العدد 4 - الملف
 

«اقتلوا.. اقتلوا، هيّو ورا الخزّان»، صرخات تصدر عن طفل لا يتجاوز الثامنة من عمره، يرابط خلف شاشة كمبيوتر في صالة ألعاب، يمضي فيها مع رفاقه ساعات طويلة في اللعب. الألعاب التي يفضّلها هؤلاء بعامة، تدور حول عمليات مطاردة وقتل وتفجير عمارات سكنية.

صالات الألعاب انتشرت بكثرة في البلاد في العقد الأخير، بخاصة في العاصمة عمّان، ويُقبل عليها شبان وأطفال على السواء، يُمضون فيها أوقاتاً طويلة تصل حتى ساعات الصباح الباكر.

مع بدء انتشار ألعاب الفيديو في أوائل تسعينيات القرن الفائت، ظهرت الكثير من الألعاب الدموية، مهمة اللاعب فيها قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص، باستخدام الأسلحة المختلفة، وقد انطلق جدال واسع في الغرب حول مساهمة هذه الألعاب في نشر ثقافة العنف لدى المراهقين، وعلاقتها بزيادة معدلات الجريمة.

«منتجو هذه الألعاب في الغرب يحددون الفئة العمرية المناسبة لكلٍّ منها، فتُمنع ألعابٌ معينة عمن هم تحت سن الثالثة عشرة مثلاً، وتُمنع ألعاب أخرى عمّن هم دون الثامنة عشرة، ويوضع على غلاف اللعبة الفئة العمرية المناسبة لها»، يقول عبد الله، صاحب محل لبيع ألعاب الفيديو، ويؤكد أن معظم زبائنه هم من الأطفال، الذين يحرصون على شراء الألعاب الجديدة باستمرار.

«نحن للأسف، لا نهتم بمثل هذه التفاصيل، فنترك لعبة تحتوي على الكثير من القتل والدماء، تصنيفها +18 بين يدي طفل لا يتجاوز عمره عشر سنوات»، يضيف عبدالله، كاشفاً أن هناك إقبالاً استثنائياً على ألعاب العنف والألعاب الدموية. وهو يقرّ أنه لا يستطيع التوقف عن بيع مثل هذه الألعاب، فهي «المصدر الأساسي» لكسب رزقه، لكنه يدعو إلى وضع نظام إشراف على بيعها، كي لا تقع في يد الصغار، بخاصة أنها متوافرة على شبكة الإنترنت، ويتمكن الأطفال من الوصول إليها في أي وقت.

إشراف الأهل على استخدام الإنترنت من جانب الطفل ضروري، وغياب رقابتهم يقود إلى شيوع ثقافة العنف لدى أبنائهم، وفقاً لما تراه الخبيرة في علم الاجتماع لبنى عكروش. تقول: «أظهرت دراساتي أن انشغال الوالدين وابتعادهم عن مراقبة الأبناء، يشكل 90 في المئة من أسباب المشاكل التي يقع فيها الأطفال والمراهقون». وتضيف: «لا بد أن يجد الأهل بدائل لأبنائهم عن الألعاب العنيفة، مثل الألعاب التعليمية والثقافية، والرسم وكتابة المذكرات، كي ينشأ الطفل في بيئة بعيدة عن الإجرام والعنف».

ليث، 10 سنوات، يقول إنه لا يستسيغ الألعاب العنيفة، وإنه يفضّل تلك التي تحتوي على التفكير والتخطيط، «ماما عوّدتني على ألعاب الرسم والتركيب، وعلى التلفزيون بنحضر بس المسلسلات العادية أو أفلام عربية.. بسمع بابا بس أنام بيحضر أفلام كلها طخ، بس أنا ما بحبها».

إلى جانب ألعاب الفيديو، ظهرت موجة مسلسلات الآكشن» التي طغت على المسلسلات المحلية والعربية، ويبدو تأثر الأطفال والصغار بها واضحاً. من تلك المسلسلات: Prison Break الذي يدور حول هرب مجموعة من المجرمين من قبضة العدالة، ومواجهتهم خلال ذلك الكثيرَ من المشاكل التي تقتضي القتل بلا تردد.

انتشار هذه المسلسلات ساهم في إرساء ثقافة جديدة لدى كثير من الشبان، تتجلى في استسهال العنف واستساغة رؤية الدماء، «كنا زمان نرتعب لما نشوف مشهد قتل أو طخ، هلأ أخوي الصغير ما بيفرق معه إذا شاف أربعة انقتلوا»، يقول أنس، المستاء من متابعة إخوته الصغار لهذه المسلسلات، لكنه عاجز عن منعهم، فجميع من في عمرهم يتابعونها ويُقبلون على مشاهدتها.

في هذا السياق، ما زال موضوع رقابة الأهل على القنوات الفضائية محل جدل واسع في المجتمعات العربية والغربية، كما يطالب التربويون بضرورة السيطرة على مشاهد العنف، التي أصبحت تتدرج للظهور في المسلسلات الخاصة بالأطفال.

الطبيب النفسي محمد الحباشنة يرى أن هذه المسلسلات «من العوامل التي تسهّل نشر ثقافة العنف، إذ يتم تصوير الشخص العنيف على أنه بطل في معظمها». ويشدد على ضرورة متابعة الأهل لأطفالهم، و«من لا يستطيع التفرغ لتربية أبنائه فالأجدر به ألا ينجبهم!»، بحسب تعبيره.

يدعو الحباشنة إلى تغيير كثير من المصطلحات والمفاهيم الدارجة لإلغاء ثقافة العنف. فعندما يعود طفل من المدرسة وهو مصاب جرّاء طوشة، غالباً ما يبادره أبوه بالسؤال عن مقدار ما لحق بالطرف الآخر من أذى، فيفهم الطفل أن عليه الضرب مجدداً، بدلاً من اللجوء لحل المشكلات من هذا النوع بطريقة حضارية.

ويلفت الطبيب النفسي إلى ضرورة «حديث الأهل أكثر عن مرجعية القانون، بوصفها الحل الأمثل لإنهاء المشاكل»، وينوّه إلى أن الأطفال يخشون الشرطة وكأنهم عدو، في حين أنه ينبغي أن يُنظَر إليهم على أنهم «يمثلون الجهة القادرة على إنهاء المشاكل».

انتشار أفلام وألعاب العنف، إضافة إلى عوامل أخرى، يساهم في تغيير عقلية فئة من الشبان تمتلك من الغضب والكبت الكثيرَ جرّاء الأوضاع المعيشية الصعبة، حتى أصبح تعبير «علقة نصها موت» بسيطاً وخفيفاً أمام جرائم قتل حقيقية يتكرر وقوعها في المجتمع ولأسباب تافهة.

الأفلام وألعاب الفيديو: تكريس ثقافة العنف؟
 
01-Oct-2009
 
العدد 4