العدد 4 - محلي | ||||||||||||||
هادئ، غير مندفع، على المرء أن يجالسه أكثر من مرة، ليكتشف عمق تفكيره، لكنه، شأنه شأن معظم مجايليه من السياسيين؛ حذِرٌ جداً في إطلاق التصريحات، وفي اتخاذ القرارات أيضاً. إنه نبيل الشريف، الذي يبدو أنه أفاد كثيراً من تجربته في حكومة علي أبو الراغب 2003، كآخر وزير إعلام، ما انعكس على أدائه خلال عمله الحالي في حكومة نادر الذهبي، وزيرَ دولة لشؤون الإعلام والاتصال وناطقاً رسمياً باسم الحكومة. ظل الشريف ثابتاً على قناعة عبّرَ عنها في مقابلة أُجريت معه نهاية العام 2008 إبان عمله رئيساً لتحرير الدستور، وقبل تكليفه بالوزارة بأشهر، إذ قال تعليقاً على الجدل حول وزارة الإعلام وارتفاع مستوى التوقعات بعودتها: «آمل أن لا تعود، لأن إلغاءها مكسب للوطن، وأنا فخور أنني أنجزت تلك المهمة، وأفتخر بلقب آخر وزير إعلام». تلك القناعة التي أكدها الشريف لـ«ے»، لم تخفِ بعض التململ لديه نظراً لما يراه من اختلاف بين التجربتين في الحكومة: «لم يعد لدي كثير من الأدوات المساندة التي كانت في التجربة الأولى، كانت هناك وزارة بكل كادرها وأدواتها. الآن أشعر بحجم الأعباء في ظل عدم توافر ذلك رغم قيامي بالمهام نفسها. صحيح أن بعض تلك الأدوات متوافرة الآن، لكن ثمة فرق بين وزارة كاملة وبين الوضع الحالي». لكنه يؤكد أن العمل في هذه المرحلة «أسهل»، وأن «ثمة فرقاً نوعياً لصالح التجربة الحالية، فالمعلومات أصبحت متوافرة بشكل أكبر، والتواصل مع الإعلاميين أفضل»، موضحاً أن «هناك إدراكاً حكومياً وعاماً لدور الصحافة، وتطوراً نوعياً للفهم الرسمي لأهمية المعلومة وضروره توفيرها بشفافية»، وهو الأمر الذي يعزوه صحفي في مجال المرئي، لـ«أداء الشريف شخصياً، وليس لتوجهٍ رسمي لدى الحكومة». لا تختلف الحكومة الحالية كثيراً عمّا سبقها من حكومات كانت «يدها ثقيلة» على الإعلام الرسمي، فبحجّة «توحيد المرجعيات» أُوكلت للشريف ملفات المؤسسات الإعلامية الرسمية: الإذاعة والتلفزيون، وكالة بترا، والمطبوعات والنشر. إعلامي بارز طلب عدم نشر اسمه، يرى أن قبول الشريف بهذا الأمر «يسجَّل عليه، وليس العكس». وتحضر في السياق تلك المنغصات التي عانى منها الشريف خلال عمله الصحفي، لعدم توافر هذه «الرؤية الجديدة» التي يتحدث عنها. ففي العام 1997 أصدرت حكومة عبد السلام المجالي الثانية القانونَ المؤقت للصحافة والنشر الذي «صودف» أن إحدى مواده تشترط انقضاء عشر سنوات في عضوية نقابة الصحفيين لمن يحقّ له رئاسة تحرير أي صحيفة، وكأنما «فُصِّلت» هذه المادة لإقصاء الشريف عن رئاسة تحرير الدستور، بسبب توجهه نحو رفع السقف، وعدم رضوخه لضغوطات كانت تُنقل له شفاهاً على لسان مسؤولي تلك الحكومة. وبالفعل استقال الشريف من رئاسة تحرير الدستور، ليتسلم المهمة والده محمود الشريف. في مقابلة أجراها معه في تشرين الأول/أكتوبر 2008 ونُشرت في مجلة اللويبدة، يصف باسم سكجها تجربته الشخصية مع الشريف كرئيس تحرير: «وعدَ بأن يكون آخر وزير إعلام فصدق، وكان رده على اشتراطي بسقف غير محدود للكتابة كشرط لزاويتي اليومية في الدستور: اكتب ما شئت». صديقٌ له طلب عدم ذكر اسمه، يرى أن الشريف «رئيس تحرير فهّيم، لكنه يراعي ما يُعرف بالحساسيات في مجتمعنا، وكثيراً ما يأتي ذلك على حساب رفع سقف الحريات، ما أغضب بعض الصحفيين». وعندما كان الشريف وزيراً للإعلام في حكومة أبو الراغب، يقول صديقه الإعلامي إنه «كان غير ديمقراطي في أدائه»، ويستدرك: «لكنه الآن من دون شك أكثر ديمقراطية وانفتاحاً وجرأة». بدوره، يردّ الشريف على الانتقادات حول أدائه عندما كان وزيراً للإعلام للمرة الأولى، بقوله: «تجربة الوزارة كانت قصيرة الزمن، وأعتقد أنني خرجت منها وأنا أشعر أنني لم أنل الوقت الكافي لتنفيذ أي أهداف أو أي برامج، فالحكومة التي انضممت إليها لم تعمّر أكثر من ثلاثة شهور». ويتساءل: «ماذا يستطيع وزير أن يقدم خلال ثلاثة شهور، وهو بالكاد يستطيع أن يتعرف إلى موظفي وزارته؟!»، ويشرح: «ثمة مفارقة كبيرة في تحول الصحفي إلى وزير، تماماً كمن يقف على ضفة نهر ثم ينتقل إلى الضفة الأخرى». الشريف نفسه يعيد بطء الإنجاز في مهماته كوزير إعلام، إلى ما وصفه بـ«اختلاف الأدوار بين التجربتين»، ويبين أن الوزير في الحالة الأولى هو «الرقيبُ الأول على أداء المؤسسات الإعلامية وضابط الإيقاع لها»، وأنه كان يكفي اتصال من وزير إعلام في السابق لتتغير مجرى كثير من الأمور. أما الآن فدور الوزير «أقرب إلى إيصال المعلومة أكثر من كونه رقيباً عليها». المفارقة أن هذا الانفتاح والسلوك الديمقراطي للشريف، لم ينعكس على أداء المؤسسات التي يقودها. فوكالة الأنباء الرسمية بترا، مثلاً، رغم التطور المحدود الذي لحق بأدائها، ما زالت أداةً بيد الحكومة على المستوى السياسي. أما الكارثة الحقيقية في المشهد الإعلامي الرسمي، فهي مؤسسة الإذاعة والتفزيون. يقول الشريف لـ«ے»: «التلفزيون مثقل تاريخياً بكثير من الأعباء والمشاكل، ويعاني من شح الموارد». لكن إعلاميين يختلفون معه في هذه الجزئية. يقول رئيس تحرير موقع «عمون» الإلكتروني، ونائب رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون سابقاً، سمير الحياري: «المشكلة المالية تأثيرها واضح ولا يمكن تجاهله، لكن المشكلة الأهم تتمثل في غياب استراتيجية إصلاحية منبثقة من رؤية واضحة وإدارة قادرة على تطبيقها. فهذا الأمر غير موجود». ويضيف الحياري: «لقد خرج التلفزيون من السباق بسبب غياب هذه الرؤية والكفاءة لدى الإدارت المتعاقبة على التلفزيون والإذاعة». ويتابع: «لا أمل في الإصلاح ما دام أن هناك إصراراً على هذا النهج، بخاصة وأنه جرى التجديد للمدير العام الحالي، رغم ثبوت فشل أدائه». الشريف من جهته، يبيّن لـ«ے» أن هناك جهوداً تُبذَل بشكل حثيث لإطلاق خطة إصلاح شاملة للتلفزيون»، ويرى أن «هناك بعض التحسن بمستوى الأداء، لكن ليس بالقدر المطلوب». يقول إعلامي مقرّب من الشريف فضّل عدم نشر اسمه: «بإمكان الشريف رفع سقف الحريات في التلفزيون والإذاعة، كما أنه يستطيع أن يتيح فضاء المؤسسة لألوان الطيف السياسي المختلفة، لكن ربما يثنيه عن ذلك حذَرُه والجهدُ الذي يجب أن يبذله لإقناع رئيس الحكومة والديوان الملكي والمخابرات بكل خطوة يود القيام بها». الشريف لديه ثقة أكيدة بأنه في الطريق الصحيحة، نحو مستوى أعلى من جرعة المبادرة، والجرأة في التصدي لملف الإعلام الشائك، والتحدي لتمرير سياسات الحكومة والدفاع عن وجهات نظرها وتسويقها من جهة، والقيام بواجبه بالمحافظة على تدفق المعلومة الرسمية الدقيقة والصحيحة من جهة ثانية. انفتاح الشريف وديمقراطيته التي يقرّ بها الذين تعاملوا معه، يشوبها أحياناً حالةُ تحفُّظ ونكوص إلى زاوية «حذرة» ضيقة، ورغم محاولاته التحرر من هذه الحالة، إلا أنها تعود وتأسره في بعض المواقف. رئيس تحرر موقع البوابة الإلكتروني محمد عمر، يدلّل على ذلك بـ«مستوى تصريحات الشريف، التي تراجَع فيها عن انفتاحه، وبخاصة انتقاده للمواقع الإلكترونية على إثر الخطاب الملكي الأخير، والهجمة على الإعلام وتحميله المسؤولية عن الإشاعات وانتشارها في البلد». ففي ظل الشد والجذب، والاتهامات الموجّهة لوسائل إعلام بإثارة الإشاعات وتسويقها، والحديث عن تقصير جهات إعلامية، مثل نقابة الصحفيين، وطرْح مواقع إلكترونية ملفاتٍ مثيرةً وحساسة، يرى الشريف أن الحل لهذا الواقع هو «أن تتبنى المؤسسات التي خرجت عن الطريق، النهجَ المهني السليم، وأن تعود إلى أخلاقيات المهنة». الشريف يشدد على أنه «يجب على المواقع الإلكترونية تحرّي الدقة والموضوعية، وأن لا تكتفي بنقل الأخبار عن الصحف، بل تبادر لرفع مستوى السقف بطريق إيجابية ومهنية وصادقة، ولا تتيح مجالاً لإثارة النعرات وترويج الإشاعات». هذا الانتقاد لبعض المواقع الإلكترونية سبقه تصريح للشريف قبل أشهر من توزيره، في مقابلته مع اللويبدة، جاء فيه أن «الصحافة الإلكترونية هي صحافة المستقبل، ويجب على الصحافة المطبوعة أن تعمل على أن تكون مواقعها الإلكترونية متطورة للغاية». ربما يرتبط مستوى الأداء والجرأة اللتين يبديهما الشريف، بنوع السياسات التي تتبناها الحكومة، إلى جانب سمات شخصية لدى الشريف تنطلق من وعي مديني. فقد تبنى موقفاً مستنيراً وجريئاً، قد يلقى اعتراضاً من أشخاص في عائلته، عندما أكد عدم عودة الأردن عن قراره برفع تحفّظه على الفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة سيداو. مما أثار زوبعة لدى دوائر دينية ومحافظة، إلى درجة مطالبة الشريف بالاستقالة، بل ورحيل الحكومة بأسرها. وما كان من الشريف إلا الرد بالقول: «نحترم كل الآراء حول سيداو»، لافتاً إلى أن القرار الحكومي برفع التحفظ جاء بناء على مطالبات نسائية نادت طوال السنوات الماضية برفع التحفظات على مواد سيداو. مواقف الشريف المستنيرة لقيت ترحيباً في الأوساط التقدمية في المجتمع، كما هو متوقَّع، لكن تصريحات أدلى بها مؤخراً، أربكت مؤيديه، منها ما ذكره الشريف في مقابلة مع صحيفة الدستور، 26 أيلول/سبتمبر، من أنه لا يستبعد تورط جهات خارجية وتضخيمها للأحداث الأخيرة في البلاد، لإظهار الأردن على أنه بلد غير آمن وغير مستقر. وهذا يذكّر بما كان صرّح به وزير الداخلية نايف القاضي، عشية اعتصام عمال الموانئ في العقبة، حين اتهم جهات خارجية بالوقوف وراء الاعتصام، الذي كان مطلبياً بامتياز. يضاف إلى هذا، ردّة الفعل التي أبداها الشريف تجاه مقالة نشرها الكاتب الصحفي محمد أبو رمان على موقع عمون الإلكتروني. الشريف اتصل بصاحب الموقع، سمير الحياري، وألمح الى أنه سيقاضي أبو رمّان. صديق مشترك للشريف وأبو رمان، طلب عدم نشر اسمه، رأى أن أبو رمان كان قاسياً على الوزير، حين اتهمه بأن تصريحاته بشأن اعتقال شاب أردني في الولايات المتحدة سوف تُستخدَم قضائياً ضد الشاب، وتسهم في إدانته. الصديق المشترك أوضح لـ«ے» أن تصريحات الشريف لن تؤثر في سير التحقيق بالتأكيد، وأن ردة فعله العاتبة ربما كان بسبب القسوة التي اتسمت بها مقالة أبو رمان. الشريف يعبّر عن رضاه التام عن تدفق المعلومات الحكومية في ظل الشكوى العامة والتذمر الدائم من عدم دقة المعلومة أو الخبر الحكومي، ويتابع: «أعتقد أنه سيمر بعض الوقت كي نزيل هذه القناعة، الناتجة عن عيب التشكيك الدائم لدى المتلقي، وربما بعض القصور لدى المرسل». ويصف هذه الحالة بـ«إرث تاريخي»، ويقول إن على الحكومة أن «تستمر بنهج بدأته بمقارعة الحجّة بالحجّة، حتى تتخلص الرواية الرسمية من وصمة العار تلك». «المعلومة الرسمية ليست كما كانت عليه في السابق، فهي الآن مبنية على تقارير وعمل جادّ وحقيقي»، يقول الشريف مضيفاً: «أنا صحفي، وأدرك تماماً حاجة الصحفي للمعلومة، وأعرف تماماً معنى غياب المعلومة». |
|
|||||||||||||