو مئات الملايين من الدولارات على شبّاك التذاكر.

من بين الأفلام الستة التي حققت أعلى الإيرادات في تاريخ الأفلام الوثائقية هناك ثلاثة أفلام من إخراج مايكل مور وتأليفه، وهي: «فهرنهايت 11/9» 2004، الذي حصد 222 مليون دولار، وحقق رقماً قياسياً في الإيرادات بين الأفلام الوثائقية، و«بولنج لمدرسة كولومباين» 2002، وحصدَ 58 مليون دولار، و«سيكو» 2007 الذي بلغت إيراداته 36 مليون دولار.

في أفلامه الوثائقية والتلفزيونية، وفي كتبه التي صعد بعضها إلى قمة قائمة الكتب التي حققت أعلى المبيعات في الولايات المتحدة، تخصص مور في معالجة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجادة بجرأة غير مسبوقة. ومن هذه الموضوعات انتشار امتلاك الأسلحة في المجتمع الأميركي، ونفوذ الشركات العملاقة، ونظام الرعاية الطبية الأميركية، والحرب على العراق، وسياسة الرئيس بوش.

اقترنت أعمال مور باستهداف السياسيين الفاسدين الذين يمثلون اليمين المحافظ، بخاصة من أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي، والشركات الكبرى ورجال الأعمال الجشعين في الولايات المتحدة. تتميز هذه المعالجة بأسلوبه الساخر وشجاعته وصراحته المتناهية، ما أكسبه سمعةً كواحد من أشهر المعلّقين السياسيين الساخرين في الولايات المتحدة وأقدرهم.

«الرأسمالية: قصة حب» هو أحدث الأفلام الوثائقية لهذا المخرج. وقد انتقل هذا الفيلم لدور السينما الأميركية، بعد أن عُرض في مهرجانَي البندقية وتورونتو السينمائيين خلال أيلول/سبتمبر 2009.

يحاول الفيلم التعرف على الأسباب الكامنة وراء الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، ويلقي نظرة ساخرة على ألاعيب الشركات والسياسيين التي بلغت ذروتها بما وصفه مور «أكبر سرقة في تاريخ الولايات المتحدة – أكبر تحويل لأموال دافعي الضرائب الأميركيين إلى المؤسسات المالية الخاصة».

يقول مور إنه حين بدأ تصوير مشاهد فيلمه الجديد في ربيع العام 2008 كانت قصة الفيلم تتركز على سطوة الشركات الأميركية ونفوذها، ولم يكن يعلم آنذاك أن الاقتصاد الأميركي سيتعرض للانهيار بعد ذلك بأربعة أشهر. نتيجةً لهذه الأزمة الاقتصادية، ولموافقة الحكومة الأميركية على اعتماد مبلغ 700 مليار دولار لإنقاذ الشركات من أزماتها المالية، قرر مور إجراء تعديل على سيناريو فيلمه، بحيث تركز قصته على أثر الأحداث والتطورات الاقتصادية الجديدة.

يعود مور في فيلمه الجديد إلى القضية التي طرحها في فيلمه الوثائقي الأول: «روجر وأنا» 1989، الذي يعالج، كما يقول، «الأثر الكارثي لهيمنة الشركات الكبرى، ودوافعها لتحقيق الربح من دون قيود على حياة الأميركيين ومواطني العالم».

يتعقب «روجر وأنا» المحاولات الدؤوبة للمخرج مور للاجتماع برئيس شركة جنرال موتورز العملاقة لصناعة السيارات في مدينة فلينت بولاية ميتشيغان، مسقط رأس المخرج، ليُظهر له أثر إغلاق الشركة عدداً من مصانعها، واستغنائها عن 30 ألف عامل، في حياة الناس وفي اقتصاد المدينة. ويحاول الفيلم أن يُظهر قسوة مدراء الشركات الكبرى وجشعهم.

يقول مور، معلّقاً على عنوان فيلمه الجديد «الرأسمالية: قصة حب»، إنه رأى أن الوقت حان لتقديم «فيلم مبني على علاقة»، مضيفاً أن هذا الفيلم يأتي «في موعد مثالي»، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة، وأن الفيلم «يشتمل على كل شيء: الشهوة والهيام والغرام وفقدان 14 ألف وظيفة كل يوم. إنه حب محرّم، حبّ يتجرأ على الإفصاح باسمه: الرأسمالية».

كان مور قال في مقابلة صحفية أجريت معه أخيراً، إنه لجأ إلى الحيلة والدهاء، وأحاط فيلمه بالكتمان، كي يتجنب تأثير مدراء الشركات الكبرى، وذلك بالنظر للحملة السرية التي تعرض لها فيلمه السابق «سيكو» من شركات التأمين بعد أن كشف فيه خفايا برامج الرعاية الصحية الأميركية وفشلها، والفساد فيها، عبر مقابلات مع مواطنين أميركيين حُرموا من العلاج من شركات التأمين الصحي التي تضحّي بتقديم الخدمات الأساسية في سبيل زيادة أرباحها.

وقال أيضاً، معلّقاً على إفلاس شركة جنرال موتورز لصناعة السيارات بعد محاولة الحكومة الأميركية إنقاذها، إنه حذّر الناس قبل عقدَين من ألاعيبها، وأضاف أن اليوم الذي قام فيه الرئيس باراك أوباما بطرد رئيس تلك الشركة ريك واجونر من منصبه، يُعدّ من أسعد أيام حياته.

يشار إلى أن فيلم «الرأسمالية: قصة حب» افتُتح في دور السينما الأميركية بعد مضي عام ويوم على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على اعتماد 700 مليار دولار لإنقاذ الشركات والبنوك الأميركية. كما تزامن انطلاق عروضه مع الأسبوع نفسه الذي افتُتح فيه فيلم «روجر وأنا» في صالات العرض الأميركية قبل عشرين عاماً.

«الرأسمالية: قصة حب»: شهوة، هيام وفقدان آلاف الوظائف يومياً
 
01-Oct-2009
 
العدد 4