العدد 4 - الملف
 

سيذكر المؤرخون يوماً ما، أن فقوع افتتحت مسلسل العنف الجماعي للعام 2009. ففي 10 أيار/مايو 2009، أقدم أحد أشقاء رئيس بلدية عبدالله بن رواحة، على قتل عبد الرحيم سليم البديرات؛ على خلفية شكوى موجّهة لوزير البلديات حول ارتكاب رئيس البلدية عمر مسلم البديرات، مخالفات في عمله، دفعت الوزير، وفقاً لوسائل إعلام محلية، إلى إصدار قرار بوقفه عن العمل في وقت سابق.

وبحسب موظف في البلدية طلب عدم كشف هويته، فإن تسريبات شاعت بين الموظفين منذ ظهر الخميس 7 أيار/مايو، بإيقاف رئيس البلدية عن عمله، إلا إن نص القرار وصل صباح الأحد».

تقدم البلدية الخدمة إلى نحو 10 آلاف نسمة، يقطنون أربع مناطق: أمرع، صرفة، الزهرا، وفقوع.

وقد بُذلت جهود كبيرة من رجال الدرك، والأمن العام وشيوخ محافظة الكرك ووجهائها، لطيّ صفحة الخلاف بين طرفَي عشيرة البديرات: الدرابيس، عشيرة المجني عليه؛ وعيال تيّم، عشيرة الجاني.

«ے» تحدثت إلى أحد الوجهاء المحليين في فقوع، طلب عدم ذكر اسمه بسبب صلة القرابة التي تربطه بأحد طرفَي النزاع. وهو يروي ما حدث بقوله: «أعطى رئيس البلدية الحاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الزراعية، حصةَ الأسد من الوظائف داخل البلدية لثلاثة من إخوته وخمسة من أقاربه وذويه، ما أدى ذلك إشعال فتيل النار بينه وبين الكثير من المواطنين».

يضيف الوجيه: «رفع عدد من أهالي القرية مذكرة أواخر شباط/فبراير الماضي، إلى رئيس الحكومة، وأرسلوا نسخة منها إلى وزير البلديات، لسرعة التدخل لإنقاذ البلدية وإنجازاتها على مدار السنوات الماضية».

وجاء في المذكرة، أن ما يجري في البلدية من ترهل مالي وإداري واستثمار للوظيفة، يؤثر بشكل كبير في الخدمات المقدمة للمواطنين في المناطق كافة. وطالبت المذكرة بـ«إيقاف رئيس البلدية وثلاثة موظفين، بعد أن سُجِّلَت بحقهم قضايا مختلفة».

أحد قاطني فقوع، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، قال لـ«ے» في اتصال هاتفي: «تضييق رئيس البلدية على مأمور الحركة بخيت البديرات، وأحد أبنائه الذي يعمل سائقاً في البلدية، واللذين تربطهما بالمجني عليه روابط عمومة، أبرز أسباب الخلاف الذي أدى في ما بعد لجريمة قتل راح ضحيتها رجل خمسيني».

وتابع: «تعاملَ رئيس البلدية الموقوف عن العمل مع موضوع إقالته بمنتهى الهدوء، وبدا قانعا وراضياً بالقرار. لكن هذا لم يَرُق لإخوته الذين استقلوا سيارة وحملوا السلاح وقد ترسخ في قناعتهم بأن وراء إقالة أخيهم، شكاوى اعتقدوا أن مصدرها بخيت وابنه، وشاهدوا في طريقهم أحد أبناء عمومته ويدعى عبد الرحيم البديرات، فاقتربوا منه بسيارتهم، حتى تسنى لهم إطلاق ثلاثة أعيرة نارية استقرت في رأسه، وأردته قتيلاً».

«ے» تحدثت هاتفياً مع مأمور الحركة في البلدية بخيت البديرات، الذي أكد أنه تم إيقافه عن العمل منذ 1 شباط/فبراير 2009، دون سبب؛ ما دفعه لمخاطبة المتصرف والمحافظ ووزير البلديات، فقام الوزير بمخاطبة رئيس البلدية لإعادة بخيت إلى عمله في أواخر آذار/مارس، وأردفه بآخر في نيسان/إبريل، لعدم استجابة رئيس البلدية في المرة الأولى. ويستدرك بخيت بقوله: «رغم ذلك، لم أباشر عملي إلا في 10 حزيران/يونيو».

محمد البديرات، أحد أبناء القرية يعمل موظفاً في عمّان، يؤكد أن رجال الشرطة والدرك «تواجدوا فور وقوع الجريمة، وقاموا بترحيل أهل الجاني وذويه إلى الأغوار الجنوبية، وتابعوا كل التفاصيل، لمنع تطور الخلافات».

إلا أن هناك من يرى أن محافظ الكرك فواز رشيدات قصّر في أداء مهامه. يقول أحد وجهاء القرية ممن حاولوا إصلاح ذات البين:«لم نرَ المحافظ منذ أربع سنوات، ولم يأتِ إلى القرية ولو لمجرد الزيارة». ويضيف: «كان بقصد أو دون قصد، دائم التكرار وبلسان المتعصب لعشيرته: أنا من عشيرة معروفة».

لكن المحافظ، الذي تسلم مهامه في أواخر أيار/مايو 2006، أكد لـ«ے» متابعته الحثيثة لكل قضايا المنطقة، بما فيها ما يحدث من قضايا في فقوع، باستثناء جريمة قتل «البديرات»؛ لتزامنها مع وفاة والده.

يوضح رشيدات: «عندما انتهيت من تقبُّل العزاء بوفاة والدي، كانت العطوة الأمنية قد أُخذت، ورُحِّل أهل الجاني إلى الأغوار الجنوبية، إلا أنني قمت بجمع وجهاء المنطقة، للتباحث في الموضوع». ويضيف: «المحاولات التي قمنا بها لإرضاء أهل المجني عليه كثيرة، وقد أسفرت عن إعادة عدد من العائلات إلى بيوتهم؛ قبيل حلول شهر رمضان، لكن بعضهم حزم أمتعته من جديد إلى قرية مجاورة، دون أن يتعرض للأذى من أحد».

الاتهامات التي وُجهت إلى المحافظ لم تطل متصرف فقوع ممدوح الفقير. أحد أقارب المرحَّلين عن القرية، أكد لـ«ے» أن المتصرف «يعرف أدق التفاصيل عن البلدة وعن أبنائها، وهو دائم الاستشارة مع وجهاء الكرك لتخفيف مصاب عائلة المجني عليه، مستخدماً كل ما أوتي من وقت وسلطة لتجاوز هذه المحنة، إلا إننا فوجئنا بقرار نقله إلى منطقة الهاشمية قبل إجازة العيد».

شيوخ الكرك ووجهاؤها تابعوا وقائع الجريمة وما استتبعته من أحداث، وتقرّبوا من أهل المجني عليه ولازموهم في محنتهم؛ فهذا «أفضل من تعقّب الجاني وإيداعه القضاء»، بحسب أحد وجهاء فقوع، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع.

يضيف الوجيه: «بعد وقوع حادثة القتل، قمت وبرفقة عدد كبير من شيوخ المنطقة، بأخذ عطوة أمنية لثلاثة أيام وثلث، ثم العطوة العشائرية وكانت لـ6 أشهر».

وعن سبب إبعاد أهل المجني عليه تحديداً إلى الأغوار الجنوبية، يوضح الوجيه: «شهدتُ أكثر من عشرين جريمة قتل في الكرك، وفي غالبها كانت الجلوة في نطاق المحافظة، إلا أن أهل الكرك لم يقبلوا بوجود أهل الجاني في مناطقهم؛ ورأوا أنه من الأفضل ترحيلهم خارج المحافظة». وهذا ما يؤكده محافظ الكرك، الذي أبلغ «ے» أن أهالي الكرك لم يقبلوا أن تكون الجلوة في مناطقهم، ما أدى إلى ترحيل أهل الجاني وأقاربه إلى أماكن بعيدة.

أحداث فقوع:عنف يتكئ على إرث عشائري
 
01-Oct-2009
 
العدد 4