العدد 4 - استهلاكي
 

مع أواخر شهر رمضان، الشهر الاستهلاكي الأكبر بامتياز، وبعد شكاوى متزايدة من ارتفاع أسعار المواد الأساسية وبتوجيهات ملَكية مباشرة، أعلنت الحكومة عن حزمة من الإجراءات لمواجهة ارتفاع الأسعار وما دعته: «السلوك شبه الاحتكاري لمجموعة من التجار والمستوردين».

الإجراءات تضمنت إنشاء هيئة لمراقبة الأسعار، وتفعيل دور جمعية حماية المستهلك الضعيف تاريخياً، فضلاً عن التسريع في إقرار قانون لحماية المستهلك، وإنشاء شركة «حكومية-عسكرية» لاستيراد المواد الأساسية. وهي تكشف بحسب محللين اقتصاديين، عن فشل سياسات السوق المفتوحة في نشوء سوق تنافسية وصحّية من جهة، وفشل سياسات «تصحيح الأسلوب الاستهلاكي للمواطن» من جهة أخرى.

عودة الحكومة إلى وضع يدها على عمليات الاستيراد والتوزيع، تعني المستهلك في جانب واحد فقط: أن يحصل على المواد بأسعار أقل. استطلاع محدود أجرته «ے» حول الشركة التي تزمع الحكومة إنشاءها، وعلاقة ذلك بمفهوم «السوق المفتوحة»، كشفَ عن مراوحة ردود مستهلكين عليه بين: «شو يعني سوق مفتوحة؟»، و«مش مهم مين بيستورد، المهم الأسعار تنزل»، و«السوق المفتوحة ما جابتلنا إلا الغلاء».

الحكومة تتجه إلى إنشاء شركة بالتعاون بين الحكومة والقوات المسلحة، تبدأ في المرحلة الأولى باستيراد اللحوم، وتبيع منتجاتها في الأسواق بهوامش ربحية بسيطة توزَّع ضمن أسواق المؤسستَين الاستهلاكيتَين المدنية والعسكرية ومراكز محددة. تتوقع الحكومة الانتهاء من الدراسات وإجراءات التأسيس خلال ثلاثة شهور. وسيكون للشركة مجلس إدارة مستقل، وستتعاون مع شركة الصوامع والحبوب، التي تمتلك مخازن تبريد وتفريز، لتخفيض تكاليف التخزين.

أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية الألمانية إيهاب مقابلة، يرى أن ارتفاع الأسعار مسؤولية مشتركة بين التجار والمواطنين. ويوضح: «إذا كان لديك 10 سلال عنب فقط، وتهافتَ عليك ألف شخص لشرائها، ألن ترفعَ الأسعار؟ تهافت المواطنين له إسهام كبير في ما يحدث».

مقابلة يعتقد أن إنشاء شركة حكومية للاستيراد، لا يمثل تراجعاً عن سياسات السوق المفتوحة، بل يراها نوعاً من أدوات بناء التوازن في السوق، وهي «ضرورية لإعادة العدالة للسوق، والتقليل من النزعات الاحتكارية، وربما تشكل فرصة للحكومـة لمساعدة المواطن في ما يتعلق بموضوع مهم يمس حياته».

ويلفت إلى أن هذه الشركة يجب أن تتجاوز أهدافها مساعدة المواطنين، للعمل ضمن مبادئ اقتصادية تضمن أن لا تتحول إلى عبء على كاهل الحكومة يستنزف قسطاً من الموازنة.

وزير الصناعة والتجارة عامر الحديدي نفى في تصريحات صحفية، أن يكون هذا الإجراء تراجعاً عن سياسات الاقتصاد الحر الذي اتبعته البلاد خلال الفترة الماضية. وقال إنه سيتم إنشاء جهاز لحماية المستهلك يتبع رئاسة الوزراء، والحد من الهيمنة على السوق من جانب الأشخاص والشركات، وبخاصة على السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن.

خطة الحكومة ركزت على توفير أدوات جديدة للتعامل مع السوق تمنح صلاحيات أوسع وأكثر لوزارة الصناعة والتجارة ومراقبي الأسواق، لمعاقبة التجار المخالفين لأحكام قانون الصناعة والتجارة، والتعليمات والأنظمة الصادرة بموجبه، وقانون المنافسة، وذلك لمعالجة الاختلالات نتيجة ممارسات غير مبررة لبعض التجار، والتلاعب بمجريات السوق، والإخلال بقواعد المنافسة.

بدوره، يرى المستشار الاقتصادي فيكتور قشقوش، أنه من البديهي أن يكون المواطنون راضين في حال توافرت لهم المواد الأساسية بأسعار مخفضة. ويضيف أنه من المفروض أن يؤدي التنافس في السوق الحرة إلى انخفاض الأسعار، وإعطاء سعر عادل لأطراف المعادلة التجارية، لكن “الاحتكار أو اتفاق التجار يؤدي في الوقت نفسه إلى خلل أساسي يعوق تنفيذ مبادئ السوق الحرة”.

قشقوش يقترح تطبيق نظام الشراء والتوزيع والبيع الذي تطبقه دولة الكويت، والذي يعتمد على اتحاد الجمعيات الاستهلاكية التعاونية التي تقوم بشراء المواد وتوزيعها على 22 جمعية تعاونية موزعة في جميع أنحاء البلاد، وتدار من جانب أبناء مناطقها.

بحسب الموقع الالكتروني للاتحاد، فإن تأسيسه جاء لأن “ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وغيرها يشكل عبئاً لا يستهان به على دخول الأفراد، وأن هذا الارتفاع قد لا يكون راجعاً إلى أسباب حقيقية، بل إلى أسباب قد تكون مصطنعة”.

الاتحاد وضعَ خطة العام 1979 تضع ضوابط لحماية المستهلك. هذه الخطة حققت أهدافها بحسب قشقوش، وتمكنت من طمأنة المستهلكين إلى أن هناك جهة مسؤولة تتحرى الدقة في أسعار السلع، وأن أي زيادة في الأسعار هي إلى حد كبير ليست بزيادة محلية مصطنعة، بل إنها تتماشى والأسعار العالمية التي لا يمكن التحكم بها أو وقفها، فضلاً عن استقرار أسعار السلع الاستهلاكية وثباتها إلى أطول فترة ممكنة، وتوحيد أسعار البيع في جميع الجمعيات التعاونية للسلع الخاضعة لهذه الخطة.

في الوقت نفسه، يدعو مقابلة قبل البدء بعمليات تأسيس الشركة الحكومية، إلى إجراء دراسات جدوى شفافة وواقعية، لتتمكن الشركة من تحقيق الهدف منها، وهو ما يسمى اقتصادياً: «تصحيح السوق».

المستهلك والتاجر غير قابلَين للإصلاح الحكومة تعود إلى السوق
 
01-Oct-2009
 
العدد 4