العدد 4 - الملف | ||||||||||||||
أحداث العنف الجماعي التي شهدتها بلدة الطيبة بمحافظة إربد، في منتصف حزيران/يونيو 2009، بدأ فتيلُها من خلاف عائلي بين شخص من عشيرة القرعان، وأحد أبناء شقيقته من عشيرة العلاونة. وفي التفاصيل، أن الأخير رفَعَ دعوى قضائية في محكمة بداية إربد ضد خاله، وقام أشقاؤه بالاعتداء على الخال بالضرب والشتم وإطلاق عيارات نارية باتجاه منزله، أسفرت عن تكسير النوافذ، وإصابة أحد اطفاله، ما أدى إلى ردة فعل عنيفة من جانب الخال، الذي لجأ إلى سلاحه الأوتوماتيكي وأطلق عيارات نارية باتجاه أبناء شقيقته، فأصيب أحدهم بعيارين ناريين، وتوفي على إثر ذلك بعد نقله إلى المستشفى. بدأت القضية تتخذ منحنى جديداً، حين أقدم أهل المغدور، على حرق منزل شقيق القاتل بعد ساعتين فقط، ما استدعى تواجداً أمنياً كثيفاً في البلدة، لتطويق الحادثة وتداعياتها. لم تفلح جهود الأجهزة الأمنية في تحقيق تهدئة في البلدة، التي تواصَل فيها مسلسل العنف الجماعي وطال ممتلكات للدولة ولأفراد، من مثل: إطلاق نار كثيف على أعمدة التيار الكهربائي ومولداته لقطعه وخلق حالة من الفوضى، حرق إطارات سيارات مشتعلة وتكسير عدد من سيارات الشرطة. ازدياد وتيرة العنف، استدعت اللجوء إلى وساطات وجاهية، ترأسها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، وضمت نواب المدينة ياسين بني ياسين، عبد الله الغرايبة، ومحمود مهيدات، إضافة إلى الوزير السابق محمد العلاونة وعدد من شيوخ المنطقة ووجهائها، وقد تمكنوا في النهاية من إبرام عطوة عشائرية. قوبلت الجاهة «بترحاب من عشيرة العلاونة، وتمت الموافقة على «عطوة اعتراف لمدة شهرين»، شريطة إسقاط جميع القضايا العالقة بين العشيرتين باستثناء قضية القتل، واتُّفق على أن تجلي أسرة القاتل خارج لواء الطيبة إلى حين إنهاء الخلاف، فضلاً عن «جلو» أعمام القاتل لمدة شهر خارج اللواء، وتغريم عشائر القرعان مبلغ عشرة آلاف دينار (فراش عطوة)، نظراً لتأخرهم ستين يوماً عن أخذ العطوة. وقد ساد الذهول والقلق في أوساط البلدة وخارجها، لما جرى من تجاوز على القانون، واعتداء على الممتلكات، وعجز الدولة أمام هذه الأحداث. متصرف لواء الطيبة علي ماضي، يرى في تصريح لـ«ے»، أن محاولة أخذ أفراد حقَّهم بيدهم، سلوك «مقلق»، إذ ارتبط ذلك بعمليات تخريب قام بها شبّان من العشيرتين، يعتقدون أن المرء يجب أن يأخذ حقه بيده دون حسبان لسيادة القانون. كما ارتبط ما حدث بما اصطلح على تسميته «فورة الدم». استشاري الطب النفسي والاجتماعي محمد الحباشنة، يعزو لجوء مجموعة عشائرية إلى الشغب والتخريب، كما حدث في الطيبة، لنيل ما ترى أنه «حق مسلوب»، إلى ما شهدته البلاد من إضعاف للدور العشائري التقليدي، وتراجع حضور قادة المجتمع المحلي، جرّاء التوجّه المتنامي نحو قضاء مدني «تطول تشعباته ودهاليزه». بحسب الحباشنة، فإن الدولة لم تفلح في «تطبيق أدوات المدنية بشكل عادل ومريح»، في إطار التحول من مجتمع قبلي عشائري إلى مجتمع مدني. فـ«في غياب أدوات مدنية فاعلة، تراجعَ الدور العشائري المؤثر، والمحافظ على تماسك العشيرة». بدوره، يرى ماضي أن «اتسام المجتمع بالعشائرية، يجعل من الضروري والمفيد إسناد مهمات للوجهاء، في هذا المجال دون إضرار بسلطة الدولة وهيبة القانون»، ويلفت إلى أن الأعراف العشائرية تدين الاعتداء على أي ممتلكات للدولة أو للأفراد. وينبه المتصرف إلى أن تدخّل بعض وجهاء العشائر، يكون أحياناً بـ«إيعاز حكومي»، لفضّ نزاعات أمنية وعشائرية، وتهدئة النفوس وتطييب الخواطر. الحباشنة بدوره، يرى أن إجراءات الدولة الجزائية «لا تعمل بشكل مناسب»، ما يجعلها تنصاع في بعض الأحيان إلى إملاءات من أطراف متناحرة، من قبيل «عدم التقاضي أو طلب إعدام الجاني مباشرة»، بمعنى أن الاكتفاء بـ«أخذ عطوة أو جلوة عشائرية»، ليس حلاًَ جذرياً لأي مشكلة جنائية عشائرية أو مدنية. ماضي أكد أن «قضية الطيبة» ما زالت في أدراج القضاء، وأنه لا بد من سير مجرى القانون. الحباشنة، وعلى خلفية أحداث العنف الجماعي التي شهدتها البلاد، يرى أن المشكلة «تكمن في استخدام القانون في حال عدم لزوم استخدامه، وعدم تنفيذه حال لزوم تطبيقه»، مستشهداً بما قامت به أجهزة أمنية من قمع تظاهرة سلمية لعمال الموانئ في العقبة، بطريقة «غير مبررة وغير مفهومة»، بينما أحجمت عن التعامل مع قضايا اضطرابات وتخريب لممتلكات دولة أثناء مناوشات عشائرية كما حدث في عجلون والجفر وطيبة إربد. |
|
|||||||||||||