العدد 4 - الملف | ||||||||||||||
ليس هناك عامل واحد حاسم أدى إلى ظهور «الظاهرة المعانية» - تكرار اللجوء للعنف - بل إن هناك مجموعة ظروف موضوعية جعلت هذه المدينة أكثر قابلية للجوء للعنف الجماعي للتعبير عن الاحتجاج، مما تسبب باندلاع عدد من الأزمات والأحداث بين أهالي معان والدولة؛ فالبطالة والفقر في معان أعلى من مستواهما على الصعيد الوطني العام، إلاّ أنهما بالمستوى نفسه في مناطق أخرى من المملكة مثل: عجلون، والمفرق. وكذلك الحالة بالنسبة للدخل الأسري فهو متدنٍّ بشكل لافت للنظر عن المستوى الوطني العام، إلاّ أن هذا ينطبق أيضاً على أماكن أخرى في المملكة، وينطبق الحال كذلك على بعض مؤشرات التنمية البشرية. هذا يعني أن معان ليست حالة منفردة في السياق الأردني، بل تتشابه إلى حد ما مع مدن ومناطق أخرى في المملكة. وتبيّن أن خصوصية معان ربما تكمن في علاقة أهلها بأجهزة الدولة المختلفة، وأن هذه الخصوصية تتجسد في العلاقة السلبية مع السلطة التي تطوّرت مع الزمن نتيجة بعض السياسات الرسمية الناجمة عن قناعة السلطة المركزية أن معان «مدينة مُشْكلة»، إذ تم حصر المشكلة في السياق الأمني بمعزل عن المتغيرات الأخرى. تَظهر هذه الخصوصية جليّة في التحرك الأمني المكثف الذي تشهده المدينة في أزماتها ولا تشهده مناطق أخرى من المملكة، فمثلاً بعد الانتخابات النيابية في حزيران/يونيو 2003 وقعت أحداث مماثلة في لواء ناعور لما شهدته معان، وعلى الدرجة نفسها من العنف إن لم تزد، إلا أنها لم تستدعِ ردَّ فعل عنيفاً من جانب الدولة على غرار الذي شهدته معان خلال أزماتها. لقد ترتب على أسلوب التعامل من جانب الدولة مع الحالة المعانية، تعزيز التماسك والتكاتف بين أهالي معان في مواجهة أجهزة الدولة على نحو فريد، ربما يكون ساهم فيه طبيعة البناء الاجتماعي الذي تم استعراضه في التقرير، وهو ما يؤكده ضباط الأمن العام والمخابرات العامة الميدانيون العاملون في معان، إذ أكدوا صعوبة الحصول على مساعدة أهل المدينة للكشف عن مطلوبين أو إلقاء القبض عليهم، وهذا ما أكدته أيضاً بعض القيادات الشعبية المعانية. وقد تعزز هذا التكاتف بسبب تدني الثقة في إجراءات الدولة وسوء إدارتها للأزمات وفقاً للرأي السائد بين غالبية النخب القاطنة في معان. تدني الثقة بهذه المؤسسات نتيجة خصوصية التعامل سابقة الذكر، ساهم في بروز ظاهرة الاحتجاجات العنيفة المتكررة. ووفقاً لما توصل إليه الفريق الذي أعد تقرير «معان أزمة مفتوحة»، فإن النقاط الواردة أدناه تشكل مدخلاً للتعامل مع الواقع المعاني: * إن تشكيل اللجنة الشعبية لمدينة معان يعدّ رداً إيجابياً على الأزمة والواقع المعاني. وإن عدم التعامل الجاد مع اللجنة من جانب الدولة هو تأخير لا مبرر له، بخاصة أن معظم مطالب اللجنة الشعبية تعدّ منطقية ومعقولة. * العمل على تعزيز التعامل مع النخب المعانية القريبة من قاطني المدينة نظراً لاقترابهم من هموم المواطنين، وعدم تقريب أطراف من أجهزة الدولة على حساب أطراف أخرى حفاظاً على حيادية الدولة. * لا بد من تحسين أداء مؤسسات الحكم المحلي الممثلة للدولة المركزية في المدينة لتجاوز أزمة الثقة القائمة، حتى لو استدعى ذلك إجراء بعض التغييرات، أسوة بجهاز الأمن العام. * إن فرض القانون والنظام على الجميع في المدينة وإيقاف مسلسل الإفراجات بالذات عن المتهمين بقضايا جرمية، إرضاءً لبعض الوجهاء، من شأنه المساعدة في تجاوز أزمة الثقة، وتحسين صورة الأمن العام لدى أهل المدينة. * لا يمكن عزل الأزمة المعانية عن السياق الوطني، فالتنمية السياسية والاقتصادية في المملكة من شأنها أن تنعكس على الواقع المعاني إيجابياً. * على الصعيد الاقتصادي، لا يختلف الوضع في معان كثيراً عن أماكن ومحافظات أخرى في المملكة، وهو يقتضي ضرورة تطوير البنية التحتية لتحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام وعلى الصعيد الوطني، والحديث عن مشاريع خاصة بمعان يتعارض مع النهج الاقتصادي العام الذي يفترض توزيع حوافز موحدة على مناطق المملكة المختلفة ضمن قانون تشجيع الاستثمار، وما يجب التركيز عليه في هذا السياق هو إبراز المزايا الخاصة بالمدينة أو المحافظة التي يمكن استغلالها لتنفيذ استثمارات جديدة تدار بأساليب عصرية تفادياً لتكرار تجربة مصنع الزجاج غير الناجحة. * من الواضح أن طاقات شباب معان الذين يشكلون غالبية سكان المدينة بحاجة إلى قنوات للتعبير عنها عبر هيئات ونوادٍ، أو جمعيات أهلية، أو من خلال مرافق جامعة الحسين. تُشكل هذه الأفكار في مُجملها، إن طُبِّقت، أرضية خصبة للعمل المشترك بين ممثلين عن أجهزة الدولة المختلفة والنخب المعانية لوضع نهاية لما عُرف بالأزمة المعانية. * المصدر: تقرير «معان أزمة مفتوحة»، إعداد مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، 2003. |
|
|||||||||||||