العدد 3 - أربعة أسابيع | ||||||||||||||
صلاح حزين من البشر الذين تحتفظ الذاكرة بصورتهم طويلاً. فهو الإنسان أنيق الروح، المؤمن بقيم أخلاقية لا يجوز العبث بها، وهو المثقف الذي أدرك مبكراً أن للمثقف دوراً نقدياً لا ينبغي التخلّي عنه، سواء استضاف الزمن الثقافة، أو ترك لها حيزاً فقيراً في العراء. وهو الإنسان المسؤول الذي يقدّر معنى الزمن والنظام والتضامن، ويستنفر طاقته لانتزاع مكان نظيف في هذه الحياة. كان كما أراد أن يكون: «كادحاً في الثقافة»، بلغةٍ من غير هذا الزمن، وكادحاً خارج الثقافة، لأنه اعتمد على ذاته وروحه الخصيبة. انتمى صلاح مثل كثيرين، دون أن يكون مثل غيره تماماً، إلى زمن وحّد بين الثقافة والسياسة، وزرع في النفوس رغبة السير إلى مثال أعلى، ينصر الأخلاق والمعرفة معاً. لعل هذا الانتماء هو الذي دفع بهذا الرجل، الطويل في قامته وكبريائه، إلى «فتنة الكتب»، فقرأ واجتهد في القراءة وترجم وساجل وقبل ورفض، ملتزماً بأخلاق الثقافة، ومبتعداً عن الحسبان الفقير. أتاح له هذا الانتماء، الذي جدّد ذاته وجدّدته الأيام، معرفة واسعة، تعالج السياسة بمقولات نقدية، وتقارب الأدب بمنظور لا تبسيط فيه، وتتأمل البشر وتميّز بين الخطأ والصواب. هذا السلوك الأنيق، الذي لم تفقره الأيام، خلق له صداقات واسعة في بلده وخارجه، وأعطاه الاحترام الواسع بين فئات البشر المختلفة. ورغم تواتر الأيام، وتحوّلات مأساوية أعادت خلق كثير من المثقفين، بقي صلاح حزين، صاحب الوجه الأليف والابتسامة المضيافة، كما أراد أن يكون، مثقفاً عقلانياً يعترف بالعقل وباستعماله بشكل عقلاني، ومثقفاً ديمقراطياً يدرك أن الرأي الوحيد يقود إلى الخراب. ما كانه في أيام الشباب حافظ عليه وهو يدخل إلى شيخوخة غير عادلة، وما كانه في أيام الرضا تمسك به حين عاندته الحياة. إنْ كان للبطولة معنى، فقد كان العزيز صلاح بطلاً في حياته اليومية، يواظب على العمل مواجهاً المرض، ويتصرّف بأيامه ولا يدع الأيام تتصرف به. وكان، في الحالين، يوزع، هادئاً، الأمل والمحبة على الجميع. في رحيل صلاح حزين، يخسر العاملون في «ے» قلماً موهوباً وفكراً فاعلاً، ويخسرونه أولاً إنساناً كريماً، لا تغادر صورته الذاكرة بسهولة. |
|
|||||||||||||