العدد 4 - حريات
 

تُرتكب سنوياً في الأردن، نحو 20 جريمة قتل بداعي «الشرف»، لكن المحاكم تقضي بوجود عذر مخفف في عدد قليل من هذه الجرائم.

هذا هو الجديد في تصريح وزير العدل أيمن عودة، 10 أيلول/سبتمبر 2009، في رده على رسالة وجهتها له أخيراً منظمة «هيومن رايتس ووتش» أعربت فيها عن استمرار قلقها إزاء جرائم «الشرف» في الأردن.

وفقاً لعودة، تقع سنوياً ما بين 20 و25 حادثة قتل، تصنفها وسائل الإعلام على أنها من جرائم الشرف، ويقوم المدعي العام المختص بالتحقيق فيها وإحالتها إلى محكمة الجنايات الكبرى، لكن السجلات تكشف أنه لم تَصدر أحكام قُضي فيها بوجود أعذار مخففة سوى في أربع حالات العام 2006، وخَمس في العام 2007، وحالتين في العام 2008، وحالتين في العام الجاري.

رغم أن تصريح الوزير استند إلى سجلات المحاكم في أعوام سابقة، إلا أن عدد الحالات التي قضت فيها المحاكم استناداً إلى أعذار مخففة تَظهر للمرة الأولى في وسائل الإعلام. ففي حين تشددت المحاكم الأردنية في الاستناد إلى «العذر المخفف» في قانون العقوبات خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، واصلت وسائل الإعلام محلياً ودولياً نقلَ أخبار جرائم قتل بداعي «الشرف» مع خلفية لازمة لكل خبر مفادها أن مرتكب هذا النوع من الجرائم يمكنه الاستفادة من المادتين 97 و98 في قانون العقوبات، اللتين تتضمنان عذراً مخففاً للفاعل إذا أقدم على فعله بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.

تصريح وزير العدل سبقه إعلان وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف عن إجراءات حكومية متخذة حيال ما يسمى «جرائم الشرف» تستند إلى محورين: «الممارسة القضائية التي باتت تشدد في إجراءاتها»، و«التعديل المنتظر على قانون العقوبات»، الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب لمناقشته في الدورة الاستثنائية، لكن جرى تأجيله للدورة العادية.

بحسب عودة، جرت مراجعة شاملة لأحكام قانون العقوبات لسنة 2004، وتقدمت الحكومة بمشروع القانون المعدل لسنة 2009، يتضمن تعديل أحكام المادة 97، ورفع الحد الأدنى للعقوبة الوارد فيها، وتشديد العقوبة على العديد من الجرائم المتعلقة بالعرض والاعتداء على المرأة والطفل. وتم إدراج القانون ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، على أمل مناقشتهما خلال الدورة العادية المقبلة.

ما جاء في حديث عودة والشريف لخص نتائج الجهود الحكومية في الحد مما يسمى «جرائم الشرف»، التي تضاف إلى جهود ودعوات منظمات مجتمع مدني ومؤسسات دولية في مجال حقوق الإنسان. إلا أن استمرار هذا النوع من الجرائم، بل وارتفاع نسبته في النصف الأول من العام الجاري، لا ينسجم والتوقعات المبنية على هذه الجهود.

هذا ما عبّرت عنه رسالة هيومن رايتس ووتش التي رأت أن عدد الضحايا غير المتغير -وربما طرأت في زيادة بسيطة- في جرائم «الشرف»، يُظهر أن «جهود الأردن المبذولة في ما مضى لمكافحة هذه الجريمة لم تكن بالجهود المثمرة».

المنظمة انتقدت قرار وزارة العدل إنشاء محكمة متخصصة للنظر في قضايا «الشرف»، وقالت في رسالتها للوزير: «لكي يجدي أيُّ نظام، يجب أن يكون مُجهّزاً بما يكفي من الموارد من حيث البنية التحتية والعاملين. ومن واقع خبرة المنظمة فإن إنشاء نظام قضائي موازٍ للتصدي لنوع معين من الجرائم يمكن أن يصبح عائقاً يحول دون تحقيق المطلوب».

من الخطوات الحكومية «الناجحة»، وفقاً للشريف، «جهود وزارة التنمية الاجتماعية، في الحفاظ على أرواح الكثير من الفتيات من خلال تعاملها الحكيم مع حالات الموقوفات إدارياً، ومن خلال التنسيق مع جميع المؤسسات الوطنية المعنية».

من جهتها، لا تجد هيومن رايتس ووتش في إيقاف الفتاة المهددة بالقتل حلاًّ للمشكلة، وترى أن «هناك تعسفاً يخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان»، يتمثل في «حجز الحرية».

«من حق أي منظمة أن ترى ما تشاء، لكن المهم هو النتيجة، فالفتاة المظلومة إذا لم يتوافر لها الأمان تصبح ضحية، ونحن أدرى بمجتمعنا»، يقول الشريف في رده على انتقادات هيومن رايتس ووتش.

جهود الحكومة في هذا المجال تعود إلى العام 2004 عندما تقدمت لمجلس النواب في حينه بتعديل لأحكام المادة 97 في قانون العقوبات، لكنها اصطدمت بردّ التعديل من جانب النواب ورفْضه في غير مناسبة. لكن الوضع قد يختلف مع مجلس النواب الحالي، فمقرر اللجنة القانونية في المجلس، أيمن شويات، تحدث في تصريحات صحفية عن محاولات حثيثة في مجلس النواب لتعديل العقوبة التي تقع على جريمة القتل الناتجة عما يسمى «الشرف». ويلفت إلى أن القانون أعطى صلاحيات واسعة للقضاة من حيث التدقيق في الجريمة والتثبت من الوقائع، «وهذا بحد ذاته خطوة إلى الأمام»، بحسب تعبيره.

في الوقت نفسه، تستمر مطالبات منظمات المجتمع المدني بتعديل المادة 98 من قانون العقوبات، أو إلغائها.

عضو اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، عاكف المعايطة، دعا في حديثه لـ«راديو البلد» إلى تشارُك الإعلام مع المؤسسات الأهلية في التوعية للمساهمة في التخفيف من عدد الجرائم التي تُرتكب بداعي «الشرف».

وتأمل أمين عام اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، أسمى خضر، في أن تُسهم التعديلات على قانون العقوبات إلى الحد من تلك الجرائم ومعاقبة الجناة. وتقول إن إجراءات القضاة بدأت تأخذ منحى التشدد في جمع الأدلة والتحقيق والأحكام النهائية، لكنها «خطوات تعتمد على تقدير القاضي نفسه، لا على مرجعية قانونية ينبغي تعديلها بالأساس».

المطلوب، وفقاً لخضر، «بذل جهود إعلامية وتربوية وثقافية لتصحيح المفاهيم السلبية عند المجتمع، بحيث يتبنى مواقف تحترم القانون وحقوق الإنسان، وبخاصة حقه في الحياة، ومساواة الرجل مع المرأة في تحمل مسؤولية الأفعال التي يقومان بها على حد سواء».

تعديل قانون العقوبات قد يكون له دور رئيسي في إنهاء ظاهرة جرائم القتل بداعي «الشرف»، لكن ازدياد عدد هذه الجرائم رغم محدودية استناد القضاة في أحكامهم إلى «الأعذار المخففة» في السنوات الأخيرة، يُظهر أن هنالك عوامل أخرى تحكم الظاهرة ولا تقلّ أهمية عن القوانين، من بينها المفهوم الاجتماعي السائد لـ«الشرف» الذي يربطه بالأعضاء التناسلية للمرأة.

تراجُع الاستناد إلى العذر المخفف في الجرائم بدعوى «الشرف»
 
01-Oct-2009
 
العدد 4