العدد 4 - الملف
 

الرواشدة الذي يدرس في جامعة خاصة شمال العاصمة عمّان، وُجّه له إنذار نهائي وفُصل من الجامعة لمدة فصل دراسي واحد، لـ«إحداثه عنفاً طلابياً، نتجَ عنه إصابات بين صفوف الطلبة وأضرار في الممتلكات»، بحسب حيثيات قرار العقوبة.

وفي الوقت الذي كشف فيه لـ«ے» أنه لم يندم على ما ارتكبه من أحداث شغب، عبّر عن اعتزازه بالتنشئة الأسرية التي دفعت به لـ«وضع حَدّ» لكل من يفكر بالاعتداء عليه أو المسّ به لفظياً. وهو يستذكر اليوم الأول الذي توجه فيه إلى المدرسة وهو في السادسة، إذ قدم له والده «موس» للدفاع به عن نفسه في حال تعرّضَ لاعتداء من آخرين.

في هذا السياق، تؤكد أستاذة التربية الوطنية في الجامعة الأردنية الألمانية صفاء شويحات، أن هناك مسؤوليةً تقع على الأسرة للحيلولة دون تكرار العنف الطلابي، وتلفت في دراسة ميدانية من إعدادها نُشرت نتائجها مؤخراً، إلى أهمية استعادة «الدور الغائب» لعمادات شؤون الطلبة، التي أصبحت مهمتها «إقامة الاحتفالات والندوات المناسباتية، غافلةً عن ملء أوقات الفراغ لدى الطلبة على النحو المأمول»، بحسب تعبيرها.

وهو ما أكده مدير مديرية التوجيه الوطني في المجلس الأعلى للشباب، سالم الحراحشة، الذي يدعو إلى «إعادة النظر في دور عمادات شؤون الطلبة، لتستعيد وظيفتها التوجيهية والتنويرية للطلبة، بما يضمن إشراكهم في الأنشطة اللامنهجية، واستثمار طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية بما هو مفيد».

ويضيف الحراحشة في حديث مع «ے»، أن هذه العمادات «مسؤولة عن استنهاض همم الطلبة، وتوفير المناخ الطلابي المفيد، ومدّ جسور التعاون على نحو يحول دون تفشي الخلافات بينهم».

من جهته، يرى رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا وجيه عويس، في تصريح لـ«ے»، أن «الحد من العنف الجامعي مسؤولية الجميع»، بمن فيهم الأسرة والجامعة، مشدداً على أهمية «إشراك الأهالي في تحمُّل المسؤولية تجاه الأبناء للحد من العنف الجماعي».

دراسة شويحات شملت 2100 طالباً، وتمحورت حول مسببات العنف بين طلبة الجامعات، التي تتلخّص وفقاً للدراسة، في: افتقار مهارات التواصل، عدم القدرة على إدارة دفة الحوار وفضّ النزاعات، تدني المهارات الشخصية ومهارات ضبط الذات وسوء إدارة وقت الفراغ بين المحاضرات.

عميد شؤون الطلبة في جامعة العلوم الإسلامية خليل حجاج، يرى أن على الجامعات «تبني استراتيجيات لصهر المجتمع الطلابي بمنظومات فكرية تنبذ العنف والتمييز الطبقي والجهوي؛ بالتركيز على أولويات الشعور بالانتماء من خلال تجديد صورة ومعنى الوطن لدى الطلبة، ومعرفتهم بذاتهم الحضارية والتاريخية، وتعزيز ثقافة الحوار بدلاً من ثقافة العنف»؛ وهو ما يتطلب «إعادة النظر بدور عمادات شؤون الطلبة، وتعريف الطلبة بمهام هذه العمادات».

يعتقد حجاج أن الخلافات الطلابية في معظمها ناتجة عن «أسباب سطحية يمكن معالجتها والتعامل معها»، من خلال تضافر جهود المجتمع بأكمله. ويؤكد ضرورة إشراك أطراف أخرى لمعالجة الظاهرة، مثل: الوزارات والمؤسسات المعنية في شؤون التعليم والشباب والتنمية السياسية. ويقدم في هذا السياق مقترحاً لـ«إنشاء هيئة قانونية في وزارة التعليم العالي، تضبط العنف الطلابي عبر ضوابط قانونية، لردع الشبان، والحد من العنف».

ظهور الخلافات الطلابية، بحسب حجاج، يعود إلى نهاية الستينيات، لأسباب سياسية، قبيل تفشي هذه الظاهرة في مطلع السبعينيات وللأسباب نفسها. ثم ازداد حضوره في منتصف الثمانينيات، لأسباب سياسية ومطلبية، وأخذت تُوجِّهه منذ مطلع التسعينيات نزعاتٌ عشائرية بشكل أساسي.

عميد شؤون الطلبة سابقاً في جامعة العلوم والتكنولوجيا محمد عبيدات، يرى أن «الحوار البنّاء يؤدي إلى تفتيت هذه الظاهرة»، بوصفه إحدى أذرع الديمقراطية التي تنادي بتفهُّم الرأي الآخر ومناقشته وقبوله، فالحوار هو «الطريق الإيجابية السليمة للتعبير عن الرأي، وبالتالي فإن ظاهرة العنف هي ضد الحوار البنّاء، وهي وسيلة هدم لا بناء».

يلفت عبيدات إلى الدور الذي من المفترض أن يناط بإدارات الجامعات، لتعميق لغة الحوار بين الطلبة، من خلال تفهُّمها للطبيعة الديمغرافية للبلاد، الأمر الذي يؤدي إلى إدراك التنوع بين فئات الطلبة ومعرفة البيئات المختلفة. كما يشير إلى ضرورة أن «يُمنَح الطلبة حقوقهم، وأن يجري التعامل معهم بسياسة الباب المفتوح، بغية وصول الطالب للمسؤول دون عناء ومعوقات». ويطالب بانفتاح إدارات الجامعات على الطلبة، لسماع آرائهم في القضايا المختلفة، وذلك «عبر عمادة شؤون الطلبة، التي تعدّ مظلة الأنشطة الطلابية». ويعتقد أن «توفير منابر ديمقراطية، مثل مجالس الطلبة والأندية، يسهم في تعليم الطلبة وسائل الاتصال مع الآخرين، والحيلولة دون حدوث اختناقات بينهم».

نسبة الطلبة المنخرطين في العنف الطلابي «قليلة» كما يرى عبيدات، لكنها آخذة في الازدياد، بسبب الثقافة الفردية وغياب الوعي وضعف التربية، والالتزام بمنطق العصبية والعشائرية، والاستعراض، وحُبّ الظهور الممتد من خارج أسوار الجامعة.

ويقترح في سياق مواجهة المشكلة، إعدادَ برامج تهيئة للطلبة الجدد، لتنمية روح الانتماء للجامعة وللوطن، وتنظيم دورات وورش عمل على مهارات الاتصال والإصغاء وتقبُّل الرأي الآخر، وتوجيه الطلبة الجدد حول السلوك المناسب، وتفعيل الأندية ومجالس الطلبة، وتوجيه الإعلام حول قضايا الشبان، ودعم صندوق الطلبة، وتطوير مساقات خدمة المجتمع والتفاعل معه.

أما شويحات، فقد أوصت في دراستها، بـ«تشكيل هيئة وطنية لإعداد برامج هادفة للحد من شيوع العنف بين فئات الشباب بشكل عام، وطلبة الجامعات بشكل خاص»، وأكدت أهمية التنسيق بين عمادات شؤون الطلبة وأعضاء مجالس الطلبة والجهات المعنية بالإرشاد والتوجيه ومدرّسي التربية الوطنية في الجامعات، لوضع خطة عمل فصلية وفقاً لاحتياجات الطلبة.

تقصير فادح لعمادات شؤون الطلبة وما زال العنف الجامعي مستمرّاً
 
01-Oct-2009
 
العدد 4