العدد 4 - الملف
 

أثارت التغطية الإعلامية لأحداث المشاجرات العشائرية الأخيرة في البلاد، جدلاً بين من عَدَّ «العنف العشائري» ظاهرةً متنامية تستحق اهتمام الإعلام، وبين من اعتقد أن الجديد هو «التركيز الإعلامي» على هذه الأحداث، لا أكثر. وفي حين أن هناك من يرى في «التركيز الإعلامي» تطوراً إيجابياً في أداء الإعلام، فإن آخرين يجدون فيه «تضخيماً»، كما يقول الناطق باسم مديرية الأمن العام، الرائد محمد الخطيب.

«الظاهرة الجديدة والإيجابية هي المعالجة الإعلامية، وليس الموضوع نفسه»، يقول الكاتب الصحفي إبراهيم غرايبة، موضحاً أن النزاع العشائري موجود، لكن الإعلام لم يكن يتناوله على النحو الذي جرى مؤخراً، كما أن الأسلحة النارية ظلت تُستَخدم مثل ما حدث في الانتخابات البلدية قبل سنوات، لكن الصحافة لم تُشِر إليها.

يختلف مراسل صحيفة الغد في الكرك، هشال العضايلة، مع غرايبة، ويرى أن المشاجرات في ازدياد، وأن طبيعتها تطورت من ناحية استخدام الأسلحة النارية، والطعن بالسكّين والقتل، في حين اقتصر معظمها في السابق على العصي والحجارة.

وفي حين امتنع كلٌّ من الإذاعة والتلفزيون الرسمييَن عن تغطية المشاجرات العشائرية، تناولت وكالة الأنباء الأردنية بعض الأحداث في أخبار موجزة بلا أسماء أو تفاصيل. أما الصحف، اليومية بخاصة، فارتأت في الغالب، التقليل من خطورة تلك المشاجرات، وانتهجت خطاً محافظاً في نقلها مع أقل التفاصيل، وإخفاء أسماء العشائر المتورطة فيها، وتجاهُل المشاجرات الصغيرة أو التي لم يتوسع نطاقها. غير أن المواقع الإلكترونية، مستفيدةً ممّا يُدعى «المواطن الصحفي»، وبتوافر التكنولوجيا سهلة الاستعمال، صارت بالمرصاد لكل مشاجرة، مهما كانت ضخامتها أو تداعياتها.

وفي المعالجة الواسعة للموضوع إعلامياً، بما في ذلك الأسماء والأحداث والصور، يتفق العضايلة مع غرايبة على كونها تطوراً إيجابياً ساهم فيه الإعلام المجتمعي والتطور التقني للإعلام، مثل التصوير بالموبايل، والبث عن طريق الإنترنت، والتفاعل والتعليق عبر وسائل الإعلام، وبخاصة المواقع الإلكترونية.

«أصبح الإعلام في يد المجتمع أكثر من أيّ مرحلة ماضية»، يقول غرايبة، ويضيف: «تحوّلَ دور الإعلام ليصبح إعلاماً مجتمعياً، وليس إعلاماً سياسياً إخبارياً أو خدماتياً فقط. الأصل أن الإعلام هو أداة المجتمع نفسه أكثر مما هو أداة للشركات والقطاع الخاص أو الجهات الحكومية، حيث المجتمع نفسه يستخدم الإعلام لمعالجة قضاياه وتغطيتها والتفاعل معها، فالناس تقرر ماذا تريد من الإعلام».

يدعم غرايبة تحليله بمقارنة تغطية أحداث عجلون بتغطية أحداث قرية الطيبة في محافظة إربد، حيث المسألة متعلقة باهتمام العشائر المتنازعة. يقول: «أطراف النزاع في عجلون اهتمّوا بالإعلام أكثر من أطراف النزاع في الطيبة، رغم أن الأخير كان أشد شراسة وعنفاً، واستُخدمت فيه أسلحة نارية على مدى 5 ساعات، لكن وسائل الإعلام لم تتحدث في الموضوع سوى في إشارات قليلة. بينما أرادت الأطراف المتشاجرة في عجلون نقل الموضوع إلى ساحة الإعلام».

يتحدث العضايلة عن صعوبة الحصول على المعلومات من الأجهزة الأمنية، التي صادرت الكاميرا وجهاز الموبايل اللذين استعملهما خلال تغطيته إحدى المشاجرات. ويلفت إلى خطورة التواجد في موقع المشاجرة، حيث الأعيرة النارية «عمياء»، لا تفرّق بين شخص طرفٍ في النزاع، وبين مواطن أو صحفي لا شأن له به.

«تحدث المشاجرة في لحظة، وتتطور في نصف ساعة يُطلَق خلالها آلاف العيارات النارية، وتتدخل أجهزة الأمن الموجودة في المنطقة باستخدام الأسلحة النارية والهراوات والغاز المسيل للدموع، وتنتهي القصة»، يقول العضايلة.

وبرأيه، هناك مشكلة في شحّ المعلومات وفي تضاربها: «نعتمد على روايات أشخاص شاركوا في المشاجرة، وتختلف الروايات، وبعضها يفتقد الدقة، ونحاول الاتصال بالجهات كافة، وبعضها يرفض التصريح. كما يصعب الحصول على عدد المصابين من المستشفيات التي ترفض إعطاء المعلومات حولهم وحول أوضاعهم الصحية».

إلا أن ضغوطات الأطراف المتنازعة للتأثير في ما يكتبه الصحفي أشدّ خطراً. العضايلة نفسه كان تعرّض للتهديد بالقتل والضرب العام 2008، ويكشف أنه تقدم بشكوى للمدعي العام في الكرك لتعرضه وأبنائه للتهديد إثر تغطيته لمشاجرة حدثت في إحدى قرى المحافظة.

«أطراف النزاع يتعاملون مع الصحفي على أنه جزء من العشيرة، ويتوقعون منه أن يصطف إلى جانبهم»، يقول العضايلة مشدداً على أن التغطية «واجب مهني»، وأنه يتعامل مع موضوع المشاجرات «كخبر، وبشكل مهني ومتوازن بعيداً عن إثارة الفرقة، لأن طريقة التغطية تؤثر إلى حدّ ما، إيجاباً أو سلباً، في حل هذه الخلافات».

«كتبتُ بشكل وصفي ومهني، ورأت الأطراف المتنازعة في ما كتبتُ إساءةً لهم. رؤية الناس متباينة ومتفاوتة لدور الإعلام. هناك مؤسسات مجتمع مدني في المحافظات والأطراف ترفض التغطية الإعلامية للمشاجرات العشائرية، لأنها تعتقد أن هذا يضخّم القضية ويزيد من تفاعلاتها السلبية، من حيث نقل الخلاف إلى أطراف أخرى قريبة وبعيدة»، يقول العضايلة.

بدوره، يرى غرايبة أن طبيعة كل وسيلة إعلامية تنعكس على طبيعة تناول الموضوع. «النزاعات العشائرية ينبغي تناولها إعلامياً ضمن منظومة من الحذر وعدم الانحياز، لأن القضية قد يصبح لها تداعيات كثيرة، لكن لا مناص من ذكر أسماء العشائر، وعند التعليق على الخبر من المتوقَّع أن يكون هناك انحياز وإساءة، فالناس لا يحتكمون لقواعد مهنية، وعلينا كإعلاميين تحمُّل هذه المسائل ضمن حدود، إذ يمكن وضع حدّ لذلك عبر تدخُّل مذيع عند حديث إذاعي متصل، أو عبر تحرير التعليقات».

تغطية الصحف، بالنسبة لغرايبة، تبدو كافية في هذا المجال، لكنه يرى أن هناك حاجة للنظر إلى الظاهرة بشمولية، لا في حدود كل حادثة بشكل فردي فحسب. «يجب أن ننظر إليها ضمن البيئة والتحولات التي تحدث، دور الدولة الجديد والمتغير، أزمة التحولات منذ 15 عاماً عندما بدأت الدولة تتخلى عن دورها، وهذا ما يحدث في كل العالم وليس هنا فقط. هناك دور جديد للدولة حيث تتشارك مع القطاع الخاص والمجتمع».

يبقى أن الاهتمام الإعلامي بنقل أخبار المشاجرات العشائرية، فتح أعين المحللين، على الأقل، على مسائل مهمة بات النقاش فيها مشروعاً، مثل دور الدولة وهيبتها، والمساواة بين المواطنين، وتعزيز سيادة القانون. وأمام تنافس وسائل الإعلام وتوافر وسائل تكنولوجيا حديثة وسهلة الاستعمال في أيدي الناس، لم يعد في الوسع إخفاء أيّ ظاهرة.

المعالجة الإعلامية للمشاجرات العشائرية: فتح العيون على دور الدولة والقانون
 
01-Oct-2009
 
العدد 4