العدد 4 - شأن اقتصادي
 

لقد تجنبتُ الحديث في وسائل الإعلام عن مشروع قانون ضريبة الدخل خشية التأثير في النقاش الدائر حوله. أما وقد انفضّ البرلمان، فأودّ أن أدلي بدلوي، دافعي إلى ذلك مقالة إبراهيم سيف في العدد الأول من «السّجل»، التي حملت عنوان «ما الذي يجعل قانون الضريبة ناقصاً؟». فهي مقالة تشتمل على كثير من النقاط حول مشروع القانون، وتتضمن مجمل الانتقادات التي أُثيرت ضده.

يقول سيف إن الحوارات حول مشروع القانون ظلت في كثير من الأحيان مرتبكة، ولم تكن حجة التغيير واضحة. لكني أشير هنا إلى أن وزارة المالية ركزت خلال حملتها لشرح أهداف قانون ضريبة الدخل، على أن الهدف الرئيسي لهذا القانون هو تحفيز النشاط الاقتصادي، وتجنيب الاقتصاد الوطني من الدخول في حالة من الركود جراء الأزمة المالية العالمية. لتحقيق هذا الهدف، تضمّن مشروع القانون عدداً من الآليات التي لا تُعَدّ هدفاً بحد ذاتها، ومنها تبسيط النظام الضريبي، ومعالجة تعدد الضرائب وتشتتها، وتبسيط الإجراءات والمعاملات الضريبية، وتحسين الإدارة الضريبية، وتخفيف العبء الضريبي على المواطنين والمستثمرين على حد سواء، ومكافحة التهرب الضريبي.. ونتطلع إلى أن تساهم هذه التعديلات في تحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، وبالتالي تحفيز النشاط الاقتصادي الذي يعدّ الهدف الأهمّ.

حتى لو تم عدّ كل ما ذُكر أعلاه حجّة للتغيير، فإن حجج التغيير كافة، سواء كانت الاستجابة للأزمة الاقتصادية العالمية، أو تحفيز الاستثمار، أو إلغاء تعدد الضرائب، أو تحقيق التوازن والعدالة بين القطاعات.. كلها حجج مترابطة ومتداخلة بعضها مع بعضها الآخر، وتحقيق أيٍّ منها سيقود حتماً إلى تحقيق الأخرى، وبالتالي ليس هناك ما يمنع من الاستناد إلى أيٍّ منها كحجة للتغيير، إذا ما كانت ستفضي إلى الهدف النهائي المتمثل في تنشيط الحركة الاقتصادية في المملكة.

وبخصوص أن أيّاً من هذه الحجج لم يكن منسجماً مع حقيقة الخطاب الرسمي حول محدودية تأثر الأردن بالأزمة، وأن أيّاً منها لا يتوافق مع حقيقة أن التعديلات المقترحة لا تمثل بالضرورة حافزاً مالياً، لا بد من التوضيح أن موقف الحكومة كان واضحاً منذ بدايات الأزمة، إذ أعلنتُ، وفي أكثر من مناسبة ولقاء إعلامي، أن المملكة ستتأثر بشكل ملحوظ في هذه الأزمة، وأن بوادر ذلك أصبحت واضحة على المؤشرات الاقتصادية المالية الرئيسية.

أما أن التعديلات المقترحة لا تمثل بالضرورة حافزاً مالياً يقود إلى النشاط الاقتصادي، فقبل الحديث عن مدى جدوى هذه التعديلات في تحفيز النشاط الاقتصادي، وفي ما إذا كانت حافزاً مالياً يؤدي إلى هذه النتيجة، أود أن ألقت إلى أن التعديلات المقترحة كافة جاءت إما لتعالج تشوّهاً في النظام الضريبي القائم، أو تُمثل تطويراً مهماً فيه سيساهم في تحسين البيئة الاستثمارية وتحفيز الاستثمارات الخارجية والداخلية، فهذا القانون سيعمل على معالجة التشوهات العديدة التي يعاني منها النظام الضريبي، وسيحد من التهرب الضريبي، كما سيساهم في تحقيق مستويات أعلى من العدالة الضريبية وكفاءة التحصيل. فهل معالجة هذه الأمور لن يكون لها أثر مباشر في تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز النشاط الاقتصادي؟

أما الحوافز المالية، فكما هو معلوم فإن الحافز المالي يتحقق من خلال منح جهة ما دعماً مالياً مباشراً، أو اتخاذ إجراء يساهم في تخفيف الأعباء والالتزامات المالية المترتبة على هذه الجهة، مما يوفر سيولة أكبر لديها. وكما هو معلوم ومتعارف عليه، فإن أي جهة ستستغل أي موارد مالية إضافية تتوافر لها، إما بإنفاقها، أو بادخارها، أو بالتنويع ما بين هذين الخيارين، وفي كل الأحوال فإن أيّاً من هذه الخيارات وفقاً للنظريات الاقتصادية، سيصبّ في النهاية في النشاط الاقتصادي. أما كون الخزينة ستخسر من التعديلات المقترحة في قانون الضريبة، فقد أعلنّا هذا الأمر بوضوح، وقلنا إن الخزينة ستخسر على المدى المتوسط، إلا أن هذه الخسارة مبررة في سبيل تنشيط الاقتصاد، كما قلنا إنه ليس هناك إصلاح من دون ثمن، إلا إن الثمن الذي نتحدث عنه هنا قابل للتحمل، ولن يكون كبيراً، في سبيل تحقيق المنافع العديدة على اقتصادنا الوطني وعلى الموازنة العامة.

وبما يتعلق بموضوع المواطنة الضريبية، وبأن إعفاء شريحة واسعة بهدف التسهيل عليها سيؤدي إلى أنَّ من لا يدفع الضرائب سيجد نفسه أقل اهتماماً في سُبل الإنفاق، فلا بد من التذكير بالهدف من وراء منح مثل هذه الإعفاءات، فالجانب الاجتماعي كان أحد أهداف توسيع حجم الإعفاءات وشمول عدد أكبر من ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة إلى شريحة المعفيين من ضريبة الدخل، وكذلك كان الجانب الإداري، إذ إن توسيع الإعفاءات سيساعد في التخفيف من الأعباء الإدارية على دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، مما يعطيها فسحة أكبر لملاحقة المتهربين من دفع ضريبة الدخل.

وبما يتعلق بالضريبة المفروضة على التأمين والاتصالات، فإن نسبة ضريبة الدخل على هذين القطاعين لم يتم تخفيضها، إذ بقيت كما هي عليه وفقاً للقانون المعمول به حالياً، وتبلغ 25 في المئة.

أما القول إن التخفيض في نسبة ضريبة الدخل سيكون من نصيب استثمارات خارجية، فأذكّر بأن مشروع قانون ضريبة الدخل يفرض ضريبة بنسبة 10 في المئة على أي أرباح محولة للخارج، مما يعني أن تكلفة تحويل الأرباح إلى الخارج لم تنخفض على المستثمرين الخارجين، وبقيت عند مستواها الحالي نفسه.

«قانون ضريبة الدخل»: الهدف التحفيز الاقتصادي
 
01-Oct-2009
 
العدد 4