العدد 3 - أربعة أسابيع
 

في رحيل شفيق الحوت وسمير غوشة، يغلق العمل السياسي الفلسطيني صفحة أخرى من صفحاته، ويودّع وجهين معروفين أعطيا حياتيهما للقضية الوطنية، منذ أن بدأت واعدة في منتصف ستينيات القرن الماضي، إلى أن انتهت إلى ما انتهت إليه. ورغم فروق كثيرة في مسار الراحلين، إلا أنهما عملا معاً في منظمة التحرير، وأخلصا لها مدة طويلة.

جاء شفيق من أفق يساري، فتحه على الثقافة والسياسة، وجعل منه صوتاً فاعلاً، فأصبح ممثّلاًً لمنظمة التحرير في بيروت، وأوفدته المنظمة إلى مناطق عديدة في العالم ليتحدث باسمها. ولعل مذكراته الشخصية، التي نشرها قبل سنوات ثلاث، تعطي صورة عن مناضل يجمع بين الجرأة والتواضع والكفاءة والصدق والنقد والتمسك بالهوية الوطنية. ابتعد عن المنظمة بعد اتفاقية أوسلو، مؤثراً تكامل الأخلاق وسلامة الروح، نائياً بنفسه عن سياسةٍ «تُقزِّم الأهداف» وتخلط بين الدروب المختلطة، التي لا تفضي إلى شيء.

وقع سمير غوشة على خيار قريب من الراحلَيْن جورج حبش ووديع حداد، اللذين تركا «مهنة الطبيب» جانباً، واندفعا إلى «كفاح قومي» عدّاه كفاحاً من أجل فلسطين. بدأ قومياً، في زمن احتفى بالقومية، وبقي على موقفه، وإن كان الزمن قد فصل بين الكلمات والمعنى. وكان عليه، مثلما كان على مجايليه الوطنيين، أن ينتقل من الجامعة إلى حركة القوميين العرب، وأن يدخل إلى التنظيمات وانقساماتها، منتهياً «أميناً عاماً لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني»، وعضواً في قيادة «منظمة التحرير». وإذا كان الحوت قد وضع النقد قبل «الوحدة الوطنية»، فقد ارتضى سمير غوشة بـ«الوحدة» دون إضافة، وبقي مخلصاً لموقفه وموقعه في زمن ياسر عرفات وبعد رحيله.

وسواء تقاطعَ مسار الراحلين في مواقع عدة أو في قليل منها، فقد كَتبا صفحتين واضحتين لا تمكن قراءة الكفاح الوطني الفلسطيني من دونهما.

رحيل قامتين في الكفاح الوطني الفلسطيني
 
01-Sep-2009
 
العدد 3