العدد 4 - عين ثالثة | ||||||||||||||
أمينة، واحدةٌ من بين عدد يُراوح بين 20 ألف و30 ألف إندونيسية يعملن في الأردن عاملات منازل. عملت خلال سنة ونصف السنة في منزل طبيب أردني في عمّان، حتى جاء يومٌ في أوائل أيلول/سبتمبر، نقلها فيه الطبيب من منزله، ونبذها بالقرب من مديرية الأمراض الصدرية وصحة الأجانب. أمينة أصيبت بالسل قبل ثلاثة أشهر من تلك الواقعة، وفقاً للفحوصات الطبية التي أُجريت لها بعد ذلك. وعندما حققت السلطات مع الطبيب، أنكر في البداية أنه كان يستخدم أمينة، كما اكتشفت السلطات أيضاً أن إهمال الطبيب معالجتَها الطبية أفضى إلى إصابة أبنائه أنفسهم بعدوى المرض.
ملابسات المعاملة السيئة التي تعرضت لها أمينة ربما تبعث على الصدمة، لكن العناصر الأخرى من معاملتها، التي لا يقبل الأردنيون أبداً بمثلها لأنفسهم، تظل مألوفة إلى حد كبير، فقد كانت والدة الطبيب تعتدي على أمينة بالضرب، بحسب ما قالت أمينة، ولم يكن الطبيب قد دفع لها أجرها منذ بدأت العمل لديه قبل 19 شهراً. وتعدّ حالات الإساءة الجسدية وعدم دفع أجور عاملات المنازل، ممارسات مألوفة ونمطية من إساءة المعاملة، التي تواجهها الكثير من عاملات المنازل في الكثير من الدول العربية. جاء الكشف عن إساءة المعاملة التي تعرّضت لها أمينة، بعد أسابيع قليلة من موافقة مجلس الوزراء الأردني على نظام جديد ينصّ على حقوق وواجبات عاملات المنازل ومستخدميهن. كان ذلك تطوراً لقي الترحيب، إلا أنه من غير الواضح لماذا استغرق الأمر عاماً تقريباً حتى تضع وزارة العمل مسودة النظام، وكان قانون العمل قد عُدّل في تموز/يوليو 2008 ليعالج مسألة عاملات المنازل ويشملهن بحمايته. قصة أمينة تلقي الضوء على الحاجة إلى إجراءات، لحماية العاملات في المنازل، أكثر من تلك التي أقرها مجلس الوزراء. على سبيل المثال، يُلزِم النظام الجديد المستخدِمين بإيداع راتب عاملة المنزل مباشرة في حسابها كل شهر. لكن، نظراً لشيوع ظاهرة التأخر في دفع الأجور أو عدم دفعها من الأساس، فإن ثمة حاجة إلى معالجة موضوع كيفية تفعيل هذا الالتزام، ولعل من أحد السُّبل إلى ذلك، تحديد التبعات التي سيواجهها المستخدِمون في حالة تخلّفهم عن دفع الأجور في مواعيدها. في خطوة حظيت بالترحيب، ألزم القانون الجديد المستخدِمين بتوفير تأمين طبي للعاملات لديهم، وبمنحهن ما يصل إلى 14 يوماً من الإجازات المرضية. وكان من الأفضل لو طُلب إلى المستخدِم تسهيل أمر زيارة العاملات للأطباء ومراكز الرعاية الصحية، وتقديم قائمة بالأطباء العامين والمختصين الذين تستطيع العاملات الاتصال بهم، عند الحاجة، ربما بمساعدة سفارات بلادهن. في هذا الشأن، ولأسباب أخرى أيضاً، ينبغي أن تعمل وزارة العمل على تزويد كل عاملة منزل بكتيب إرشادي يضم أرقام هواتف العاملين في سفارة بلادها، وهواتف مكاتب وزارة العمل، ومراكز الشرطة والخدمات الاجتماعية، مترجمةً إلى اللغات التي تفهمها العاملات. حالة التعرض للضرب الذي تزعم أمينة أنها عانت منه على أيدي والدة مستخدمها، تكشف الحاجةَ التي لم تغطِّها القوانين الحالية، إلى آليات سهلة لتتقدم العاملات اللواتي يواجهن إساءة المعاملة المتكررة بالشكوى، وإلى وضع برامج لنقلهن ومعالجتهن، بما في ذلك توفير أماكن إقامة مؤقتة آمنة ومجانية، إضافة إلى تقديم العلاجات والمشورة الطبية والنفسية. من الأمور الأخرى التي تُلقي تجربة أمينة الضوء عليها، حاجة القانون الأردني إلى تحديد مسؤولين عن تطبيق القانون، والذين يؤدون دوراً فاعلاً في تعقُّب التقارير أو الأدلّة والقرائن في حالات إساءة المعاملة الجسيمة، حتى لو لم يكن ذلك حصيلة للتقدم بشكوى رسمية. وفي حالة أمينة، أشار وزير العمل غازي شبيكات إلى أن الوزارة تدرس احتمال رفع دعوى قضائية ضد الطبيب الذي كان يستخدمها، كما تناقلت الأخبار تشكيل نقابة الأطباء الأردنيين لجنةً للتحقيق في قضية الطبيب المذكور. لكن الذي ظل غائباً عن كل ذلك، هو أيّ إشارة إلى أن أيّ تحقيق ربما يفضي إلى توجيه تهم جرمية ضد الطبيب ووالدته. ومع أن القانون الجديد لا يتحدث عن مثل ذلك، بطبيعة الحال، إلا أن قانون المحاكمات الأردني يَعِدّ مثل هذا السلوك جريمة في المقام الأول. ربما يكون من أهم نواقص القانون الذي صدر في أيلول/سبتمبر الفائت، هو إخفاقه في حماية عاملات المنازل من إمكانية أن يصبحن عالقات في منازل تمُارَس فيها إساءة المعاملة ضدهن، حيث يُجبَرن على العمل لساعات طويلة، ربما تحت ظروف غير آمنة، ويكنَّ فيها عرضة للاعتداءات الجسدية. ومع أن القانون الجديد يحدد ساعات العمل اليومية لعاملات المنازل بثمان ساعات، إلا أنه ينص أيضاً على أن عاملة المنزل «يجب أن لا تغادر المنزل... من دون موافقة المستخدِم»، وعلى أن بوسع المستخدِم أن «يُبقي العاملة في المنزل خلال ساعات عدم العمل»، ومن دون عدّ ذلك وقتَ عمل، ما دامت العاملة «ليست ممنوعة من استغلال وقت راحتها للعناية بشؤونها الخاصة». لقد اتخذ الأردن خطوة إلى الأمام بشمول عاملات المنازل في قانون العمل، لكن القانون الأخير ينطوي على عدد من النواقص التي ينبغي على الحكومة أن تعالجها. |
|
|||||||||||||