العدد 4 - احتباس حراري
 

في شوارع عمان الفسيحة أحياناً، والضيقة في الغالب، تسير سيارات غريبة. قريبة من بقية السيارات من حيث الشكل، لكنها مختلفة عنها في الصميم. أكثر ما يمكن ملاحظته هو كلمة صغيرة تقول: Hyprid.

سيارات الهايبرد، «الهجينة» بالعربية، جديدة على البلاد. قبل عامين لم يكن في المملكة سوى أربع سيارات من هذا النوع. لكن بعد انتشارها الكبير في أوروبا والولايات المتحدة بدأت هذا السيارات بـ«التسلل» إلى السوق المحلية بشكل خجول.

هل هناك مستقبل لهذه السيارات في الأردن؟ هل يأتي يوم تختفي فيه من الشوارع تلك السيارات التي تنفث دخاناً؟ هل يأتي يوم تصبح فيه انبعاثات الاحتباس الحراري أقل في المملكة، ليتمتع المواطنون بأجواء أصفى وأنقى؟

يكشف تقرير صدر أخيراً عن وزارة البيئة، أن المملكة تُنتج حوالي 12.5 طن سنوياً من انبعاثات الغازات الدفيئة، مصادرها الرئيسية: تلوث الصناعة، احتراق البنزين والديزل، والمخلفات الزراعية والأسمدة.

التقرير أوضح أن عدد المركبات التي تعمل على البنزين زاد أكثر من ست مرات خلال الفترة 1981 - 2006؛ فيما تضاعفَ عدد السيارات التي تعمل على الديزل أكثر من عشر مرات في الفترة نفسها، ما أدى إلى زيادة الانبعاثات في الهواء المحيط.

وقال وزير البيئة خالد الإيراني في تصريحات صحفية، إن نسبة السيارات غير المطابقة للمواصفات الأردنية تبلغ 18-22 في المئة من إجمالي عدد السيارات، بسبب الوقود المستخدَم وضعف صيانة السيارات.

معطيات سوق السيارات تفيد أن اقتناء السيارات الهجينة في المملكة يسير بوتيرة متباطئة، بحسب محرر ملحق «السيارات» في صحيفة الغد محمد الزرو، الذي يؤكد أن عوامل لوجستية عديدة في السوق تمنع تسريع العملية.

يوضح الزرو أن تجار السيارات بدأوا باستقدام هذا النوع من السيارات قبل العديد من الوكلاء المعتمدين، ما يجعل عملية الصيانة، وإيجاد قطع غيار لهذه السيارات عملية صعبة، وقد تكون مستحيلة في بعض الأحيان.

ويضيف أن التجار يستوردون هذه السيارات من أوروربا والولايات المتحدة بحالة مستعملة، لكن ليس هناك سوى وكيل واحد بدأ تسويقها في المملكة، ولنوع واحد هو تويوتا بريوس Toyota Prius، لهذا فإن هذا النوع «هو الوحيد الذي تتوافر له قطع غيار».

الكاتب المتخصص في الشؤون البيئية باتر وردم، يرى أن التوقعات المتفائلة بانتشار كبير جداً لهذه السيارات غير دقيقة. ويقول: «لن تختفي السيارات التقليدية من الأردن وتُستبدَل بها سيارات هجينة، وهذا لن يحدث حتى في أكثر دول العالم تقبلاً لهذه السيارات. حجم انتشار أية سلعة في الأسواق يعتمد على الطلب، وهذا بدوره يعتمد على الجدوى الاقتصادية».

بحسب وردم، ربما يبادر عدد قليل من المستهلكين ممن يمتلكون إحساساً بالمسؤولية البيئية، لشراء السيارات الهجينة من هذا المنطلق، لكن البعد الاقتصادي هو الأساس. إذ «سترتبط نسبة انتشار هذه السيارات طردياً مع سعر البنزين، وقدرة المواطن على حساب التوفير طويل الأمد الذي سيحققه من خلال شراء هذه السيارات، لكن عليه توفير سعر السيارة أولاً، وهذا ما يجعل الفئة المستهدفة من هذه السيارات تتركز في الطبقة الأكثر ثراء، وأحياناً الطبقة الوسطى».

نقيب وكلاء وتجار السيارات ولوازمها سلامة الجندي، يرى أن الإقبال على هذا النوع من السيارات «ما زال متواضعاً»، ويقلل من فعالية استخدام السيارة الهجينة في الأردن، ويضيف أن استخدامها «يكون أحسن كلما كانت الطرق سهلة ومنبسطة»، أما على «الطلعات»، فإن قيادتها «تصبح أصعب»، لأن الاستهلاك من بطارية السيارة يتزايد، مما يقلل من قوة السيارة خلال سيرها على الطريق.

هذا ما يمنع كثيرين من اقتناء السيارات الهجينة. من الأسباب التي أوردها مواطنون في استطلاع محدود أجرته «ے»: صعوبة الصيانة والتصليح، «ما حدا بيفهملها»، عصية على البيع. وهناك من ربطَ بين قلّة الإقبال عليها وبين الطبيعة الجبلية لكثير من مناطق المملكة، مما يُفرغ السيارة من جدواها، ويجعل الاستثمار فيها مغامرةً أو خطوةً قد تكون غير مجْدية.

لكن ما معنى أن تكون هناك أعداد من السيارات الهجينة في البلاد؟ وردم يرى أن التأثير البيئي الذي ستُحدثه هذه السيارات سيكون مهماً في حال تم استخدام عدد كبير منها تُحقق تغييراً حقيقياً في نوعية الهواء، وهذا يعني أننا «بحاجة إلى عشرات الآلاف منها، وربما أكثر، لمواجهة التأثير الذي تُحدثه سيارات الديزل والسيارات القديمة».

السيارة الهجينة معفاة من الرسوم والجمارك بحسب قرار حكومي. جاء القرار بهدف تشجيع الناس على اقتنائها، لكن الحكومة تفكر الآن في حصر الإعفاء بالسيارات التي يقل حجم محركها عن 2000 سي سي، لأن الكثيرين باتوا يشترون سيارات هجينة بمحركات ذات سعات عالية. يقول وردم: «الإعفاءات الضريبية والجمركية ضرورية لحفز التوجُّه نحو السيارات الهجينة، لكن من المهم أن تتركز هذه الإعفاءات على السيارات ذات المحركات الصغيرة والمتوسطة، لا تلك التي تزيد محركاتها على 3000 سي سي، والتي بدأ بعض الأثرياء يقتنونها لتعزيز مكانتهم الاجتماعية المبنية على المظاهر الاستهلاكية مع ادعاء وجود الوعي البيئي».

المشكلة وفقاً لوردم، أن انبعاثات السيارات الهجينة ذات المحركات الكبيرة أكبر من انبعاثات السيارات المتوسطة ذات المحركات العادية، ما دفع الحكومة إلى إعادة النظر في الإعفاءات والحوافز، والتوجّه نحو حصرها بالسيارات ذات المواصفات المناسبة لكفاءة استهلاك الوقود.

مع كل «دعسة بنزين» وغيار وقيادة خلف سيارة تنفث دخاناً عادماً، لا بد من التفكبر في البيئة، وكيف أن جهداً صغيراً من كل فرد، سيُسهم في المحصلة في تنقية أجواء المملكة الملبدة بغيوم عوادم السيارات.

أجواء أنقى السيارات الهجينة: حلم بعيد؟
 
01-Oct-2009
 
العدد 4